رياض الواصلين >> المنتدى العام >> سلسلة النصائح لطلاب العلم: في مدح التركيز

20 مايو 2019 00:01

درجتُ على كتابة بعض التوجيهات لطلبة العلم عموما، والعلم الشرعي خصوصا.. وهذا آخر ما كتبته:
سلسلة النصائح لطلاب العلم: في مدح التركيز:
ترِد عليّ بعض الأسئلة من أصدقاء، تدور حول مشكلة معينة، وهي أن أصحابها يريدون التعلـّم وفي الوقت نفسه الإبقاء على التزامات وهوايات وانشغالات متعددة.
ورأيي هو هذا: القاعدة العامة في طلب العلم هي التفرّغ.. والتفرغ لا يعني فقط توفير الوقت للتعلم، بل تفريغ البال أيضا. بمعنى أن العلم يتطلـّـب تفرغا زمنيا ونفسيا.. شبه تام.
هذا التفرغ يتأكد في بدايات طلب العلم، أي للمبتدئ.. ثم مع التمكن من العلوم لا يصبح التفرغ واجبا، بل يكون نسبيا.
حين نأتي للأشخاص، فالفتوى كما يقولون تُقدّر زمانا ومكانا وشخصا. أي لا توجد فتوى عامة. فكل حالة وظروفها. لكن يمكن أن نقول: إذا تعذّر التفرغ والتركيز فلا أقلّ من التخفيف، أي تتخفّفْ ما أمكن من الانشغالات. فتعمل أولويات، وتترك بعض الأمور -لتُوفر كما سبق- ليس فقط الوقت، بل البال والجهد النفسي والعقلي للعلم.
أما أن تتمسك بكل عاداتك وهواياتك وانشغالاتك وشهواتك.. وتريد العلم مع ذلك. هذا لا يكون. والعلم -كما قالوا- إن أعطيته كلّك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا.
خذوها قاعدة مهمة ومُوجّهة: الذي يعطي الثمرة في العلم هو التركيز.. تركيز الجهد والوقت والمال والطاقة الجسدية والعقلية والنفسية في اتجاه واحد. وأحكي لكم عن شيء من أحوالي: كنتُ أيام إعداد أطروحتي الأولى -تعادل الدكتوراه الوطنية- لكي أكتب، خاصة المباحث الصعبة، أحتاج أن أفعل أمورا: أن أكون قد نمتُ جيدا. وأن أشرب القهوة. وآكل ما يسدّ الجوع وشغبه وليس بكثرة. وآخذ حماما أي أغتسل.. بعد هذا أجلس بين عشرات الكتب والأوراق وأكتب... ماذا يعني هذا؟ يعني تركيز جميع القدرات وشحنها وتوجيهها وجهة واحدة: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة}.
أكثر ما يطيل الطريق على طالب العلم هو التشتّـت وتعدد الأشغال وتزاحم الاهتمامات. فمهما كانتْ عندك إرادة تعلم فن ما أو لغة ما أو كتابة مقالة أو كتاب.. فالمفتاح هو التركيز التام أو شبه التام. فتخرج إليه بكلـّيتك. كما قال تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}. فالقلب واحد ووِجهته واحدة ولابد.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

20 مايو 2019 14:53

جزاك الله خيراً سيدي إلياس على نصائحك القيمة

القاعدة العامة في طلب العلم هي التفرّغ.. والتفرغ لا يعني فقط توفير الوقت للتعلم، بل تفريغ البال أيضا. بمعنى أن العلم يتطلـّـب تفرغا زمنيا ونفسيا.. شبه تام.


كيف يتحقق هذا التفرغ؟ أنا مثلاً الآن أعمل وأدرس في نفس الوقت درجة الماجستير في تخصص علم البيانات (Data sceince). أود التعلم والتعمق في مجال تخصصي وكذلك تعلم وحفظ العلوم الشرعية كالتفسير والحديث، هذا فضلاً عن العلوم الأخرى مثل علوم النفس والتاريخ إلخ. لم أعد أجد متسعاً كبيراً من الوقت كما كان الحال من قبل. فهل من نصيحة وتوجيه؟
عمّار اليوسُفي
عضو جديد
مشاركات: 2
اشترك في: 20 مايو 2019 11:03
آخر نشاط: 01 يناير 1970 01:00
مكان: ماليزيا
العمر: 30
اتصال:

21 مايو 2019 01:39

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
عبدالله حرزالله
عضو نشيط
مشاركات: 61
اشترك في: 01 مايو 2017 16:46
آخر نشاط: 22 مارس 2018 20:58
مكان: نابلس-فلسطين
العمر: 36
اتصال:

22 مايو 2019 03:52

أهلا الأستاذ عمار.
التخصص لابد منه، لأنه تركيز.. والتركيز كما شرحتُ هو الذي يثمر. لذلك فطبيعي أن يكون جهدك الأساس ينصب على علم البيانات.
تبقى العلوم الأخرى ثقافة عامة، بمعنى لا يمكن أن تتخصص في العلوم الشرعية أو الإنسانية.. إنما تقرأ عن كل علم من العلوم كتابا أو كتابين أو ثلاثة، فتأخذ فكرة عامة عنه، وتزول عنك صفة الجهل بذلك العلم. وهذا في حدّ ذاته أمر مهم ومكسب ليس بالسهل.
في مرحلة لاحقة تتخيّر من العلوم، الشرعية والإنسانية، ما هو أقرب إلى قلبك واهتمامك.. فتخصّه بمزيد من القراءات والمطالعات والتفكير.
في مرحلة ثالثة يمكن أن تصل إلى نوع من التخصص الثاني، أو الموازي.. وذلك باكتشافك لعلم معيّن أو حتى قضية ما.. ترى أنه علم مهم وتحس من نفسك أنك قادر على أن تبدع فيه وتنفع به الناس.
فاكتساب تخصص ثان إلى جوار التخصص الأصلي أمرٌ ممكن.. وهنا يأتي دور الزمن والصبر، إذ تراكم القراءة والبحث وإن كان قليلا، أعني بدون تفرغ، فهو يعطي النتيجة على المستوى المتوسط أو البعيد.
وهنا مفتاح آخر لنجاح التعلّم، وهو المثابرة. إن شاء الله أخصّه بكلام مستقل.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

22 مايو 2019 14:52

شكراً جزيلاً سيدي إلياس

وهنا مفتاح آخر لنجاح التعلّم، وهو المثابرة. إن شاء الله أخصّه بكلام مستقل.


وحبذا لو تكلمتم عن موضوع تذكر ما يتعلمه الإنسان. فمع مرور الزمن يُنسى معظم ما تمت قراءته وتعلمه. هناك طرق للتذكر مثل طريقة spaced repetition (التكرار المتباعد) لكن لا أراها طرقاً عملية خاصة إذا كثر ما يتعلمه الإنسان...
عمّار اليوسُفي
عضو جديد
مشاركات: 2
اشترك في: 20 مايو 2019 11:03
آخر نشاط: 01 يناير 1970 01:00
مكان: ماليزيا
العمر: 30
اتصال:

31 مايو 2019 05:59

جزاك الله خيرا سيدي الياس

*(قصةٌ مُحَفِّزَةٌ لطلبِ العلمِ ذكرها ابنُ بَطَّالٍ في
"مقدمة شرحه لصحيح البخاري")*

ساق ابن بطال بسنده إلى يحيى بن يحيى الليثي (تلميذ الإمام مالك) قال:

"أول ما حدثني مالك بن أنس حين أتيته طالباً لما ألهمني الله إليه في أول يوم جلست إليه قال لي: اسمك؟
قلت له: أكرمك الله يحيى.
وكنت أحدث أصحابي سنًّا.
فقال لي: يا يحيى! الله الله! عليك بالجد فى هذا الأمر، وسأحدثك فى ذلك بحديث يرغبك فيه، ويزهدك في غيره.

قال: قدم المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك، فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزل به الموت، فلقد رأيت على جنازته شيئاً لم أر مثله على أحد من أهل بلدنا؛ لا طالب ولا عالم، فرأيت جميع العلماء يزدحمون على نعشه.
فلما رأى ذلك الأمير أمسك عن الصلاة عليه، وقال: قدموا منكم من أحببتم.
فقدَّمَ أهلُ العلمِ ربيعةَ، ثم نهض به إلى قبره.
قال مالك: فألحده فى قبره ربيعة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، وأقرب الناس إليهم محمد بن المنذر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم، وبنى اللِّبن على لحده ربيعة، وهؤلاء كلهم يناولوه اللِّبن!

قال مالك: فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه؛ رآه رجل من خيار أهل بلدنا فى أحسن صورة غلام أمرد، وعليه بياض، متعمم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب نازل من السماء، فكأنه كان يأتيه قاصداً ويسلم عليه، ويقول: هذا بلغني إليه العلم.
فقال له الرجل: وما الذي بلغك إليه؟
فقال: أعطانى الله بكل باب تعلمته من العلم درجة فى الجنة، فلم تبلغ بي الدرجات إلى درجة أهل العلم، فقال الله تعالى: زيدوا ورثة أنبيائي، فقد ضمنت على نفسي أنه من مات وهو عالم سنتي، أو سنة أنبيائي، أو طالب لذلك أن أجمعهم في درجة واحدة.

فأعطاني ربي حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، وليس بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا درجتان؛ درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم؛ ودرجة فيها جميع أصحابه وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم، ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته، فسيرني حتى استوسطتهم، فقالوا لي: مرحباً مرحباً! سوى ما لي عند الله من المزيد.
فقال له الرجل: وما لك عند الله من المزيد؟
فقال: وعدني أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم فى زمرة واحدة، فيقول:
يا معشر العلماء! هذه جنتي قد أبحتها لكم، وهذا رضواني قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم، وأشفعكم فيمن استشفعتم له، ليرى عبادي كرامتكم علي، ومنزلتكم عندي.

فلما أصبح الرجل حدث أهل العلم، وانتشر خبره بالمدينة.

قال مالك: كان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا فى طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه؛ حتى سمعوا هذا الحديث، فلقد رجعوا إليه، وأخذوا بالحزم، وهم اليوم من علماء بلدنا.

*اللـهَ اللـهَ ! يا يحيى! جِدَّ فى هذا الأمر*".

"شرح ابن بطال" (١/ ١٣٤)
عابرسبيل
عضو نشيط
مشاركات: 44
اشترك في: 15 يوليو 2017 22:49
آخر نشاط: 21 مارس 2018 23:01
مكان: مدينة
العمر: 28
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد