رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان..(14): رمضان مناسبة للتجديد في الدين

20 مايو 2019 00:26

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (14).
رمضان مناسبة للتجديد في الدين
كتب الأستاذ علي الصوفي

قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ).
لِنزول القرآن في شهر رمضان مناسبةُ قُربٍ ووِصال، فكان شهر رمضان شهرَ قرآن، فلا مَدد في فهْم أنوار القرآن وأسراره أكثر من مدَد شهر رمضان، لكوْنه شهرَ النزول محلَّ مناسبة وصْلة القرب؛ فإذا علمتَ هذا فاعلمْ أنّه لا تِكرار في دَوران أحكام العبادات عليك، فكلّ عبادة كعبادة صوم شهر رمضان تَفترقُ من حيث مددها وأثرُها في القلب عن نفس تلك العبادة في السنة الموالية أو الفارطة، فكلّ عبادة لا تكرار فيها، كالصلاة المفروضة لا تكرار فيها، فصلاتُـك فجرَ اليوم ليست هي نفس صلاتك فجر الغد.. وهكذا في صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي السنن والنوافل، لأنّ الحقائقَ الإلهية تُعطي ما لا نهاية للتَّجلّيات الإلهية التي تَحصل في كُلّ لحظة وثانية، وأقلّ من ذلك وأكثر.
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ).
فيكون المددُ الجديد في كلّ عام من حيث إنّ النزولَ حدث في ذلك الشهر، وإنّ الشهر مَهما عاد ورجع فليس هو نفسُ الشهر الذي ذهب ومَضى، فنحن اليوم مثلا في شهر رمضان غير مكرّر لعدم تكرّر ساعات وأيّام وسنوات أعمارنا، فلا نَعيش نفس الثانِية مرّتين، ولا نفس النَّفَسين مرّتين ولا نفس دقّتيْ القلب مرّتين.. وهكذا.
فإذا علمتَ هذا فاعلم أنّ دينَـنا متحَرّك غير جامِد على مستوى الشريعة والطريقة والحقيقة، لذلك أشار لك -في مستوى الشريعة- أن هذا القرآن ( هُدًى لِّلنَّاسِ ) خصوصا بحسب أزمانهم وبلدانهم، لذا كانت الشريعةُ في فروعها متحرّكة رغم ثُبوت أصولها.. وهكذا فالقرآن متحرّك من حيث تَجلّيات الأسماء والصّفات لا من حيث وجود الذات، فتعيّن استنباط أحكام الفقه على نعْتِ ( الهدى ) لجميع الناس بحسب أزمانهم وبلدانهم، وقد سبقَ الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى هذا حيث تَخلّى عن مذهبه القديم وأخذ بمذهبه الجديد عندما دخل مصر، ومِن هنا تنوّعت المذاهب الفقهية فأخذ كلّ فريق بما يناسِب حالَ هدايته. وفي هذا الباب أحوال ومُنازلات، فرضي الله تعالى عن ساداتنا العلماء ما أدقّ بصيرتهم وما أعقل أفكارهم.
فمتى كان عندك القرآن على غير نعت وصف كونه ( هُدًى لِّلنَّاسِ ) فاعلم أنّ الخللَ فيك لا في القرآن، سواء من حيث نزوله في شهر رمضان أو من حيث نزوله في ليلة القدر، لِكون نزول القرآن في شهر رمضان إشارةٌ إلى علوم الشريعة والطريقة خاصّة، بينما نُزوله في ليلة القدر إشارة إلى علوم الحقيقة التي هي عِلم الأقدار، وهو ركن سادس من أركان الإيمان، كما قال تعالى: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )، أي في ليلة القدر، فنعَته هنا بالأمر الحكيم إشارةً إلى أنّ علم القدرة لا يفترق عن الحكمة، فالعلم جَمع والحِكمة فرْقٌ، فلا تفترق الحكمة عن العلم ولا عن القدرة، إذ لو آتاك الحكمة -من غير جمع على العلم- لضَلّت بك الحكمة ضلالا مُبينا لتَعلّق الحكمة بالأسباب وتعَـلّق العلم بالمُسبّب ...
فدلّك على أنّ شهر رمضان له علاقة بنَفحات نزول القرآن.. هي إشارةٌ، فكأنّ شهرَ رمضان فتحَ بابَ السماء للوحي من جديد، لذا وُرد في الحديث أنّه تُصفّد فيه الشياطين، فكأنّه بداية الدين الفِطري الذي لا تَـشوبه شوائبُ ولا فتن الأماكن والأزمان.. فذكر التجديد في الأحكام بحسب حكم تَـقلبات الزمن، وإلاّ ما كان القرآن هدى للنّاس، فليس ناس الأمس هم ناس اليوم.. وهكذا.
ثمّ التجديد يكون في الطريقة أيضا، فلم يكن السلوك والتَّسليكُ في عهد السلف على هذا النعت والشكل اليوم من حيث تعدّد الطرق ومناهج السلوك.
وهكذا في علم الحقيقة تَـتجدّد الفتوحات والمعارف، فربّما يفتح الله تعالى على أهل آخر الزمان من أسرارِ وأنوار القرآن ما لم يفتح على أهل أوّل الزمان، لأنّ الله تعالى لا يُقيّده زمان ولا مكان، فالقرآن كلامه والخلْـق خلقه، ولا فرق عنده بين عربي ولا أعجمي الا بالتقوى في كلّ زمان وكلّ مكان.. فافهم.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زوار