رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 4

31 مايو 2019 00:12

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 4
كتب الأستاذ: علي الصوفي
وقد يتبادر الى الأذهان القاصرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم عبّر عن القرآن بألفاظه، وذلك لكونهم لم يتمعّنوا في قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك ).
فأمره بالقراءة بالاسم الجامع. أما عند الأحاديث النبوية فهو لا يتكلم من حضرة الاسم الجامع، بل يتكلم مِن حقيقته الشريفة المفصلة لمعاني القرآن: " أوتيت القرآن ومثله معه.. الحديث."
لذا كان نزول القرآن في ليلة القدر على قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنّما كانت ليلة القدر بالتحديد لأن الليل عبارة عن السكون والخمود، أو هو كناية في الشاهِد عن الفناء من حيث نزول القرآن من الواحد الذي ليس ثمَّ سواه، أو هو عبارة عن نزوله في صفة الجمال، وهو الليل، لما فيه من الراحة والنوم ومعافسة الملذات؛ فلو نزل في النهار لما أحسنَ أحدٌ سماعَه ولا فهمه، لأن النهار كناية عن الجلال، إذ آية النهار ثابتة واضحة، وهي رمز للحضرة القدسية، فكان نزوله في ليلة الحقيقة المحمدية التي هي غير مستقلّة بذاتها. وفي هذا إشارة إلى أنها تابعة للنهار، فليس لها حكم في التّعداد من نفسها، بل حكم التعداد غالب على اليوم لأنه له، فافهم. لذا قال سبحانه في النهار: (وإن يوما عند ربّك كألف سنة مما تعدون).
فذكر العدد، لأن العدّ للنّهار، والليلة من جملته وأحكامه. وقال تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر). ولم يقل " كألف شهر مما تعدّون،" لأنه ليست لها أحكام العدّ. فكان الأمر واضحا من قوله تعالى: ( خير من ألف شهر)، من حيث لم يُرد بها القياس على الزمن من حيث ذكره الشهور -ليالي وأياما-، ومن حيث إنها ليلة واحدة، وهذه الليلة الواحدة لا تقابل إلا يوما واحدا، وهو المرموز له بيوم الربّ، ولا يقابله إلاّ ليلة العبد. ولذا عبّر عن هذا بولوج الليل في النهار حالةَ ظهور أحكام النهار، وهو الفناء؛ ويولج النهار في الليل من حيث عالم الأسماء في عالم البقاء، والليل يستمدّ نورَه دائما من الشمس في مظهر القمر، أي أن الأسماء تستمدّ نورها من الصفات -وهي المعبّر عنها بالقمر-، والصفات تستمدّ نورها من الذات، وهي شمس المعرفة .
لذا كانت ليلة القدر محلّ نزول القرآن. وعندما يذكر الكتاب الكريم نزولَ القرآن في ليلة القدر يذكره بصيغة الضمير الغائب، أي الغائب عن الظهور في مقام الأسماء لأنه في مقام الصفات، فعلى هذا كان نزوله في تلك الليلة له أجر عظيم بنزوله، أي في ذلك المقام وليس في مقام ليلة القدر مستقلّة بذاتها، بل لنزول القرآن فيها؛ أي بعبارة أوضح: إنما شرّفت الذات المحمدية بما نالها من الكمالات الالهية، فالمدح لصاحب الفضل، لذا كانت ليلة مباركة بنزول القرآن، فالقرآن لا يدل إلا على الله تعالى ولا يدل على سواه.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد