رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان.. التجانس بين القرآن ورمضان 9

11 يونيو 2017 02:09

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (9).

التجانس بين القرآن ورمضان:

كتب: علي الصوفي


قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ).
التَّجانس ظاهرٌ وحاصل بين القرآن وشهر رمضان، فظهر أنّ هذا الشهر أخصُّ من كلّ شهر لوجود مناسبة نزول القرآن فيه، فتعيّن صومه على القادر، كما قال تعالى: ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ).. بحسب ما جرى به التَّحقيق من كون النزول كان دُفعة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثمّ نزل مُنجّما (أي مُقسّطا)على مراحل في عالم الملـْك، كما نصّ على ذلك أهل التفسير وعلوم القرآن.
فصحّ بهذا نزوله دفعة واحدة في سماء القلب متى علمت أنّ المعاني للقلب، بينما للعقل المبانيُ، أو تقول للقلب الصفاتُ وللعقل الأسماء، لذلك علّم آدم الأسماء، أي المعقولات التي بها أُمَر النبيّ صلى الله عليه وسلّم قراءة هذا القرآن كما قال تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )؛ أي اقرأ في مستوى المعقولات العقلية، ثمّ المعقولات القلبية، ثمّ المعقولات الروحية، ليكون هذا القرآن ( هُدًى لِّلنَّاسِ )، أي الناس جميعهم في مستوى عالـَم الأسماء الذي هو عالم المعقولات، متى علمت أنّ للقرآن وجوها للفهم، فهناك من يَفهمه على نعت المعقولات الظاهرة كما قال تعالى: ( أَفَلَا يَعْقِلُونَ )، فيعقل هنا العبدُ مَناط القدرة، ومنهم من يفهمه على نعت المعقولات الباطِنة كما قال تعالى: ( فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )، فيعقِل مناطَ الحكمة كما قال سيّدنا إبراهيم عند بحثه عن معقولات الحكمة: ( وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )..
فبَانَ أنّ القرآن نزل في شهر رمضان لحِكم بالغة، مِنها نزوله في مستوى علوم الأسماء ومستوى أنوار الصفات ومستوى معرفة الذات، فكان كما ذكرنا في المقال السابق للأسماء ركنُ الإسلام، وللصفات ركنُ الإيمان، وللذات ركن الإحسان، فكان أوّله رحمة ووسطُه مغفرة وآخره عتقاً من النّار، فتجانس رمضان بحسب حقائق القرآن في مستوياته الثلاثة.
لذلك كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يتدارسه مع جبريل في شهر رمضان دون غيره من الخَـلق إشارة إلى مُدارسته في مرتبةٍ وسطيّة، وهي التي نزل عليه فيها القرآن، وهي مرتبة القلب بين العقل والروح، لأنّها مرتبة حضرته المحمّديّة التي كانت فيها الصلاةُ عليه من الله تعالى وملائكته: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي ) فجمع الملائكةَ معه في تلك الصلاة مع تَباين الصلاتين. لذلك قال تعالى: ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ )، وكان لهذا الشهر خَصيصةُ وجود ليلة القدر فيه كما قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )، فكانت ليلة القدْر جامعةٍ من حيث نزول القرآن فيها، فهي أخصّ من شهر رمضان من هذا الوجه، لوجود مناسبةُ خَصيصةِ القدر فيها الذي هو من أركان الإيمان الستّة.
فمتى علمت هذا فاعلم أنّ نزول القرآن في ليلة القدْر إنّما نزل بعلم القَدَر، وإلاّ فلا وجود لمناسبة نزوله فيها ولا تجانس، متى علمت أنّ التجانس وعدم الاختلاف من نظام الحكمة والإبداع في نَظم حقائق القرآن، وفي علاقته بنظام الكون بأسره، فالقرآن كما قدّمنا هو كتاب الوجود في بحر الشهود، لذا قال تعالى: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. )
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

16 يونيو 2017 12:57

جزاك الله خيرا .
حنان المطيشي
آخر نشاط: معلومات غير متوفرة


العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد