شهادتي على نفسي 2
مرسل: 15 ديسمبر 2017 08:51
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه
أما بعد :
بداية أقول :
يحدث كل ّ مرة أن بعض المتابعين من رواد المنتدى والمنتديات من قبله وصفحتي على الفيسبوك سابقا جزاهم الله خيرا وبارك فيهم يظنون في العبد الفقير ظنونا حسنة فيعتقدون في تمام سيره وكمال سلوكه ومكاشفته ومن كونه واصلا عارفا أو مفتوحا عليه بالمعارف الربانية والعلوم اللدنية والفيوض الإلهية … الخ
كنت أشرت منذ سنوات عديدة في مقال يحمل عنوان " شهادتي على نفسي " نشرته في أكثر من منتدى أن كلّ تلك الظنون الحسنة من أصحابها غير صحيحة لهذا على العبد الفقير بيان حاله في الطريقة لئلا يغتر به المغترون أو يعتقد فيه العرفان المعتقدون فأقول تبرئة لذمتي :
العبد الفقير مازلت في طور البدايات لست بسائر ولا سالكا فضلا عن أن أكون واصلا في طريق مدارج الكمال وإلى الآن مازلت في طور التربية عند أهل التربية المأذونين في الإرشاد من مشايخي إن قبلوني وصحت نسبتي إليهم بعد انتقال شيخنا سيدي اسماعيل الهادفي رحمه الله تعالى وقدس روحه العزيز المتوفى سنة 1994 ميلادية …
لذا فكل من يعتقد في العبد الفقير التقوى والإيمان أو المكاشفة والإيقان فضلا عن الوصول والعرفان فهو مخطئ خطأ جسيما في هذا المضمار وقد قيل " عاش من عرف قدره " وها أنا أكتب ما أعرفه من نفسي ( ولا ينبئك مثل خبير )
ثانيا :
من جهة أخرى وهي المسألة الواقعية التي أتلاقى فيها مع أحبابي وأصدقائي والقراء المتابعين وأتقبلها منهم ولا أرفضها كونها ملتقى الأحبّة كون العبد الفقير " محبّا " مثلهم إن شاء الله تعالى لأهل الطريقة معتقدا بإذن الله في وجود علوم الطريقة والحقيقة أدل على المشايخ المربين المأذونين قدر استطاعتي وأشرح وأفسر للناس مبادئ الطريقة مستروحا فيما نطقوا به من دلائل الحقيقة فتلك أرجو أن تكون وظيفتي إن وفقني الله تعالى إليها وما ادعي القدرة على ذلك …
الفرق بين هذه المسألة الثانية وبين المسألة الأولى المتعلقة بالمشيخة في طريق الله واضح بيّن عند كل أحد فلا يجوز الخلط بينهما اطلاقا
نعم بحكم تجربتي الواسعة والطويلة في الطريقة وقراءتي خلال سنوات من عمري في زمن شبابي خاصة في كتب أهل الشريعة والحقيقة أكسبني ذلك خبرة في تمييز الغث من السمين في الطريقة وكشف صاحب دعاوى الحقيقة إذ عند التمرس في خبرة الشيء بحكم المزاولة والمداولة تدرك لا محالة الجيد من الصنعة والسقيم منها
لذا قالوا " إسأل مجربا ولا تسأل طبيبا " أي إسأل صاحب خبرة وتجربة قبل أن تسأل صاحب علم نظري فصاحب العلم النظري قد يكون بعيدا تمام البعد عن فهم حالة الواقع الذي تعيش فيه لذلك قال سيدنا الخضر لسيدنا موسى عليهما السلام ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) أي كيف يمكنك أن تصبر على تعلم شيء لا خبرة لك به على أرض الواقع أي لم تمارسه ولم يقمك الله تعالى خلال أعوام حياتك في طلبه وفهمه فأكيد أنك لن تصبر في صحبتي على تعلمه
لهذا فللخبرة مجالها في طريق الله تعالى ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) وكذلك للخبرة مجالها حتى في العلوم الكسبية وهناك فرق كبير بين مرحلة الشباب التي يكون فيها الشاب يتوقد حماسا وركوبا للأهوال أما عند تقدم السن به خصوصا بعد تهذيب التجارب وتمحيص الإبتلاءات له فتكسبه مدرسة الليالي والأيام تعقلا واضحا ورصانة لا تخفى فمن سنن الله في الوجود أنه لا يرسل رسولا من رسله بالآيات والهدى لقومه إلا بعد أن يتجاوز سن الأربعين سنة غالبا ولا قياس على من شذ عن هذه السنة وهم قلة لذا قال تعالى ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً )
لذا فمن الإحتياط عدم التقدم للمسؤولية استقلالا في سن مبكرة خصوصا الوظائف الدينية والمسؤوليات السياسية إلا من كان تحت نظر نبي مرسل كأسامة بن زيد لما نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش العسرة أو تحت رعاية ولي عارف مرشد كامل كما هو الحال في عديد الوقائع أما من يتقدم من تلقاء نفسه ومن غير مرجعية من إذن أو رعاية كما تقدم رؤوس المبتدعة من الفرق الضالة فأكيد أن أقرب شيء يترصدهم هو الضلال والإضلال لذلك تعيّن في الدين المشورة وفي السياسة الشورى وهو ما يسمونه اليوم في لغة السياسيين – المستشارين -
من شروط التقدم للمشيخة في طريق الله تعالى العلم والعمل والمعرفة بالله تعالى والإذن الصريح في التربية والترقية ويشهد الله تعالى أن هذه الشروط الأربعة غير متوفرة في العبد الفقير لذلك لا أصلح أن أكون شيخا ولا يمكنني أن أكون مسلكا ففاقد الشيء لا يعطيه فكيف أعطي شيئا أنا فاقده ؟ هذا لا يكون
أما عند سؤالك عن مصدر ما أكتبه من كتابات وما يظهر من استرواحات واشارات فالجواب أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء متى صح العلم ووافق الطرح الصواب
سمعت شيخنا سيدي فتحي السلامي حفظه الله يقول فيما معناه :
" لا يكون الفتح في العلم والفيوض الحقيقية إلا بعد كمال السلوك والفتح في معرفة الله تعالى والوصول إليه سبحانه وتعالى أما قبل ذلك فقد تصل النفس في بعض الأحيان إلى فهم كثير من تفسيرات الطريقة واستنباطات في معارف واشارات الحقيقة فيحالفها الصواب في إدراك المعلومة على وجهها الصحيح وينالها حظ الموافقة لكن يبقى مصدر تلك المعلومات والمفاهيم الصائبة لا تعدو كونها من حضرة النفس صادرة "
قلت : المعلوم أن ما صدر من حضرة النفس لا خير فيه لأنه منقطع الأمداد منفصل الإسناد مهما كان صائبا إذ ليس الخلل في صوابه إنما الخلل في مصدره لذا ورد ( كم قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ) فليس الخلل فيما يقرؤه إنما الخلل في القارئ نفسه لذلك كم تجد من عالم يقول " خذوا عني علمي ولا تأخذوا عني فعلي " حيث يكون علمه في واد وأفعاله في واد آخر وقبل كل هذا وذاك ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى ) ( نية المرء خير من عمله ) فلله الحمد على جبر النيّة للعمل وإلا هلك الخلق
بعض إخواني وأصدقائي عندما يقرؤون ما أكتبه عن نفسي في سلبها لأوصاف لا تستحقها ولا توجد فيها ربما يتضايقون ويحزنون وقد يشعرون بالإحباط بسبب اعتقادهم في العبد الفقير ما أشرت إليه أعلاه فكأنهم عندها يصابون بخيبة أمل وهذا وإن دل فإنما يدل على أخطاء تقع منهم في عدم فهم الطريقة وجهل بترتيب المراتب واستشعار المنازل إذ لا يستوجب عدم وجود صفة معينة في شخص ما نفي وجود غيرها من الصفات فيه ...
لأن العبد الفقير وإن كنت صادقا فيما أحكيه عن نفسي بخصوص السلوك والعرفان فلا أنفي أن الله تعالى وفقني إلى فهم كثير من مبادئ علوم الطريقة فينفع الله تعالى بي من هذا الوجه متى شاء وأراد فلا أدل الخلق إن شاء الله تعالى من هذه الناحية إلا على ما أراه حقا وصوابا خصوصا بعد تلك التجربة الطويلة في الطريقة يإيجابياتها وسلبياتها وسيئاتها وحسناتها ولا أذكر لهم إن شاء الله تعالى إلا ما يقربهم ويدنيهم للحق والسعي في سبل دلالتهم على الخير فالدال على الخير كفاعله
ثمّ بعد هذا فالذي أنصح به نفسي وإخواني ومن يقرأ لي ويتابعني هو اتباع أحكام الشريعة والإستقامة على نهج الطريقة قدر الإستطاعة إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها في كل شيء فلا حرج في الدين فالله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وقد قال عليه الصلاة والسلام " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا "
فالتنفير والتعسير ليس من الدين في شيء بل هما تحريف لمعاني الدين فديننا لا يحتمل الغلو ولا الحرج فيه ولا التعسير ولا التنفير ولا الإفراط أو التفريط ولا التفلّت أو التعصب ولا التسيّب أو التنطع فهو دين وسطي ميزان الإعتدال فخذ بهذه القاعدة من حيث كون الدين وسطيا معتدلا ميزان عدل لا يميل إلى كفة دون أخرى إذ بهذه القاعدة تكشف المحق من المبطل وتعرف المصيب من المخطئ من جميع الأطراف
ثمّ لا يجوز أن يحتكر أحد منا الدين لنفسه أو الطريق أو العلم فالتعصب مذموم من الجميع سواء من أهل الشريعة أو أهل الطريقة فيظن أن كل ما يراه هو الصواب وكل ما يقوله غيره هو الباطل الذي لا صواب فيه بل صاحب الحق يبحث عن الحق عند كل ناطق به ولا يهمه بعد ذلك الإنتماءات والتسميات لكون المؤمن الصادق والمسلم الحر لا يتقيد بالتحزبات والتشيعات وجميع تلك الإنتماءات بل هو مسلم هكذا يرى نفسه دون الإلتفات لغير معنى الإسلام عنده فلا يكون انتماؤه لجماعته أو طائفته مقدما على انتسابه لدين الإسلام والمسلمين من حيث كونهم اخوانه في الدين
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
حرر في صبيحة يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1439ﻫ الموافق لـــ 15 كانون الأول 2017 م
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه
أما بعد :
بداية أقول :
يحدث كل ّ مرة أن بعض المتابعين من رواد المنتدى والمنتديات من قبله وصفحتي على الفيسبوك سابقا جزاهم الله خيرا وبارك فيهم يظنون في العبد الفقير ظنونا حسنة فيعتقدون في تمام سيره وكمال سلوكه ومكاشفته ومن كونه واصلا عارفا أو مفتوحا عليه بالمعارف الربانية والعلوم اللدنية والفيوض الإلهية … الخ
كنت أشرت منذ سنوات عديدة في مقال يحمل عنوان " شهادتي على نفسي " نشرته في أكثر من منتدى أن كلّ تلك الظنون الحسنة من أصحابها غير صحيحة لهذا على العبد الفقير بيان حاله في الطريقة لئلا يغتر به المغترون أو يعتقد فيه العرفان المعتقدون فأقول تبرئة لذمتي :
العبد الفقير مازلت في طور البدايات لست بسائر ولا سالكا فضلا عن أن أكون واصلا في طريق مدارج الكمال وإلى الآن مازلت في طور التربية عند أهل التربية المأذونين في الإرشاد من مشايخي إن قبلوني وصحت نسبتي إليهم بعد انتقال شيخنا سيدي اسماعيل الهادفي رحمه الله تعالى وقدس روحه العزيز المتوفى سنة 1994 ميلادية …
لذا فكل من يعتقد في العبد الفقير التقوى والإيمان أو المكاشفة والإيقان فضلا عن الوصول والعرفان فهو مخطئ خطأ جسيما في هذا المضمار وقد قيل " عاش من عرف قدره " وها أنا أكتب ما أعرفه من نفسي ( ولا ينبئك مثل خبير )
ثانيا :
من جهة أخرى وهي المسألة الواقعية التي أتلاقى فيها مع أحبابي وأصدقائي والقراء المتابعين وأتقبلها منهم ولا أرفضها كونها ملتقى الأحبّة كون العبد الفقير " محبّا " مثلهم إن شاء الله تعالى لأهل الطريقة معتقدا بإذن الله في وجود علوم الطريقة والحقيقة أدل على المشايخ المربين المأذونين قدر استطاعتي وأشرح وأفسر للناس مبادئ الطريقة مستروحا فيما نطقوا به من دلائل الحقيقة فتلك أرجو أن تكون وظيفتي إن وفقني الله تعالى إليها وما ادعي القدرة على ذلك …
الفرق بين هذه المسألة الثانية وبين المسألة الأولى المتعلقة بالمشيخة في طريق الله واضح بيّن عند كل أحد فلا يجوز الخلط بينهما اطلاقا
نعم بحكم تجربتي الواسعة والطويلة في الطريقة وقراءتي خلال سنوات من عمري في زمن شبابي خاصة في كتب أهل الشريعة والحقيقة أكسبني ذلك خبرة في تمييز الغث من السمين في الطريقة وكشف صاحب دعاوى الحقيقة إذ عند التمرس في خبرة الشيء بحكم المزاولة والمداولة تدرك لا محالة الجيد من الصنعة والسقيم منها
لذا قالوا " إسأل مجربا ولا تسأل طبيبا " أي إسأل صاحب خبرة وتجربة قبل أن تسأل صاحب علم نظري فصاحب العلم النظري قد يكون بعيدا تمام البعد عن فهم حالة الواقع الذي تعيش فيه لذلك قال سيدنا الخضر لسيدنا موسى عليهما السلام ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) أي كيف يمكنك أن تصبر على تعلم شيء لا خبرة لك به على أرض الواقع أي لم تمارسه ولم يقمك الله تعالى خلال أعوام حياتك في طلبه وفهمه فأكيد أنك لن تصبر في صحبتي على تعلمه
لهذا فللخبرة مجالها في طريق الله تعالى ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) وكذلك للخبرة مجالها حتى في العلوم الكسبية وهناك فرق كبير بين مرحلة الشباب التي يكون فيها الشاب يتوقد حماسا وركوبا للأهوال أما عند تقدم السن به خصوصا بعد تهذيب التجارب وتمحيص الإبتلاءات له فتكسبه مدرسة الليالي والأيام تعقلا واضحا ورصانة لا تخفى فمن سنن الله في الوجود أنه لا يرسل رسولا من رسله بالآيات والهدى لقومه إلا بعد أن يتجاوز سن الأربعين سنة غالبا ولا قياس على من شذ عن هذه السنة وهم قلة لذا قال تعالى ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً )
لذا فمن الإحتياط عدم التقدم للمسؤولية استقلالا في سن مبكرة خصوصا الوظائف الدينية والمسؤوليات السياسية إلا من كان تحت نظر نبي مرسل كأسامة بن زيد لما نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش العسرة أو تحت رعاية ولي عارف مرشد كامل كما هو الحال في عديد الوقائع أما من يتقدم من تلقاء نفسه ومن غير مرجعية من إذن أو رعاية كما تقدم رؤوس المبتدعة من الفرق الضالة فأكيد أن أقرب شيء يترصدهم هو الضلال والإضلال لذلك تعيّن في الدين المشورة وفي السياسة الشورى وهو ما يسمونه اليوم في لغة السياسيين – المستشارين -
من شروط التقدم للمشيخة في طريق الله تعالى العلم والعمل والمعرفة بالله تعالى والإذن الصريح في التربية والترقية ويشهد الله تعالى أن هذه الشروط الأربعة غير متوفرة في العبد الفقير لذلك لا أصلح أن أكون شيخا ولا يمكنني أن أكون مسلكا ففاقد الشيء لا يعطيه فكيف أعطي شيئا أنا فاقده ؟ هذا لا يكون
أما عند سؤالك عن مصدر ما أكتبه من كتابات وما يظهر من استرواحات واشارات فالجواب أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء متى صح العلم ووافق الطرح الصواب
سمعت شيخنا سيدي فتحي السلامي حفظه الله يقول فيما معناه :
" لا يكون الفتح في العلم والفيوض الحقيقية إلا بعد كمال السلوك والفتح في معرفة الله تعالى والوصول إليه سبحانه وتعالى أما قبل ذلك فقد تصل النفس في بعض الأحيان إلى فهم كثير من تفسيرات الطريقة واستنباطات في معارف واشارات الحقيقة فيحالفها الصواب في إدراك المعلومة على وجهها الصحيح وينالها حظ الموافقة لكن يبقى مصدر تلك المعلومات والمفاهيم الصائبة لا تعدو كونها من حضرة النفس صادرة "
قلت : المعلوم أن ما صدر من حضرة النفس لا خير فيه لأنه منقطع الأمداد منفصل الإسناد مهما كان صائبا إذ ليس الخلل في صوابه إنما الخلل في مصدره لذا ورد ( كم قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ) فليس الخلل فيما يقرؤه إنما الخلل في القارئ نفسه لذلك كم تجد من عالم يقول " خذوا عني علمي ولا تأخذوا عني فعلي " حيث يكون علمه في واد وأفعاله في واد آخر وقبل كل هذا وذاك ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى ) ( نية المرء خير من عمله ) فلله الحمد على جبر النيّة للعمل وإلا هلك الخلق
بعض إخواني وأصدقائي عندما يقرؤون ما أكتبه عن نفسي في سلبها لأوصاف لا تستحقها ولا توجد فيها ربما يتضايقون ويحزنون وقد يشعرون بالإحباط بسبب اعتقادهم في العبد الفقير ما أشرت إليه أعلاه فكأنهم عندها يصابون بخيبة أمل وهذا وإن دل فإنما يدل على أخطاء تقع منهم في عدم فهم الطريقة وجهل بترتيب المراتب واستشعار المنازل إذ لا يستوجب عدم وجود صفة معينة في شخص ما نفي وجود غيرها من الصفات فيه ...
لأن العبد الفقير وإن كنت صادقا فيما أحكيه عن نفسي بخصوص السلوك والعرفان فلا أنفي أن الله تعالى وفقني إلى فهم كثير من مبادئ علوم الطريقة فينفع الله تعالى بي من هذا الوجه متى شاء وأراد فلا أدل الخلق إن شاء الله تعالى من هذه الناحية إلا على ما أراه حقا وصوابا خصوصا بعد تلك التجربة الطويلة في الطريقة يإيجابياتها وسلبياتها وسيئاتها وحسناتها ولا أذكر لهم إن شاء الله تعالى إلا ما يقربهم ويدنيهم للحق والسعي في سبل دلالتهم على الخير فالدال على الخير كفاعله
ثمّ بعد هذا فالذي أنصح به نفسي وإخواني ومن يقرأ لي ويتابعني هو اتباع أحكام الشريعة والإستقامة على نهج الطريقة قدر الإستطاعة إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها في كل شيء فلا حرج في الدين فالله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وقد قال عليه الصلاة والسلام " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا "
فالتنفير والتعسير ليس من الدين في شيء بل هما تحريف لمعاني الدين فديننا لا يحتمل الغلو ولا الحرج فيه ولا التعسير ولا التنفير ولا الإفراط أو التفريط ولا التفلّت أو التعصب ولا التسيّب أو التنطع فهو دين وسطي ميزان الإعتدال فخذ بهذه القاعدة من حيث كون الدين وسطيا معتدلا ميزان عدل لا يميل إلى كفة دون أخرى إذ بهذه القاعدة تكشف المحق من المبطل وتعرف المصيب من المخطئ من جميع الأطراف
ثمّ لا يجوز أن يحتكر أحد منا الدين لنفسه أو الطريق أو العلم فالتعصب مذموم من الجميع سواء من أهل الشريعة أو أهل الطريقة فيظن أن كل ما يراه هو الصواب وكل ما يقوله غيره هو الباطل الذي لا صواب فيه بل صاحب الحق يبحث عن الحق عند كل ناطق به ولا يهمه بعد ذلك الإنتماءات والتسميات لكون المؤمن الصادق والمسلم الحر لا يتقيد بالتحزبات والتشيعات وجميع تلك الإنتماءات بل هو مسلم هكذا يرى نفسه دون الإلتفات لغير معنى الإسلام عنده فلا يكون انتماؤه لجماعته أو طائفته مقدما على انتسابه لدين الإسلام والمسلمين من حيث كونهم اخوانه في الدين
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
حرر في صبيحة يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1439ﻫ الموافق لـــ 15 كانون الأول 2017 م