رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 5

31 مايو 2019 04:37

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 5
كتب الأستاذ علي الصوفي:
ثمّ قال سبحانه: ( وما أدراك ما ليلة القدر ).
فذكر الإدراك لفهم عظمة الصفات في هذا المحلّ، وهي البصيرة والإحاطة الشاملة، وهذا هو المقام المحمدي المحيط الشامل، ولا يكون لغيره: " إنما أنا قاسم والله معطي."
أي وما أدراك ما ليلة القدر بعد أن نزل القرآن فيها، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم
( ذكر إطلاقات الحكمة في كلّ شيء، فهي محيطة بكلّ شيء ) بإخراجه من البُطون الى حضرة الظهور. ولذا عبّر عنه النبي عليه السلام بالربيع، فقال: " اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي."
وقلبه الذي نزل عليه القرآن طلب أن يكون كلُّه جمالا عليه وعلى غيره من أهل حقيقته، مخافة أن يكون عليه جلالا فيضِل به طريق العروج إلى الذات من عالم الأسماء والصفات، كما قال تعالى: ( يهدي به كثيرا ويضل به كثيرا ).
وهو نفس الكلام والضلال المقصود، أي الخروج بالقرآن إلى حضرة النفس، مثل التصريف به وجلب السحر به والسيطرة به، وهذا استعباد للعباد وطلبٌ للتكبّر في الأرض والاستعلاء، وهو طريق الضلالة والخروج من حضرة الذات إلى حضرة النفس التي كلّها حسّ وأغيار، لذا قال تعالى: ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)، أي من حقيقة التنزيل -الذي هو عالم الأنوار في ليلة القدر من الحقيقة المحمدية- إلى ظلمات الأسماء والفرق وهو عالم الباطل والوهم الذي لا وجود له.
قال تعالى : ( وما أدراك ما ليلة القدر).
أي وما كنتَ يا محمد لتعلم قدرك وحقيقتك لولا نزول قرآني عليك وسريان نوره فيك، فكل من سرى فيه نور صفاتي كان عظيما، وأنت أوّلهم، وما تعظيمي لليلة القدر إلا لأجل رفعة قدرك بالقرآن فيها، فكانت ليلتك حيث أقمتـُك في خلافتي ونيابتي في عالم الأسماء بي.
أما ليلة القدر فقد أحسنتْ استقبالَ نزول القرآن من حيث إنها قابلة لا من حيث إنها مُتصرفة فيه، فكانت تحت حكم المتصرف في القرآن نيابة، وهو محمد صلى الله عليه وسلم في عالم الأسماء -وفق العلم الإلهي السابق- التي تم تعليمها لآدم الإنسان؛ فكانت ليلة القدر مباركة بالقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فلولاه لما حازت البركة، أو أقول: لولا حقيقته الأحمدية -وهي مرتبة مطلق العبودية- لما كان هناك حقيقة محمدية، ولا ليلة القدر، فافهم.
قال تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر).
فذكر الخيرية أي بركتها وليس زمانها ولا طولها ولا عرضها وبركتها أي السرّ الالهي الساري فيها بمحمد صلى الله عليه وسلم اذ ان الزمان والمكان مخلوقان من نوره صلى الله عليه وسلم وهذا مذهب العارفين والمرموز بألف شهر هو لمعرفة الفارق بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين أقطاب أمّته أصحاب الأسرار العظام وفي الحديث " ثمّ وزناه فرجح بألف من أمته الخيرية "أي ليلة القدر تلك المعبر عنها بالحقيقة المحمدية ولست أعني بالحقيقة المحمدية الكاملة وانما في مقامها فحسب هي بألف ضعف من حقائق أصحاب الدوائر الكبار من أكابر أقطاب الأمة المحمدية وانما ذكر الخيرية في الآية لأن هذا من نسبتها ( كنتم خير أمة أخرجت للنّاس ) أي على الاطلاق فكان ذكر جنس الخيرية لأنه أعلى مراتب الفضل والأجر لأنه من مقتضيات الصفات وهي من لوازم الحقيقة المحمدية ومعانيها .
وانما عبّر بالشهر لأن الشهور بها تعرف السنة وهي الدورة كاملة كناية عن الحقيقة الكاملة وهي حقيقة العبودية لذا عاد الزمان كما قال صلى الله عليه وسلّم كما كان يوم خلق الله السماوات والأرض قبل الإفساد الذي ذكرته الملائكة في معرض كشفها بنقص التوحيد عن دورته , وذكره الألف هذا للتعداد ولكن نحسن أن نقول أنه كناية عن حرف الألف بالنسبة لكل مقام عارف من حيث معرفته , فالحضرة عندما ذكرت اليوم اختصت به وعندما ذكرت الليلة خصّصتها للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم . لذا قال عليه السلام " اني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " والمبيت يكون في الليل هذا في زمن الصوم عن سواه وهذا مقام الفناء التام أما في غير الصيام فالأكل والشرب لا يكون الا في النهار والليل للنوم.
وسنزيد في ليلة القدر أي ذوق ما يتيسّر من الآيات بأدب القلب لا العقل. والسلام.
يتبع..
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران