رياض الواصلين >> الأشعار و المواجيد >> أدب المناجاة

03 مايو 2017 09:31

أدب المناجاة:

في معجم اللغة العربية المعاصرة تعريف فنّ المناجاة العام بأنه: "سطور أدبية تعبر بها الشخصية في عمل أدبي عما يدور بداخلها من أفكار ومشاعر، بطريقة غير مترابطة أحيانا ويخاطب فيها الكاتب شخصا غائبا أو شيئا مجردا أو جمادا".
لكننا نعني هنا المناجاة في الحقل الديني، خاصة في التصوف والسلوك. إذ يزخر هذا التراث بأنواع كثيرة من التناجي، تتفاوت في القوة والضعف، وفي جمال التعبير وصدق الشعور ودقة الكلمات.. الخ.
وأدب المناجاة من الآداب العربية الجميلة، ومظهر للصلة البديعة بين العبد وربّه، فهو يدعوه ويرجوه، ويسأله ويشكو له، ويخاف ويأمل منه. لذلك كان الدعاء –كما في الحديث النبوي- مخ العبادة. مع أن المناجاة أعمّ من الدعاء.
وكتابة المناجاة لا تحتوي فقط على الناحية الأدبية الجمالية، بل أيضا على علوم كثيرة ومتنوعة، خاصة المعارف الإلهية.
ومن أفضل أنواع المناجاة المتداولة ما يلي:
1- مناجاة ابن عطاء السكندري التي ألحقها بكتابه: "الحِكم". وهي شهيرة، شرحها الشارحون الذين شرحوا الحكم، ومن أفضل شروحها: شرح الشيخ ابن عجيبة في كتابه "إيقاظ الهمم".
منها قوله:
إلهي كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مُفتقر إليك. أيكون لغيرك من الظهور ما ليس بك حتى يكون هو المُظهر لك. متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بَعـُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيباً.
إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار ، فاجعلني إليها بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلتُ إليك منها: مصون السر عن النظر إليها، ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها .إنك على كل شيء قدير.
إلهي ها ذلي ظاهر بين يديك. وهذا حالي لا يخفي عليك. منك أطلب الوصول إليك، وبك أستدل عليك، فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدق العبودية بين يديك...
2- حزب الشكوى. يُنسب للشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، ويوجد من ينسبه للشيخ داود بن باخلا. وهو من أرقّ وأجمل ما قرأت في أدب المناجاة.
يوجد بعدة نسخ بينها تفاوت يسير. أوله: الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً مباركاً كما يُحب ربنا ويرضي . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ..الخ.. اللهم إني أشكو إليك ضعفَ قوتي.. الخ.
3- المناجاة عند جمال الدين بن علي البغدادي المعروف بابن الجوزي، والمتوفى سنة 597 هـ. اشتهر بأنه أحد كبار الوعاظ في تاريخنا، كما يدلّ على ذلك كتابه "المدهش"، إذ استطاع ابن الجوزي أن يجمع بين الإحاطة بعلوم الدين والمعارف اللغوية والأدبية والموهبة الخطابية وإدراك الأحوال النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات.. فأثمر ذلك وعظا بليغا رفيعا.
وقد تناثر أدب المناجاة في مواضع كثيرة من الكتاب، لدرجة أنه قيل: كتاب المدهش كله صفحة مناجاة لله سبحانه وتعالى، وهو كله قنوت ودعاء وشوق إلى ما عند الله.. ورغبة فيما فوق هذه الدنيا.
من ذلك قوله:
اللهم نـوّر دنيانا بنور من توفيقك، واقطع أيامنا في الاتصال بك، وانظم شتاتنا في سلك طاعتك... أخرجنا إلى نور اليقين من هذا الظلام، لا تجعلنا ممن رأى الصبح فنام، لا تؤاخذنا بقدر ذنوبنا، فإنك قلت: ولا تنسوا الفضل بينكم. واعجبا لمن عرفك ثم أحب غيرك، ولمن سمع مناديك ثم تأخر عنك. حرام علي العيش ما دمت غضبانا وما لم يعد عني رضاك كما كانا فأحسن فإني قد أسأت ولم تزل تعودني عند الإساءة غفرانا. إلهي، لا تعذب نفسا قد عذبها الخوف منك، ولا تخرس لسانا كل ما يروي عنك، ولا تقذ بصرا طالما يبكي لك، ولا تخيب رجاء هو منوط بك. إلهي، ضع في ضعفي قوة من منك، ودع في كفي كفي عن غيرك. ارحم عبرة تترقرق على ما فاتها منك، برّدْ كبدا تحترق على بعدها عنك.
4- مناجاة عبد المالك بن محمد بن عبد الله العلوي الحسني، المشهور بعبد المالك الضرير، من أفاضل علماء فاس، وتوفي بها سنة 1318هـ. له مناجاة رقيقة المبنى وعميقة المعنى في نحو ثلاث صفحات أو أربع، تستحق أن تُفرد بشرح مفصل ضافٍ لغزارة علومها وكثرة معارفها.
اللهم إنك غني لا غِنى عنك، وولِيّ لا عِوض منك، ومِفضال بلا سبب، ومَنان قبل الطلب. أبرزت الوجود من العدم، وأودعته دلائل القدم، ووسعته رحمة وعلما، وأحق به سلطانا وحكما، فلم تغِب ذرة منه عن علمك، ولم تخرج لحظة عن حكمك، وربيته برحمانيتك وتولَّيته بقيوميتك، وحملته على مقتضى اختيارك وحكمتك، وألزمته الفقر الذاتي والعجز الأصلي، فكان افتقاره في نيل غناك ظاهرا، ولسان عجزه لقيوميتك ذاكرا، وكملت نقائصه بدلالتها عليك، وحسنت شدائده بسوقها إليك، فما انفك واقع عن حكمه، ولا خلى موجود من نعمة، وأجريتَ القلوب على وفق مرادك، فحجبتها بإرادتها عن سابق مرادك، فصار العبد مثابا ومعاقبا لذلك، وتَعرفتَ لهم بجميل صفاتك وباهر آياتك، فأبرقت لهم محاسن إحسانك واستحثهم منادي امتنانك، فطارت أرواح بأجنحة هو الرحمن الرحيم إلى بساط إني أنا الله رب العالمين، فغابوا إذ شهدوا، وجادوا إذ وجدوا. وسيق آخرون بعصى الاضطرار إلى كنوز الرحمة ومهب الأسرار فحمدوا العنا إذ ظفروا بالمنى، واستحسنوا البدار إذ حاموا حول الدار، وتاه المخذولون في مهامه الحيرة، إذ حرموا صادق الاضطرار ونافع المعذرة، ونورتَ بصائر الموفقين بمعرفتك، فوجدوك في كل جميل وحمدوك بالكمال والتكميل..الخ.
5- "مناجاة"، للشيخ أبي العباس أحمد بن مُصْطــَفى العــلاوي المسْتغانِمـي. تبدأ بقوله بعد البسملة: إِلهِي أَسألُكَ بِأَعَزِّ مَنْ نَاجَاكَ وَأَفْضَلِ مَنْ دَعَاكَ أَنْ تُمْطِرَ عَلَى قَلْبِي شَآبِيبَ عَطْفِكَ وَسَحَائِبَ رِضَاكَ.. الخ. وهو دعاء جميل ولطيف.
لذلك أقترح على كل من يحس من نفسه الرغبة والمقدرة، أن يجمع هذه الأوراق الكثيرة في المناجاة الإلهية في كتاب واحد، أو يجمع أهمها، ويمهّد لها بدراسة تركز على النواحي البيانية والبلاغية واللغوية والروحية في هذا الأدب الفريد من نوعه.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

01 أغسطس 2017 08:00

طلبك واقتراحك يا أستاذ إلياس أرى أنه من المستحسن أن يكون في بعض المواقع العربية على النت التي تعج بالأدباء وأهل اللغة الذين قد يكونوا أفضل من يراعي حق دراسة هذه المناجاة،هذا والله أعلى وأعلم.
عابرسبيل
عضو نشيط
مشاركات: 44
اشترك في: 15 يوليو 2017 22:49
آخر نشاط: 21 مارس 2018 23:01
مكان: مدينة
العمر: 28
اتصال:


العودة إلى “الأشعار و المواجيد”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد