رياض الواصلين >> قضايا ساخنة >> أثر سقوط الأندلس على الخليج: مثال بلاد عُـمان

07 يونيو 2019 22:02

تتمة سلسلة الحروب الصليبية، والهزيمة البحرية:
أثر سقوط الأندلس على الخليج:
مثال بلاد عُـمان.

لعل القارئ الكريم يستغرب هذا العنوان، ويتساءل عن العلاقة بين بلدين أحدهما في أقصى غرب العالم الإسلامي، والآخر في جنوب شرق جزيرة العرب.
من سنين زرت دولة عُـمان الشقيقة، وذهبت لعاصمتها الجميلة مسقط، ثم دخلت إلى متحف القوات المسلحة السلطانية، أحد أهم متاحف العاصمة إلى جوار متحف التاريخ الطبيعي. وهو متحف يحكي التاريخ العسكري لأهل البلاد، مبتدئا بمرحلة ما قبل الإسلام، ثم كيف أسلم الناس وأسسوا دولا وشاركوا في بناء حضارة الإسلام بنصيب غير قليل. ويسمى الجيش العماني بالقوات المسلحة السلطانية.
وفي المتحف توقفتُ عند فترة تعرض عمان لهجوم البرتغال، حيث يحكي المتحف أهم أحداث هذا الغزو ويعرض لبعض الأدوات والأسلحة والآثار من تلك الفترة.
هذا عن عمان، أما علاقة المغرب بالموضوع فتبدأ من الأندلس..
لقد دفع المغرب ثمنا غاليا في الدفاع عن الوجود الإسلامي بالجزيرة الإيبيرية.. طيلة قرون وجيوش المسلمين تمر من ضفة إلى أخرى من ضفتي البحر المتوسط. لذلك يقول المؤرخون: إنه لولا هذا الإسهام المغربي لسقطت الأندلس منذ قرون، أي منذ عصر ملوك الطوائف.. لكن المرابطين والموحدين خاصة دافعوا عن هذا الوجود الفريد من نوعه.. وفي إحدى المعارك فقط سقط من وجوه المرابطين وكبارهم ثمانون شهيدا.
لم تكن بلاد المغرب بهذا الجهد والجهاد تدافع عن الأندلس فقط، بل عن نفسها أيضا.. لقد كان للمغرب تجربة مرة مع الغزو الروماني والوندالي المستمر..
ولم يكن يدافع بهذا عن نفسه فقط، بل عن سائر العالم الإسلامي... فكان يدافع عن عمان مثلا. لذلك بمجرد سقوط الأندلس هاجم الإسبان والبرتغال بلادا كثيرة من عالم الإسلام.. وكان مما هاجموا: أراضي عمان.
لقد بدأ البرتغاليون يغزون شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك عمان. وأخذوا يسيطرون على المدن الساحلية وقلاعها، كقريات ومسقط وصحار وهرمز.. وهذا منذ سنة 1507، أي بعد خمسة عشر سنة فقط من سقوط غرناطة ومملكة بني الأحمر.. ( يحتفل الإسبان كل سنة بالذكرى 525 لسقوط الأندلس في 2 يناير 1492)... واستمر التوسع البرتغالي إلى نهاية القرن. ثم بدأ بالتراجع من سنة 1624 إلى 1718، وذلك على يد أسرة اليعاربة التي استطاعت طرد المحتلين من أكثر بلاد عمان.
لكن العمانيين لم يستطيعوا إخراج البرتغاليين بشكل نهائي إلا حوالي 1747 ، على يد الأسرة البوسعيدية الحاكمة.
ولم تكن معركة أهل عمان مع البرتغاليين ممتدة في الزمان فقط، بل في المكان أيضا حيث تواجه الطرفان في شرق إفريقيا وشواطئ الهند الغربية.. وكان من مجالات هذا الصراع أيضا تجارة المحيط الهندي.
هكذا نلاحظ بوضوح كيف أدى ضعف المغرب في القرنين الثامن والتاسع الهجريين إلى تسريع سقوط الأندلس، وكيف شجع هذا السقوط البرتغال والإسبان على مهاجمة العالم الإسلامي في مناطق كثيرة، بعضها بعيد بعيد.. كعُـمان.
من هذا نستخلص نتائج متعددة، منها: وحدة مصير العالمين العربي والإسلامي، فهذه أمة واحدة في السراء والضراء.. وستبقى كذلك.. إنها –كما جاء في الحديث النبوي- كالجسد الواحد، إذا مرض بعضه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..
ومنها أنه كان للمغرب على مدار التاريخ الإسلامي دور مميز ومهم جدا.. ساعده على ذلك موقعه الجغرافي، وطبيعة سكانه من العرب والأمازيغ الذين انصهروا في بوتقة واحدة، وانطلقوا يفتحون ويبنون..
لقد خرجت من هذه السياحة وأنا موقن بأن المغرب لم يكن بلدا عاديا في عالم الإسلام.. وأنه لن يكون كذلك في المستقبل.. سيكون له شأن ما.
ولعل في الباحثين الشباب من يدرس هذا الترابط بين مكونات العالم الإسلامي دراسة عميقة وواسعة، يستعين فيها ليس فقط بالتاريخ، بل بعلوم الجيوبولتيك (أو الجغرافيا السياسية) والسياسة.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

08 يونيو 2019 09:53

مشكور أستاذ على هذه الدراسة العميقة لأحداث مهمة من تاريخ الأمة الإسلامية وعلى القالب الماتع الذي ظهرت فيه.
كأن التاريخ يعيد نفسه
عابرسبيل
عضو نشيط
مشاركات: 44
اشترك في: 15 يوليو 2017 22:49
آخر نشاط: 21 مارس 2018 23:01
مكان: مدينة
العمر: 28
اتصال:


العودة إلى “قضايا ساخنة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد