رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان..(19). القرآن والنبوة وليلة القدر

27 مايو 2019 17:38

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (19).
القرآن والنبوة وليلة القدر:
كتب الأستاذ علي الصوفي:
رأينا في المقال السابق بعض حِكم نزول القرآن في ليلة القدر، فأعود وأقول :
من أحكام هذا الشهر وجودُ تلك الليلة القرآنية فيه التي هي ليلة الحقائق الجمالية الخاصّة بالأرواح والملائكة فليس فيها شيطان ولا نفس, أمّا تعظيمُ يوم القيامة فهو المقابل لتلك الليلة المحمّدية ولكن في درجة أنْـزل لأنّه من منطلق الحقيقة المحمّدية من حيث علمُ الأسماءِ -من حيث الجمالُ والجلال فيها- الجامعةِ التي حوَت قبضة النور والظلمة, السعادة والشقاء, الفرح والحزن، الجنّة والنّار.. فكان لا بدّ لها من يوم يُفْـرزها، وهو يوم القيامة الذي لا تَخفى فيه خافية، لذا لا يكون هذا اليوم إلاّ ضُحًى عند اشتداد الشمس إشارةً أنّه لا تخفى فيه خافية: ( يُعرف المُجرمون بسِيماهم ).
ومن شدّة ظهور الحقيقة المحمدية فهو يوم الحقيقة، فيظهر اسمه العدل واسمه الفضل، كي تتميّز المراتب والحقائق, لذا كان رسولُ الله عليه الصلاة والسلام أوّلُ من تنشقّ عنه الأرض ويلبس الحريرَ الأخضر، فهو اليوم المحمّدي، فإذا جاء النهار ذهب الليلُ لبروز العدل والحساب من منطلق علم الأسماء، لذا يَعرف كلٌّ قدرَه فلا تَـظهر في ذلك اليوم إلاّ حقائقُ النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلّم، لأنّ اليومَ يومُه في الشفاعة وفي فتح باب الجنّة وفي التقديس والسجود والمحامِد، فيتأدّب صلى الله عليه وسلّم مع ربّه أدبا لم يعرفه عارف قبله ولا سابق ولا لاحق.. يتأدّب في حقيقتِه المحمّدية بحقيقته الأحْمدية مع جميع أحكام الحضرة الإلهية، ولا يُحسن هذا غيرُه لأنّه يفعله من منطلق حقيقته.
فالقرآن نزل جَماليا ولم ينزل جَلاليا, ونزل هدايةً لجميع الناس ولم ينزل إضْلالا لهم؛ وهكذا الرسول عليه الصلاة والسلام جاءنا رحمةً من جنس القرآن؛ وهكذا الاستواء على العرش وَقع بالرحمة: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾. فكان القرآن سيّد الكتب وجامعَها, وكانت تلك الليلة سيّدة الليالي وجامعتها, وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام سيّد الأنبياء وجامعهم وخاتمهم, فنزل القرآن من حيث هذه الحقيقة جملةً واحدة في ليلة واحدة على قلبٍ واحد، لأنّ الكلام الإلهي كلُّـه مجموع في القرآن، والزمان كلّه مجموع في ليلة القدر, والمكان كلّه مجموع في قلب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو الإنسان الكامل الوحيد، فكان مُتربّعا على جميع المقامات وعلى جميع الأحوال والحضرات من حيث حقيقته المحمّدية, ويبقى العبدَ الواحد من حيث حقيقته الأحمدية، فلا يسْبقه سابِـق ولا يلحقه لاحق في عبوديته لربّه، وهو مجال تنافس الرجال وتسابقهم.
فنزل القرآن في شهر رمضان، وفيه أوْجب صومَ يومه حكمةً جليلة حتّى لا يسْتغرِقك شهودُ تلك الليلة من حيث العطاء والعلم والإكرام والغفران فتُحجَب بالحقيقة المحمّدية عن حقيقة الحقائق وهي الحقيقة الإلهية، وأنّ كلّ من سواه عبد له، لذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصوم يوم الاثنين ليرجع إلى حقيقة عبوديته، فلا عيش له من غير نسيم الحضرة بل هو بها قائما وباقيا.
وسنحاول أن نعرف بعد هذا بالقدر المستطاع حكمةَ فرض الصيام وحكمة تعيين زمن فرضه ومكان فرضه، وحكمة نزول القرآن في هذا الشهر بداية، وحكمة تأخّر فرض صيامه نهاية.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران