رياض الواصلين >> المنتدى العام >> سؤال حول عبادة التفكر في الكون

24 نوفمبر 2017 12:20

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ساداتي الكرام
محور السؤال يدور حول ما يُطلب منا من عبادة التفكر والتدبر في السماوات والأرض..

أقول: فإن لم يتعجب الإنسانُ حين تفكره من المخلوقات الربانية التي يراها (والتي توصف بأنها من عجيب صنع الله) وذلك -أقصد عدم التعجب- لعلّه بسبب شهود أو رؤية كمال ومطلق القدرة الإلهية ، فاذا غَلَبَ تعظيم مطلق القدرة للحق سبحانه عن أن يتعجب من قدرته على خلق أيّ شيء عظيماً كان أو أقلَّ منه -في نظرنا- كونُ صلوحية قدرته سبحانه قابلة لخلق أي شيء .. فـألا يكون هذا الكلام حقاَ وصوابا لا مرية فيه في عالم الحقيقة؟ أم أن فيه نظراً وكلاماً ؟ فربما كان يغلب على الأمر بالتدبر والتفكر حينئذ والله أعلم.
عبدالله حرزالله
عضو نشيط
مشاركات: 61
اشترك في: 01 مايو 2017 16:46
آخر نشاط: 22 مارس 2018 20:58
مكان: نابلس-فلسطين
العمر: 36
اتصال:

26 نوفمبر 2017 03:28

عبدالله حرزالله كتب:

أقول: فإن لم يتعجب الإنسانُ حين تفكره من المخلوقات الربانية التي يراها (والتي توصف بأنها من عجيب صنع الله ) وذلك -أقصد عدم التعجب- لعلّه بسبب شهود أو رؤية كمال ومطلق القدرة الإلهية ، فاذا غَلَبَ تعظيم مطلق القدرة للحق سبحانه عن أن يتعجب من قدرته على خلق أيّ شيء عظيماً كان أو أقلَّ منه -في نظرنا- كونُ صلوحية قدرته سبحانه قابلة لخلق أي شيء .. فـألا يكون هذا الكلام حقاَ وصوابا لا مرية فيه في عالم الحقيقة ؟ أم أن فيه نظراً وكلاماً ؟ فربما كان يغلب على الأمر بالتدبر والتفكر حينئذ والله أعلم.


جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أخي عبد الله حرزالله

سؤالكم وإن كان شائكا وغامضا بعض الشيء فالذي فهمته منه :

أن العبد قد لا يتعجب من أي شيء خلقه الله تعالى عند تفكره فيه مهما كان هذا الشيء علويا أو سفليا عظيما أو صغيرا لما يجده في قلبه من يقين لا يزاحمه شك في كمال قدرة الله تعالى وأنه على كل شيء قدير فمما التعجب حينئذ ؟

الجواب إن كان فهمي لسؤالكم صحيحا والله أعلم :

بداية ما وضع أو شرط التفكر في المخلوقات للوصول إلى نتيجة إسمها " التعجب " بل التفكر في الخلق كقوله تعالى ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ليس لقصد أو غاية التعجب من أثر القدرة الإلهية وكمالها وإنما التفكر حقيقة يكون للوصول إلى سرّ الحكمة لذلك قال المتفكرون مباشرة بعد تفكرهم كما في الآية ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ) فعاينوا بقلوبهم ومكاشفاتهم في عالم إيقانهم أحقية خلق السماوات والأرض فهم في هذا من باب قوله تعالى في حق سيدنا إبراهيم عليه السلام ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )

أما تفكر أهل الظاهر من حيث ظاهر الأجرام المحسوسة التي يراها المؤمن والكافر فهو تفكر العوام من أهل الظاهر وليس هو تفكر الخواص من أهل السير والسلوك

لا علاقة للتعجب بالتفكر فلا عجب من قدرة الله وإنما العجب يكون غالبا في عظمة حكمة الله تعالى ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) فما قالت الملائكة هنا للسيدة سارة عليها السلام ( أتعجبين من قدرة الله ) بل " أمر الله " أي " قضائه وقدره " أي حكمته في فعله
لذلك قال تعالى في آخر الآية ( إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) وما قال ( إنه على كل شيء قدير )

قال سيدنا إبراهيم عليه السلام ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) فقال الله تعالى له ( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ) ؟ أي أولم تؤمن بقدرتي على احياء الموتى فأجاب سيدنا إبراهيم ( قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) أي بلى أنا مؤمن بقدرتك على وجه التمام لكن أريد مشاهدة سر حكمتك في عظيم قدرتك

فالإيمان بالقدرة شيء أما التفكر في الحكمة فشيء آخر فالذي يتعجب منه غالبا هو من باب شهود اعجاز الحكمة
لذا فالعبد يؤمن بقدرة الله على وجه الكمال وأنه على كل شيء قدير لكنه قد يعجب من حكمة الله في مصنوعاته بل قد يزداد رهبة وخوفا عند مشاهدة سريان الحق في كل شيء فيقول كما قال المتفكرون ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

قالت الجن في سورتها ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) رغم أن عالم الجن في نفسه عالم عجائب ومقدرات خارقة إلا أنهم نعجبوا لما سمعوا القرآن من فصحاته وبيانه وصوابه وهدايته ورشده

وعلى هذا قس والله أعلم

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

26 نوفمبر 2017 19:28

جميل سيدي بارك الله فيكم..
في شأن تفكر المتفكرين قد قلتم في قوله تعالى ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ) فعاينوا بقلوبهم ومكاشفاتهم في عالم إيقانهم أحقية خلق السماوات والأرض فهم في هذا من باب قوله تعالى في حق سيدنا إبراهيم عليه السلام ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )
أتمنى لو تستروحوا بهذا الموضوع لعلنا نستزيد ايقاناً بهذه الأحقية التي تتطلبها قلوبنا خصوصاً مع التفكر في نفي السّلوب عن أمكانية العبث في الخلق أصالةً ، أردت من ذلك ما تكرَّر ايراد الحق سبحانه في كتابه في مواضع كثيرة منها قَوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الدّخان (38)(39).
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ المؤمنون (115).
وقَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْۗ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّىۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ الرّوم (8).

فحين تأملت هذه الآيات الآتية سيّدي لآخرها علمت والله أعلم مراد الحق في مقاصد تحتاج منا إلى التفكر لنفي وسلب إمكانية العبث في الخَلق:
قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ الأنبياء(16)(17)(18).
فهذه الآيات وغيرها تقذف في طيّاتها بالحق تصوّرات خواطر الشر والسوء في الصدر حتى تدمغها بأمر الله تعالى.
فبعد العفو منكم والاعتذار عن التطفّل على موائدكم أستعطف لسان جودكم من هذه المعارف القرآنية حتى ننهل شيئاً من حِكَمها وأسرارها بارك الله فيكم سيّدي.
عبدالله حرزالله
عضو نشيط
مشاركات: 61
اشترك في: 01 مايو 2017 16:46
آخر نشاط: 22 مارس 2018 20:58
مكان: نابلس-فلسطين
العمر: 36
اتصال:

27 نوفمبر 2017 00:02

عبد الله حرزالله كتب :
أتمنى لو تستروحوا بهذا الموضوع ...



بارك الله فيكم سيدي عبد الله وجزاكم خيرا

صدقني لا أجد في بالي ما أستروح به في هذا الموضوع لكني أحيلك على كتب المفسرين
خاصة تفسيري : روح البيان لإسماعيل حقي وتفسير الشيخ المراغي رحمهما الله تعالى وكذلك بقية المفسرين من المحققين سواء من العارفين أو من العلماء

وأيضا فمما ذكره السعدي في تفسيره رحمه الله تعالى أنقل لكم :

قال المفسر السعدي :

{ يتفكرون في خلق السماوات والأرض } أي: ليستدلوا بها على المقصود منها ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين فإذا تفكروا بها عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا فيقولون { ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك } عن كل ما لا يليق بجلالك بل خلقتها بالحق وللحق مشتملة على الحق { فقنا عذاب النار } بأن تعصمنا من السيئات وتوفقنا للأعمال الصالحات لننال بذلك النجاة من النار ويتضمن ذلك سؤال الجنة لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة ولكن لما قام الخوف بقلوبهم دعوا الله بأهم الأمور عندهم ...

ـــــــــــ

قال أيضا المفسر بن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :

( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) أي : يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته ، وعلمه وحكمته ، واختياره ورحمته .
وقال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي ، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ، أو لي فيه عبرة . رواه ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " .
وعن الحسن البصري أنه قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة . وقال الفضيل : قال الحسن : الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك . وقال سفيان بن عيينة : الفكرة نور يدخل قلبك . وربما تمثل بهذا البيت :
إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة
وعن عيسى ، عليه السلام ، أنه قال : طوبى لمن كان قيله تذكرا ، وصمته تفكرا ، ونظره عبرا .
وقال لقمان الحكيم : إن طول الوحدة ألهم للفكرة ، وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة .
وقال وهب بن منبه : ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم ، وما فهم امرؤ قط إلا علم ، وما علم امرؤ قط إلا عمل .
وقال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله ، عز وجل ، حسن ، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة .
وقال مغيث الأسود : زوروا القبور كل يوم تفكركم ، وشاهدوا الموقف بقلوبكم ، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار ، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها ، وكان يبكي عند ذلك حتى يرفع صريعا من بين أصحابه ، قد ذهب عقله .
وقال عبد الله بن المبارك : مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة ، فناداه فقال : يا راهب ، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر ، كنز الرجال وكنز الأموال .
وعن ابن عمر : أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه ، يأتي الخربة فيقف على بابها ، فينادي بصوت حزين فيقول : أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] .
وعن ابن عباس أنه قال : ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساه .
وقال الحسن : يا ابن آدم ، كل في ثلث بطنك ، واشرب في ثلثه ، ودع ثلثه الآخر تتنفس للفكرة .
وقال بعض الحكماء : من نظر إلى الدنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة .
وقال بشر بن الحارث الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه .
وقال الحسن ، عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر .

الخ ذلك من التفاسير ...

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

28 نوفمبر 2017 03:24

فتح الله عليكم
أحمد زكي
عضو جديد
مشاركات: 8
اشترك في: 22 نوفمبر 2017 21:43
آخر نشاط: 22 مارس 2018 10:50
مكان: البحرين
العمر: 51
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد