رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان..(15): التنزّل القرآني على القلب النبوي

22 مايو 2019 03:55

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (15).
التنزّل القرآني على القلب النبوي:
كتب الأستاذ علي الصوفي:
قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ).
ذكَر هنا زمان نزول القرآن ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )، وأخْفى ذكر مَحلّ النزُول ومكانِه، لأنّ الزمان متحرّك بينما المكان ثابِت، لذا تَـنقّلت ليلةُ القدر على مدار الشهور والأيّام كما تنقلّت في نفس شهر رمضان، خصوصا تنقّلها في أواخره، فلا ثباتَ للزّمان على حالة واحدة بينما يبقى ثبوت المكان؛ فزمان أبينا آدم حينَ نزوله إلى الأرض ليس هو زماننا نحن اليوم، بينما اتّحد بيننا المكان، فتَعاقَـبت الدول والحضاراتُ بحسب دَوران الزمان وليس بحسب تغيّر المكان، فمَشاهد الأمكنة واحدة بينما دارَت مشاهدُ الأزمنة مهْما بقِي وصف الليل والنّهار، فليس يوم الجمعة هو يوم خميس ولا يوم الاثنين هو يوم أحد.. وهكذا دارت الأزمنة بحسب ظهور التجلّي في كلّ ثانيةِ زمانٍ...
فإذا علمتَ هذا فاعلم أنّ محلّ النزول ومكانه ثابت غير متبدّل ولا متغيّر، وهذا المكان هو قلبُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما قال تعالى: ( .. فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ )، وقال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا ) ؛ فاعلم أنّ زمن النزول الذي هو شهر رمضان -وتحديدا ليلة القدر منه- لا يفارق مَحلّ النزول الذي هو قلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالعِبرة بعد هذا تكون بمحلّ النزول، فهي أوْلى بالاعتبار من زمانه، لأنّ توجّه نزول القرآن إلى محلّ النزول الذي هو قلب النبيّ عليه الصلاة والسلام هو المَقصود لذاتِه من النزول، ولكن لِشرف وقدسيّة محلّ النزول تَنادتْ خصوصيات الأزمنة الشريفة والأوقات المُنيفة إلى حضور ذلك الخَطب الجَسيم والحدث العظيم، وهو نزول القرآن من العليم الحكيم، فكانت ليلة القدر خَديمة للقرآن من حيث استضافتُها نزولَـه فيها لوجود مناسبة علوم حكمة الأقدار، وهي الليلة المحمّدية التي هي ليلة جَمال القدر، فهي ليلة تنزّل: ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )، وهي ليلة سلام، وهو حال أهل الجنّة في الجنّة..
كذلك كان شهرُ رمضان خديما للقرآن من حيث التوجّه إلى الرحمن، فشرّع صوم أيامه وقيام لياليه بالقرآن ابْـتغاء العُروج إلى حضرة الرحمن والتمتّع بليلة قدر الإحسان، لذلك كان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي على رجليه، وكان يقول: أحبّ أن يُرفع عملي وأنا صائم؛ وقال إنّي أبيت عند ربي يُطعمني ويَسقيني؛ فكان شهرُ رمضان الزمانَ وقلبُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم المكانَ، فثبت المكان وتغيّر الزمان من حيث نزوله في الأزمنة والأوقات، أمّا محلّ نزوله فهو ثابت. فما استمدّ مُستمدّ من القرآن ظاهرا أو باطنا إلاّ وكان ذلك الاستمداد من قلب النبي صلى الله عليه وسلّم، لأنّ قلبه الشريف محلُّ نزول القرآن ؛ فإذا أردتَ أن تَـتدبّر القرآن أو تذوق معانيه وتفهمَ أسرارَه وتغْشاك أنوارُه، فعليك بقلب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فاعلم وَصْلتك برسول الله صلى الله عليه وسلّم ورابِط نِسبتك إليه هو القرآن، فذلك حَبل الوصل، وقد أشار إليك بهذا: "اثنان إن تمسّكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنّتي." فلا يفتَرق القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدْر طَرفة العين، وكيف يكون ذلك وقد قيل فيه: " كان خُـلقه القرآن."
لذلك كانت حقائق ليلة القدر من حقائق قلبه الشريف، وكذلك شهر رمضان، فنزل القرآن على قلب طاهر مقدّس في زمان شريف مقدّس. فإذا علمت ذلك فاعلمْ أنّ القرآن أنزله الله تعالى في مرتبة قلبه الشريف التي هي مرتبةُ حقيقته المحمّدية، حيث زارَت الحَضرة الإلهية حضرتَه الشريفة صلى الله عليه وسلّم عند نزول القرآن فتنزّلتْ إلى مستواها، ثمّ زارها عليه الصلاة والسلام عند عُروجه إليها فصَعد إلى مستواها...
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران