رياض الواصلين >> كتب ورسائل الشيخ فتحي بن أحمد السلامي القيرواني >> رسالة " إتحاف المريدين بشروط الورد والتلقين "

27 إبريل 2017 12:54


لمؤلفها الشيخ سيدي فتحي بن أحمد السلامي القيرواني كان الله له

" بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والدين هو مجموع ثلاث أركان : إسلام وهو الفقه وإيمان وهو التوحيد ,وإحسان وهو التصوّف ولذا كان لزاما على العبد الفقير غفر الله له نفع إخوانه في هذا المجال وهو التصوّف الذي هو روح الدين فقمت بجمع بعض النصائح المفيدة لسالكي الطريقة تنفعهم في سيرهم إلى الله . وقد نويت إخراج هذا العمل في مجموعة رسائل بتوفيق من الله وعونه

فكانت هذه الرسالة الأولى من هذا العمل معنونة ب " إتحاف المريدين بشروط الورد والتلقين )

أرجو من الله قبولها وتيسير النفع بها لكلّ صادق جاد في طريق الله

أهدي هذه الرسالة إلى مولانا وأستاذنا العالم الرباني شيخي إسماعيل الهادفي المداني وإلى كلّ منتسب رباني .
والسلام .

بسم الله الرحمان الرحيم
هذه الرسالة تحتوي على الشروط التسعة اللازم توفّرها لمن أخذ الورد والطريقة حذّر أهل التربية من إهمالها خشية الفشل في الطريق وأمروا بالمحافظة عليها لأنّه لا يصحّ الورد إلاّ بها :

الشرط الأوّل :
الإكثار من ذكر الله بالإستهتار :
ـــــــــــــــــــــــــ

أي أنّ المريد عليه أن يواضب على الذكر ويكثر منه ليلا ونهارا حبّا ورغبة للإيات والأحاديث الواردة في ذلك ولأنّ الذكر هو من أعظم أركان الطريق وقد قسموا الذاكرين إلى قسمين أرباب السلوك وأرباب التبرّك

أمّا أصحاب السلوك فعلى ثلاثة مراتب :

- مكثرين : يذكرون كلمة الإخلاص ( لا إله إلا الله ) أو إسم الجلالة أو غيره حسب الإذن سبعين ألف كلّ يوم

- متوسّطين : يذكرون نصفها كلّ يوم

- مقلّين : يذكرون اثني عشرة ألفا كلّ يوم ولذا قالوا : لا ينبغي للمريد السلوك الإقتصار على اثني عشرة ألفا وأنّه لا يمكنه نقص شيء منها ولو كان المريد فقيرا معسرا لا يستغني عن الكسب له ولعياله

وأمّا أرباب التبرّك فتكفيه مائة وغيرها من أدنى مراتب الكثرة وهي : ثلاثة مائة أو سبع مائة على إختلاف الأقوال

قال أستاذنا المداني في قصيد له :

والذكر خير صقال *** من الفتن القلبية

وقال أيضا :

ألا يا أهل الذكر هيموا *** فإنّ الذكر غايته الحضور

الشرط الثاني :

المذاكرة :
ـــــــــ

قال تعالى ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )

فهي تكمّل الناقص وتهدي الجاهل ولها ثمرات منها بلوغ الذكر إلى حضرة القبول بوجود الإخلاص وكذلك فتح عين البصيرة وهي تنفي الشكّ والوهم والملل وتجلب القريحة والنشاط وقد قسموها قسمين : رأسية وكرّاسية

وهي أنواع ثمانية :

- وعظية : ترغيب وترهيب
- أدبية : تعرّف آداب الطريق الواجبة على المريد
- تعشيقية : ترغبه في فعل عمل أو تركه
- تنشيطية : تؤهّل النفس وتطيّبها إلى العمل
- شوقية : تجلب الشوق
- هداية : نهديه

ملاحظة :
ـــــ

لا يصلح للمذاكرة كلّ أحد إلاّ من فنى عن نفسه وأخلص فيها قاصدا النصيحة والهداية والإرشاد بعد أن أحكم العمل بما علم ففاقد الشيء لا يعطيه عالما بشرع الله وشرع الطريق وأمراض النفوس وأدويتها بعد الإذن الصريح له من شيخه .
فالمذكّر طبيب يدواي العقول والأرواح وإلاّ يكون متطبّبا يعيب ولا يصيب يضرّ ولا ينفع وقد ينقلب منكّرا بعد أن كان مذكّرا فالمذاكرة أمرها خطير وعاش من عرف قدره.

قال أحد المنتسبين رضي الله عنه :

هيّا ويا فقرا *** ونزوروا إمام الحضرة
ايوصّلنا بنظرة *** لحضرة رسول الله
هيّا ويا إخواني *** ونزوروا الشيخ المداني
عالم ربّاني *** يذكّرنا دوما بالله

الشرط الثالث :

الزيارة للشيخ والإخوان :
ـــــــــــــــــــــ

فهي من شعائر الدين وسنن الأنبياء والمرسلين ومن ثمرتها حصول اللقاء والنظرة من المربّي فإنّ الأساتذة في التسليك على أقسام فمنهم من يسلّك المريد بأقواله ومنهم من يسلكه بنظره وهمّته وحاله فيجب الإكثار منها فهي سبب في برئه بسبب ما يسمعه من شيخه من المواعظ والنصائح المشتملة على أدوية تلك الأمراض أو بسبب نفحة من نفحات الله تشفيه من علّته وترقيه بملاحظة شيخه ببصره وبصيرته ولذلك قالوا :

زيارة المربّي *** ترقّي وتربّي
بعد موته حبّي *** كيفما كان حيّ

فزيارة الشيخ مطلوبة لأنّها ترقّي الزائر من حال إلى حال وتنقله من مقام إلى مقام فيرجى لمن زاره بصدق نيّة السعادة ولا يأتيه بقصد الإختبار والميزان فهجران الشيخ من قلّة الإعتقاد ولذلك قالوا :

زيارة أرباب التقى بِرهم يبري *** ومفتاح أبواب الهداية والخير
وكم من بعيد قرّبوه بجذبة *** ففاجأه الفتح المبين من البرّ

قال أحد المنتسبين للطريقة رضي الله عنه :

هيا ويا الاخوان *** نزروا بونا صاحب البرهان
بالله عليه تغيب ** الذكر والتذكير ما تصيب

قال أيضا :

مبعوث لينا طبيب *** بواب ربي والنبي العدناني
قال أيضا :

هيا ونزورو بلاده *** نترنموا بالذكر في ميعاده
نتزودوا من زاده *** ثَمَّ دروس العلم والقرآن

الشرط الرابع :

الفرار من الأضداد وصحبه الدون :
ــــــــــــــــــــــــــــ

وهو من لا ينهضك حاله ولا يدلّك على الله مقاله فإنّه ضرر محض وحجاب يغطي عنك عيوبك فهو قاطع من قواطع الطريق ومانع يمنع المريد من الإتصاف بالصدق والنيّة في الأعمال الصالحة ولذا يجب ترك صحبة أهل الغفلة والهروب منهم .

والأضداد أنواع وهم :

* من لا يستحسن طريقك
* من يطعن في شيخك تصريحا أو تعريضا
* من يمدح غير شيخك
* من لا يحبّ إخوانك
* أصحاب القيل والقال
* المنهمكون في الدنيا
* المشغولون بالآمال

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه :

" إذا وجدتم من يؤمن بطريقتنا فاسألوه الدعاء فهو مجاب وإذا وجدتم من ينكر طريقنا ففرّوا منه فراركم من الأسد "

والخمسة الباقية متعلّقة بعلاقة المريد مع شيخه وهي علامة صدقه

الشرط الخامس :

اتباع أمر الشيخ :
ـــــــــــــــ

فعلى المريد أن يتبع أوامر أستاذه لقوله ( وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) وإن ظهر خلافه وهو أوكد الشروط الخمسة لما فيه من المصالح العامّة

قال القشيري :

شرط المريد أن لا يتنفّس نفسا إلاّ بإذن شيخه ومن خالف شيخه نَفَسًا سرّا أو جهرا لا يشمّ رائحة الصدق ومن صدر منه شيء من ذلك فعليه بسرعة الإعتذار ليبيّن له شيخه ما فيه كفارته وان رجع المريد إلى شيخه بالصدق وجب على شيخه جبر قلبه بهمّته فإنّ الفقراء عيال شيوخهم فيجب أن ينفقوا عليهم من قوّة أحوالهم ما يكون جبرا لتقصيرهم وهذا في حقّ الوارث الربّاني الذي هو نائب عن الله في عباده وخليفته في بلاده المتكلّم بالله وفي الله ولله ولرسوله .

قال أحد العارفين رضي الله عنه :

لا ندبر مع راية *** إلّي يظهر للشيخ هو الغاية
أهل العلم والولاية *** أفعاله الكلّ بوارد الرحمان

الشرط السادس :

القيام بحقّ شيخه :
ـــــــــــــــ

اعلم أنّ حقوق الشيخ على المريد كثيرة والقيام بها عسر جدا إلاّ لمن وهب لشيخه شخصه وحمل شيخه عنه كلّه ومع هذا يعترف بتقصيره .
الحاصل في المسألة أن لا يفعل إلاّ ما يرضي شيخه ولا يلتبس في حركاته وسكناته بخلاف ذلك , وفي هذا المعنى قيل :

أقدّم أستاذي على حقّ والدي *** وإن نالني من والدي العزّ والشرف
فذاك مربّي القلب والقلب جوهر *** وهذا مربّي الجسم والجسم من صدف

الشرط السابع :

حفظ حرمة الشيخ :
ــــــــــــــ

حاضرا كان أو غائبا , حيّا كان أو ميّتا لأنّ حرمته من حرمة الله وحرمة رسول الله لأنّه نائب عنهما
فلا يضحك بين يديه ولا يرفع صوته ولا يجلس متربّعا فلا يقوم بما ينافي التعظيم
ولذا من حفظ حرمته حفظه الله ومن أهانه أهانه الله وما تضرّر كثير من المريدين إلاّ لعدم حفظ حرمة مشايخهم فحرموا من بركاتهم .

الشرط الثامن :

عزل المريد عقله وعلمه ورئاسته وكسر ميزانه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولذا قالوا لا يجوز للفقير أن يحسّن الشيء بعقله أو علمه
إذ قلّ ما يفلح من فعل ذلك فعليه بالرجوع إلى نظر شيخه .

الشرط التاسع :

اجتناب ما نهى عنه الشيخ :
ـــــــــــــــــــــــ

فالواجب على الفقير ترك نظره لنظر شيخه فيما أمره به ونهاه عنه وبهذا تتجلّى الأنوار وتنكشف الأسرار
ولذا نقول لا تحصل لحامل الورد ثمرة لمن تخلّى عن هذه الشروط وأهمل العمل بها .

وفي الختام أرجو أن ينفعنا الله بما ورد في هذه الرسالة ويوفقنا لصالح القول والعمل بجاه سيّد الأنبياء والرسل

وصلى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم .
ــــــــــــ
ـ
انتهت الرسالة .
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

العودة إلى “كتب ورسائل الشيخ فتحي بن أحمد السلامي القيرواني”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد