رياض الواصلين >> الإيمان والتوحيد >> التوحيد: الألوهية وأحكام الصفات والأسماء 3

29 مايو 2017 04:52

الألوهية وأحكام الصفات والأسماء:

رأينا بالتفصيل في آخر مقال بعض أهم صفات الله تعالى. وهذه بعض النتائج والأحكام المتفرعة عن تقرير هذه الصفات الإلهية:
1-هل هي الذات أم غيرها:
ولا بد من توضيح لفظ الغيرية هنا، إذ ما أكثر ما يختلف الدارسون لعدم اتفاقهم على تحديد معاني المصطلحات المستخدمة عندهم. فإن أريدَ أن هناك ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يُفهم من معنى الصفة فهذا حق.. ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن صفاتها، وإنما الذهن هو الذي يفرض ذاتا وصفة، كُلاًّ وحده، أما الحقيقة فهي أنه لا تعقل ذات مجردة عن صفاتها، لذا نقول الله عالم بعلم، حي بحياة..
ويقول بعضهم –كابن حـزم-: الصفة لا هي عَيْنُ الموصوف ولا هي غيرُه.. وهذا صحيـح، لأن الصفة ليست عينَ الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة.. وليست –أيضا- غير الموصوف، منفصلة عنه، بل الموصوف بصفاته شيء واحد لا يتعدد ، لذا نجد في أحاديث رسول الله إطلاق الصفة وإرادة الموصوف مثل قوله عليه الصلاة والسلام: أعوذ بعزة الله. فنقول إذن في صفة مثل العلم: إنها صفة قائمة بذاته سبحانه وتعالى، وقس على هذا باقي الصفات..
2-هل الصفات أزلية:
نعم، لأنها قائمة بالذات والذات قديمة فلزم قدم الصفات.. فنقول: القدرة صفة أزلية لله تعالى، بمعنى أن الله لم يزل قادراً، ولا يلزم من قدم هذه الصفات قدم متعلقاتها، فالقدرة صفة قديمة لا بمعنى أن مقدورها –من خلق وتكييف- قديم كذلك، بل بمعنى أن الله لم يزل قادرا، ولم يصبه عجز منذ الأزل.
3-تنزه الباري عن أضدادها:
وواضح أن كل أضداد الصفات السابقة لا تنسحب على الباري لكونها نقصا وقبحا في حقه تعالى.
4-اختلاف الأمة في الصفات الخبرية:
في كتاب الله كما في صحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تعابير تفيد بظاهرها نوع شبه بين الباري –سبحانه- وبين خلقه، مثل المجيء –الذي هو من خصائص الإنسان- في قوله: (وجاء ربك والملكُ صفا صفا)، ومثل إثبات ما يشبه جوارح الإنسان في قوله: (يد الله فوق أيديهم)، وقوله: (الرحمان على العرش استوى)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"، و"إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمان".. والكلام في هذا الموضوع طويل نلخصه في الأسطر التالية: إن الخلف من أهل السنة اعتبروا هذه الآيات والآثار من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، واعتبروها أيضا مما يستحيل إجراؤها على ظاهرها لما يقتضيه من التشبيه والتجسيم، فأوَّلوها وصرفوها عن ظاهرها فـ"جاء ربك" يعني جاء أمر ربك، لأنه مجاز من نوع الحذف، ويد الله أي قدرته، والاستواء تعني –لغة- القهر والغلبة، وأنشدوا: قد استوى بِشْر على العراق، أي استولى.. وأولوا غضب الله ورضاه ومحبته وبغضه بالإرادة، لأن مثل تلك الصفات –عندهم- من عوارض البشر يتنزه عنها الله.
أما سلف الأمة –من القرون الأولى- وعامة أهل الحـديث فقد رفضوا اعتبارها من المتشابه بل هي عندهم من المحكـم، وفسروا الآيات المتشابهات في سورة آل عمران آية 7، بأنها أوائل الحروف في السور مثل: ألم، طه ... وقرروا أن اعتبارها من التشبيه والتجسيم وَهَمٌ فقط، والله جل جلاله هو الذي وصف نفسه بهذه الصفات، فلسنا أعـلم منه سبحانه ولا أحرص على تنزيهه من رسوله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: إن هناك من الآيات والأخبار ما يجوز تأويله كقوله تعالى: (تبارك الذي بيده الملك) أي تحت سلطانه، وهناك ما لا يمكن مثل: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)، ولا يعقل حمل اليدين –بالتثنية- على القدرة. إضافة لكون خير القرون لم يأولوها وهم أعلم بالدين واللغة.. وبعض الناس وفـّق بين المذهبين بقوله: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم. يعني بذلك أن المذهب الأخير أقوى على ردّ الشبه.
ولقد حاول بعض العلماء حمل ما روي عن السلف من إجراء للروايات على ظاهرها على كونه تفويضا، أي أنهم لا يأولون ولكنهم لا يجرونها على الظاهر أيضا بل يقرؤونها كما جاءت، ويكون علمها عند الله.. ومقتضى هذا التفسير أنهم لم يكونوا يفهمونها إلا على سبيل الإجمال. والفرق بين مذهبي التفويض والإثبات أن المثبت يفهم من الاستواء –مثلا- ما نعرفه في اللغة المشهورة فلا يفوض المعنى المقصود إلى علم الله.. إلا أن الذي اتفق عليه كل هؤلاء هو ألا نُشبه الله بخلقه، فالذي يثبت لله يدا فهي –ليست بحال من الأحوال- كأيدي البشر ولا شبه بينهما في شيء. وقد لخـص إمام دار الهجرة مالك بن أنس موقف السلف بقوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
أسماء الله سبحانه:
ثبت في السنة أن لله تسعاً وتسعين اسماً، وهذه الأسماء المأثورة اشتقت لله تعالى من قسمين: فهناك أسماء اشتقت من صفات المعاني كالعليم والقادر والسميع... وهناك أسماء اشتقت من الأفعال، كالرازق من رزق والمحيي من أحيا..
ويصنفها بعض العلماء تصنيفا آخر وفق مجموعات أربعة:
الأولى: أسماء لا تدل إلا على الذات العلية كالموجود.
الثانية: أسماء تدل على الذات بزيـادة سلب، كالقديم فإنه يدل على وجود غـير مسبوق بعـدم، والواحد يدل على الوجـود وسلب الشريك، والغني يدل على الوجود وسلب الحاجة.
الثالثة: أسماء تدل على الوجود وصفة زائدة معنوية كالحي والمتكلم والمريد، فهذه تصدق على المسمَّى سبحانه أزلا وأبدا، وهي أسماء صفات.
الرابعة: أسماء تدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله كالجواد والخالق والمعز والمذل، وهذه تصدق على الله سبحانه في الأزل، بمعنى أن كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجود، فهو سبحانه أزلا قادر على الخلق والرزق.. وهي أيضا لا تصدق عليه في الأزل بمعنى أنه لم يكن في الأزل خلق وإذلال وإحياء، فهي أسماء أفعال.
ولا يجوز إطلاق اسم على الرب سبحانه إذا لم يرد به شرع، بل وجب التوقف عندما أذن به الشرع، فلا نقول عن الله مثلا: مهندس الكون والصانع الأعظم، بل نقول: الباري والخالق.. وأعظم أسمائه سبحانه لفظ الجلالة: الله، لهذا ورد في السنة استحباب تسمية الولد عبد الله وعبد الرحمان. وأسماء الله سبحانه تعين الذاكر على ذكر الله، إذ لكل اسم معناه ووحيه وتأثيره، فيجوز ذكره بكل اسم بل بأسمائه كلها في المرة.
ويمكن للقارئ الذي يريد التوسع في الموضوع الرجوع إلى أول كتاب الدر الثمين، وهو شرح للشيخ ميارة المالكي على نظم ابن عاشر، أو إلى رسالة التوحيد لمحمد عبده.

إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

18 يونيو 2017 01:15

جزاك الله خيرا سيدي.
حنان المطيشي
آخر نشاط: معلومات غير متوفرة

18 يونيو 2017 11:07

السلف :تحدثوا عن المعنى الاجمالي.
الخلف:تحدثوا عن المعنى الاجمالي +المعنى التفصيلي .
فكلا الفريقين قد اتفقوا على المعنى الاجمالي ولكن اختلفوا في المعنى التفصيلي .(اليس كذلك استاذي).
حنان المطيشي
آخر نشاط: معلومات غير متوفرة


العودة إلى “الإيمان والتوحيد”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد