رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> أذواق ربانية عن حقيقة الذوق

13 يونيو 2019 01:28


أذواق ربانية عن حقيقة الذوق
ردّ مقتبس لسيدي علي الصوفي حفظه الله في يوليو 2009
*****

بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه

الذوق من عالم الحقيقة ، و علومه من علوم الحقيقة ، فهو لذّة روحية و نشوة وجدانية يجدها المؤمن بقلبه و أهل الطريق خاصّة لذا قيل ( من ذاق عرف ) فانظر قولهم عَرَف ، لأنّ هذا العلم لا يُدْرَك إلا بالذوق ، و معاني الذوق بصفة عامّة معاني عامّة شاملة تشمل كلّ شيء لقوله (كُتِبَ الإحسان على كلّ شيء ) لذا كان أرفع الأذواق و أرقاها على الإطلاق ذوق رسول الله صلى الله عليه و سلّم فكانت سنّته أحسن السّنن ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) أي ذوقه .
لذا إستنّ بسنّته الجماعة في كلّ شيء ، في أكله و شربه ، في نومه و يقظته ، و في سيرته و مسيرته بصفة عامّة ...إلخ
فالذوق من علوم الحقيقة ، و الحقيقة لا تعطي غير موارد الكمال الإنساني ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) لأنّه الذي سيقوم بشؤون العبادة الظاهرة و الباطنة ، لله تعالى مطلق الكمال و الجمال
لذا كان الذوق مطلوبا في كلّ شيء ، و هو بحدّ ذاته عين الأدب ، لذا قيل في التصوّف بأنه كلّه آداب ، أي أذواق ، لأن الذوق الحقيقي لا يعطي غير الأدب الحقيقي ( أدبني ربّي فأحسن تأديبي )
أو بمعنى آخر فالذوق أدب الباطن ، و منه يسري على الظاهر ، فعلى قدر الذوق يحصل الأدب و بقدر الأدب يكون العلم و الفهم ( و من زاد عليك في الأدب فقد زاد عليك في التصوّف ) لذا قيل : (من أساء الأدب وقع في العطب)
فالأدب له تعلّق كبير بالذوق ، لذا وجب تحرير الذوق كي لا يكون ناقصا ، فالذوق هو إيمان الروح و معرفتها بالله تعالى ، مثلا : كالأنس فهو ذوق ، و كالمحبّة فهي ذوق ، و الحال أمر ذوقي و المقام هو إستقرار الذوق في كلّ مرتبة ، لذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا و رسولا ) أو كما قال عليه الصلاة و السلام ، فذكر مراتب الدين الثلاث
فجعل للإيمان طعما ، و الطعم لا يعرف إلا بالذوق ، و أنت كما تعلم بأن الماء الطهور لا لون و لا رائحة و لا طعم له ، فأخرجك بهذا الماء عن طعم الأكوان و ذوقها ، و من ثمّ أدخلك في ذوق الإيمان الخارج عن الأكوان علويها و سفليها لتعلم بأن هذا الذوق لا تعلّق له بغير ذات الله التي لا تدرك في نفس الوقت و لا يقع عليها الإدراك بأية وسيلة مهما كانت هذه الوسيلة ، فجعل ذوقك برزخ بين مرتبتين :
المرتبة الأولى : مرتبة الأكوان فما دنّس هذا الذوق الحاصل بها بعد أن طهّرك بالماء الطهور ،
و المرتبة الثانية : نزّه ذاته العليّة أن يدركها هذا الذوق الحاصل منك بصفات الطهر التي وهبها لك ( لا يمسّه إلا المطهّرون ) و كلامه صفة من صفاته ، فجعل طهارتك وطهوريتك لتمسّ هذه الصفة الكلامية التي قال فيها ( و ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) و الْمَسُّ هنا هو الذوق ، فجعل ذوقك برزخ بين إسمه و ذاته من حيث الإنجماع عليه ، فتقول بعد هذا الذوق هو صفة برزخية طاهرة طهورة ليس فيها غبش الأكوان و حسّها ، و ليس فيها دعوى الإتحاد و الحلول
فأغدق عليك الذوق في عالم الصفات التي لا تنفصل عن الذات ، لذا أرشد المرشد و هو الشيخ المربي صلى الله عليه و سلّم إلى هذه الحقيقة في قوله (ذاق طعم الإيمان ) و لم يقل الإحسان ، رغم أن الذوق لا يقع إلا في عالم الإحسان على كماله و نقائه و صدقه ، فذكر لك الإيمان و ذوقه لتعلم هذه الحقائق فلا تحجب عن كلامه وذوقه صلى الله عليه و سلّم
و أنت تعلم بأن الذوق نوعان : ذوق جلالي ، و ذوق جمالي ، لذا كان محلّه عالم الصفات و هو عالم الآخرة و الحساب بما أن صفات الجلال ليس لها غير العدل ، و صفات الجمال ليس لها غير الفضل ، فقال في أهل القسم الأوّل من حيث الصفات و معنى الذوق : ( فذوقوا العذاب ) فكلّ حاصل له ذوقه بحسب ما ذاقه من أسمائه و صفاته و حكمهما (نسأل الله اللطف) ( لأنه اللطيف ) فلا نشعر بمرّ القضاء عند الإقتضاء كما أشار إلى ذلك الأستاذ (1) في مرآة الذاكرين
فالألم و اللذّة من أحكام الذوق و بهما قامت العوالم لأنهما من أحكام الصفات الجلالية و الجمالية ، فما وصل ذوقك في الحقيقة إلا إلى هاتين الصفتين إمّا ذوق الجمال و إما ذوق الجلال و هنا يقع الشهود فيهما بهذا الذوق
لذا قال له ( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) فذكر له صفتين من صفاته أي أنك تذوق هذا العذاب لأنك ادّعيت بأنك العزيز الكريم
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 51
اتصال:

14 يونيو 2019 03:24

جزاكم الله خيرا ...
هشام صلاحية
عضو جديد
مشاركات: 2
اشترك في: 26 إبريل 2019 14:15
آخر نشاط: 19 نوفمبر 2019 14:18
مكان: Alep
العمر: 54
اتصال:

15 يونيو 2019 00:01

بارك الله في الكاتب وفيمن نقل عنه.
أهم ما استفدته من المقال -على اختصاره- توضيح صلة الذوق بالأدب.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:


العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد