رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر2

29 مايو 2019 02:37

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 2
كتب الأستاذ علي الصوفي:
قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر.)
وإنما ذُكِر الزمان، وهو ليلة القدر، وذكر أيضا المكان، وهو قلب محمد صلى الله عليه وسلم: ( نزّله على قلبك )، لأن المكان والزمان متحدان في الصفات بخلاف الأفعال فهما مفترقان، لذا قال سبحانه: ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون ). و"عنده"، أي في غيبه التي هي صفاته، وهو عالم الأنوار (وفي هذا عاش الخضر عليه السلام)، فانظر قوله: ( يوما عند ربك ). فذكَر اليوم في المكان بقوله: "عند،" وهذا مكان اعتباري من حيث الصفات، لا مكان من حيث الأسماء، لذا قال تعالى بصيغة التأكيد: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ).
فليلة القدر هي زمان قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو المكان في قوله: ( نزّله على قلبك ). فكان الله تعالى موجودا في كلّ مكان بصفاته، كالرحمة والعلم.. والصفات لا تفارق الذات؛ وأعني بالذات التي منها تجلّت تلك الصفات، أما ما كان من طور هُويتها المجهولة التي لم يقع بها تجلٍّ أصلا، فلا يمكننا ربطها بالمكان ولا بالزمان، وإنّما غاية كلام العارفين ما خرج إلى التجلّي: ( فلما تجلّى ربّه للجبل، جعله دكّا، وخرّ موسى صعقا )، لذا تاب بعد هذا السؤال، فهو أمر لا طاقة لمخلوق فهمُه أو ذوقه، فضلا عن رؤيته والنظر فيه.
وهذه الليلة خير من ألف شهر لأنها ليست يوماً ليقول فيها "خير من ألف سنة." فاليوم رمز إلى الحضرة الإلهية، والليلة رمز إلى الحضرة المحمدية، وما بينهما في الفضل كما بين الألف سنة والألف شهر. وهذا التعداد قد أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد الأجور من منطلق هذه الحقائق، كأجر الصلاة في مكة والمدينة وبيت المقدس.
لذا قال تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر ).
فذكر هنا الخيرية. أما في اليوم فلم يذكر الخيرية، بل قال تعالى: ( كألف سنة مما تعدون )، أي الحضرة في تلك المرتبة المذكورة الذِّكر فيها في يومٍ واحد كمثل الذكر في ألف سنة مما تعدون. ومن هنا تم خلق السماوات والأرض في ستة أيام لتمام النظام في الحقائق، ( والله واسع عليم ).
قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ ليلة القدر خير من ألف شهر ).
فذكر هنا ليلة القدر ثلاثة مرات: الإشارة الأولى مرتبطة بالقرآن، والإشارة الثانية في تعظيمها وحسب، والإشارة الثالثة في ذكر نسبيتها وتعدادها، أي أنها مهما عظُمت فهي لا تخرج عن الحيّز والكم والكيف. أو تقول: الأولى إشارة إلى سريان قيامها بالصفات في مقام الذات، والثانية ذِكرها محجوبة عن الذات لذا عظمت في عين الناظر، والثالثة في مقام الأسماء لذا حدّها بالعدد والخيرية. ثم شرع في تفصيلها أي من منطلق حقيقتها بتفسير العلم الإلهي لها بالمنظور الإلهي.
وسنزيد في هذا المحل بيانا وتبيانا. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
استطراد: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ ليلة القدر خير من ألف شهر ). ذِكر الأزمنة الشريفة وما لها من خصائص منيفة يكفي دلالةً على رفعة أقدارها وكثرة بركتها وعظمة أسرارها، خاصة نزول القرآن فيها.
ومتى ذُكر نزول القرآن فلا بدّ من استشعار وجود المُنزَل عليه هذا القرآن عند ذكر النزول، إذ محال أن ينفصل النازل عن المنزَّل عليه، فكأنّ هذا المنزَل عليه له علاقة وطيدة ووِصال متين بتلك الأزمنة، كليلة القدر وشهر رمضان. فاعلم أنّ ليلة القدر هي من الليالي المحمّدية لقوله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ )، فنسبة الضمير إلى القرآن لا يمنع من نسبته أيضا إلى سيّد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلّم. فرسول الله صلى الله عليه وسلّم ( كان قرآنا يمشي على الأرض، وكان خلقه القرآن ) فأنَّى يفترقان أو ينفصلان ؟ وقل: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا )، فإذا شَرُفَت ليلة القدر بنزول القرآن فيها، وشَرُفَ شهر رمضان بنزول القرآن فيه، فكيف بتشريف وشرف مَن أنْزِل القرآن عليه ؟ ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا ). فلن تجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غير القرآن: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زوار