حقيقة العلوم وغايات الفهوم
مرسل: 21 مايو 2017 14:40
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
أعلم أيها الولي الصفي والفتى القدسي أن أصل التحقيق ما كان فتحا في علوم الشريعة أو فيضا في معارف الحقيقة فالعالم الكامل من جمع بين علمي الشريعة والحقيقة وكان عالما بأصول الطريقة أما ما عدا ذلك من العلماء فهو إما مقلد لا يخرج عن ربقة التقليد فهو راو لعلم غيره
قلت : صاحب المذهب في الشريعة هو بإزاء صاحب المنهج في الطريقة فكما استقل الفريق الأول كل بحسب مذهبه فكذلك استقل أصحاب الفريق الثاني كل بحسب طريقته وكما انك تجد عند الفريق الأول من يفتي في أكثر من مذهب أو يفتي في المذاهب كلها فكذلك تجد من الفريق الثاني من يسلك في أكثر من طريقة أو يسلك في الطرق كلها
قلت : كان أحد إخواننا من مشايخ التربية وكان شاذليا يسلك في أكثر من طريقة كالطريقة الرفاعية والطريقة النقشبندية عاينت هذا بنفسي
كما أن المذاهب الفقهية السنية مهما تعدد فقهها وتعددت اجتهادات الأئمة فيها فهي نابعة من عين واحدة من تعبد عن طريقها فهو مصيب فائز كمن تعبد لله تعالى بفقه الإمام مالك وبحسب أحكام مذهبه في الفقه أو مذهب الإمام الشافعي.. وهكذا ...
كذلك الطرق السلوكية الصوفية فهي واحدة تصدر من نبع وعين واحدة وتوصل إلى غاية واحدة فالطريق وإن تعددت مظاهره فهو طريق واحد في حقيقته مهما اختلفت الأساليب والمناهج
المجتهدون صنفان سواء في الطريقة أو المذهب الفقهي كما نص عليه العلماء :
- هناك المجتهد المطلق الذي قد لا يتقيد بفتوى من سبقه بل يجتهد لتوفر شروط الإجتهاد فيه فهو صاحب حال كامل ومقام تام إذ لا يمكنه أن يكون تبعا لغيره لكونه وصل إلى مرتبة الإمامة سواء في الشريعة أو الطريقة أو الحقيقة فلا تجوز صلاته ماموما إلا لعذر شرعي وفي هذا ورد أن عيسى عليه السلام سيقول للمسلمين عندما يطلبون منه التقدم للصلاة بهم " إمامكم منكم "
ويعني تحديدا الإمام المهدي المنتظر لكون المهدي هو إمام المسلمين لا يأخذ حكمه إلا من الكتاب والسنة فلا يتقيد بمذهب فقهي ولا بطريقة سلوك بل يكون حكمه بحسب ما يعطيه وقته لأنه مجتهد ملهم وهذا النوع من المجتهدين إما أن يكون صاحب مذهب في الفقه متى توفرت فيه تلك الشروط التي من بينها شرط الفتح الرباني في فيوضات علوم الشريعة أو أن يكون صاحب طريقة
- المجتهد المقيد الذي يفتي بحسب مذهب إمامه كالفقيه المالكي يفتي على مذهب الإمام مالك وأئمة المذهب من بعده وهكذا في الطريقة فتجد الشيخ الشاذلي يسلك بحسب أصول الطريقة الشاذلية اي بحسب منهج الإمام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وهكذا فلا تنسب الطريقة إليه غالبا وإنما قد تنسب فقط للمجددين فيها
كقولنا الطريقة العلاوية الشاذلية فالمجدد في الطريقة الشاذلية في وقته كان الشيخ سيدي أحمد العلاوي وكذلك كان سيدي محمد المداني من المجددين وإن كان الأصل في التسمية للطريقة المدنية هو انتساب والد سيدي محمد المداني إلى الشيخ محمد ظافر المدني رضي الله عنه فكانت الطريقة المدنية طريقة عائلة سيدي محمد المداني إلا أنه بعد ذلك أصبح هذا الإسم دلالة على طريقة سيدي محمد المداني
فهو وإن كان من المجددين لكنه لا يستقل عن الطريقة الشاذلية التي هي طريقة محبة وشكر كما نص على ذلك سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه
لذا كان أمر التجديد على مستويين تجديد في مقام الشريعة وتجديد في مقام الطريقة فعليك بالجامع بين الشريعة والطريقة فهو على بصيرة لكونه عليه الصلاة والسلام كان داعيا إلى الله تعالى من حيث جمعه بين الشريعة والطريقة ثم الحقيقة فلكل إمام إرثه من هذا الجمع :
وكلهم من رسول الله ملتمس *** غرفا من البحر أو رشفا من الديم
قلت : الدخول في متاهات الفكر والفلسفة قد يضيع عمر الإنسان ولا يستفيد شيئا ذا غرض وقيمة متى علمت أن الخوض في ذلك يشترك فيه المسلم والملحد والمؤمن والكافر بينما علوم الطريقة خاصة لا يشترك فيها مع المؤمن غيره وكفى بهذا عزة لها لذا قالوا طريق القوم عزيزة