" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " 109 الكهف
مرسل: 31 مايو 2017 17:05
جاء في تفسير الطبري أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وتقدير المعنى أن لو كان البحر مدادا للقلم الذي يكتب به كلمات رب العالمين لنفد ماء البحر قبل أن تنفد هذه الكلمات الربانية ولو مد الله تعالى البحر بمثل ما فيه من الماء مددا . ومعلوم عند علماء اللغة أن المداد اسم ما تمد به الدواة من الحبر كما يقول الزمخشري .
وتأكيدا لهذا المعنى يستدل ابن كثير في تفسيره برواية عن الربيع بن أنس " إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من البحور كلها " .وروى أبو داود الطيالسي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الخضر دل موسى عليه السلام على طائر يقول لهما "ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء " .
وعند القرطبي في تفسيره ,أنه ما نفدت العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه سبحانه وتعالى , وقال السدي إن كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد صفات الجنة التي هي دار الثواب .
ويضيف القرطبي رواية أخرى عن عكرمة رضي الله عنه معناها لنفد البحر قبل أن ينفد ثواب من قال لا اله إلا الله , ونظير ذلك عنده قوله تعالى في سورة لقمان ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) .
ومما استنبطه الفخر الرازي من هذه الآية أن البحار كيفما فرضت في الاتساع والعظمة , فهي متناهية , ومعلومات الله غير متناهية , والمتناهي لا يفي البتة بغير المتناهي .
وردا على كل الشبهات ,نجد الإمام الشوكاني في تفسيره ,يؤكد أن قوله تعالى ( قبل أن تنفد كلمات ربي ) ليس فيه ما يدل على أن كلماته سبحانه قد تنفد في الجملة بدعوى أن ما ثبت عدمه امتنع قدمه كما يزعم علي الجبائي أحد أقطاب المعتزلة ,فالمراد هو الألفاظ الدالة على متعلقات تلك الصفة الأزلية , ثم إن نفاد شيء قبل نفاد شيء آخر , لا يدل على نفاد الشيء الآخر , ولا على عدم نفاده , فلا يستفاد من الآية إلا كثرة كلمات الله بحيث لا تضبطها عقول البشر , فهي بحق كلمات غير متناهية. ولله در البقاعي , فقد أماط النقاب عن هذه الدقيقة مؤكدا انه لما كانت المخلوقات ممكنة وليس لها من ذاتها إلا العدم , وكانت الكلمات من صفات الله ,وصفات الله واجبة الوجود يستحيل نفادها ,فلابد إذن من نفاد الممكن من البحر , وما يمده بالنسبة إليها مستغرقا للأزمنة كلها , وبذلك جاء الظرف مجردا من حرف الجر في هذا الخطاب حيث قال " قبل أن تنفد" .
ولعله عبر بجمع السلامة إشارة أن قليلها بهذه الكثرة فكيف بما هو أكثر منه ؟ وعبر بالقبل دون أن يقال " ولم تنفد " ونحوه لأن ذلك كاف في قطعهم عن الاستقصاء في السؤال . ومن لطائف ابن التمجيد في حاشيته أن المعنى لو فرضنا أن غير المتناهي داخل تحت حكم المتناهي , وانه نوع من جنسه , لنفد قبل نفاده , فكيف وانه ليس من جنسه , هيهات أين الثريا من الثرى ؟ ولذلك جمع كلمات جمع قلة تتميما للمعنى .
ومن روائع سيد قطب في ظلال القرآن أن التصوير الفني جعل الخطاب القرآني يعرض البحر بسعته وغزارته مدادا لكتابة كلمات الله , فإذا البحر ينفد وكلمات الله لا تنفد , ثم هو يمدهم ببحر آخر مثله , ثم إذا البحر الآخر ينفد كذلك وكلمات الله تنتظر المداد .