رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن(11): ليالي رمضان وأسرار المناسبة بين الحوادث والزمان

16 مايو 2019 23:40

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه.
نبدأ بإذن الله إتمام سلسلة: شهر رمضان، والتي كتبها أخونا علي الصوفي. وكانت آخر حلقة وقفنا عندها هي العاشرة:

http://www.riyadlwassiline.com/viewtopic.php?f=20&t=114

كتب الأستاذ عــــــــلي الصوفي:
سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (11).
ليالي رمضان وأسرار المناسبة بين الحوادث والزمان:
قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ).
تُعرّف مناسبات الليالي والأيّام والشّهور والأعوام بما يَحدث فيها من حوادِث جليلة ويَحصُل فيها من حالاتٍ فريدة، قال تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )، فذكر تلك الليلة وذكر مناسبة جلالتها في التشريف وقدْرها في التعظيم من حيث إنّها ليلة ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) بداية، ثمّ بنزول القرآن فيها نهاية، فظهرتْ بركتها وعظـُمت مِنّتها: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ).
كما ذكر شهر رمضان من حيث جلالتُه وقدرُه لمناسبة وجود تلك الليلة ونزول القرآن فيه، فظهرت خُصوصية الأزمنة وما لَها من علاقة بمِنَن الفَضل ونِعَم الاختصاص فيها؛ مِن هنا ظهر فضل شهر رمضان على بقيّة الشهور بدليل قوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )، فكان سيّدَ الشهور، كما كانتْ ليلةُ القدر سيّدةَ الليالي، كما كان يوم ميلاده صلى الله عليه وسلّم سيّد الأيّام، وكان يوم الجمعة أفضل الأيّام.
فتمَايز كلُّ يوم بما حصل له من الفضل؛ فلمّا كانت نسبةُ الليالي للشهور كان قياس ليلة القدر على الشهر كما قدمنا سابقا قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )، لأنّ الأعداد وُرِدت في القرآن من واحد إلى مائة ألف، فذُكِرت الآحادُ والعشرات والمئات والآلاف، فاشتركت قيمة تعداد فضل ليلة القدر وحقيقة يوم الربّ في نفس العدد الذي هو ( ألف )؛ فصَحّت المشاركةُ في حقيقة العدد لمُناسبة وجود الشهر في السنة، والليلة في الشهر لعلاقة الليالي بالحضرة المحمّدية، وعلاقة الأيّام بالحضرة الإلهية، لذلك وُلد صلى الله عليه وسلّم في الليل، ونزل عليه القرآن في الليل، وأُسْري به في الليل، وهاجر في الليل.. لِمَا يرمز إليه الليل من وِصالٍ بحقيقته المحمّدية، لذلك صحّ الجَهر في الليل وما صحّ في النّهار، فأهل الجهر أهل حقيقة مُحمّدية غالبا، وأهل السرّ أهلُ حقيقة إلهية خاصّة وأنتَ بين الحقيقتيْن من غير انْفصال بينهما، وإنّما هو اعتبارُ مراتِب الحقائق والوقوف عند حدود الأدَب وترتيب مقامات العلم: ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ).
فإذا علمتَ هذا فاعْلم أنّ أوّل دليل على حُسن بدعة إحياء ليلة مولده صلى الله عليه وسلّم هو قوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )، فإذا عظـُم شهر رمضان لوجود مناسبة نزول القرآن فيه فما بالـُك بعظمة ليلةِ مولدِ من أُنزل القرآن عليه صلى الله عليه وسلّم، فكيف لا يتّخذها المسلمون يومَ عيد، كما احتفلوا بشهر رمضان حيث فُرض فيه الصيامُ لمناسبات، منها مناسبة نزول القرآن فيه ووجود ليلة القدر ضِمن لياليه.
فقوله تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) دليل على تعظيم الشهر لوجود مناسبة نزول القرآن فيه، فعظّمناه لذلك، وأنّه من الشهور المقدّسة، وفيه نَـلتمس ليلة القدر كلّ عام. فكيف يَعترض أقوام على شرعية الاحتفال بيوم المولد النبوي وإِحياء ليلته.
وما حجّتُهم على بِدعيتها -كونُها لم تُسنّ من قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا فَعلها السلف الصالح من بعده- إلاّ جهلٌ بالدين والعلم، إذ لو افترَضنا قيام واحدٍ من أمّة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأحيى ليلة مولده عليه السلام لكان مُصيبا مَأجورا، لأنّ القرآن ذكَر مناسبة تعظيم الليالي والأيّام والشهور والأعوام بحسب الحوادث التي حدثَت فيها والأفْضال والمنَن التي اختصّت بها. فهناك الأزمنة المُقدّسة، وهناك الأماكن المقـَدّسة، وهناك الذوات المقدّسة كذوات الأنبياء عليهم جميعا السلام، فالمفروض أن تكون ليلة المولد النبوي الشريف ليلةً مقدّسة متى علمنا أنّها أشْرف وأعظمُ من ليلة القدر.. إذا افترضنا أنّه لم يولد في ليلة القدر.
قال الشاعر : المسلمون ثلاثةٌ أعيادهم == الفطرُ والأضحى وعيد المولِدِ
فلولا النبيّ صلى الله عليه وسلّم ما نزل قرآنٌ، ولا اختصّت أماكنُ وأزمان، ولا ظهر بيان ولا عُرف إيمان أو إيقان أو إحسان، فكانت ليلة مولده ليلةَ حضرتِه المحمّدية حيث حضرت الحضائر القدسية. فشهر رمضان هو شهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّه شهر القرآن، والقرآن خُلقه صلى الله عليه وسلّم. قال تعالى مادحا مشيرا: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد