رياض الواصلين >> كتب ورسائل الشيخ فتحي بن أحمد السلامي القيرواني >> مراسلة : مبحث الوارث المحمدي الكامل

30 يوليو 2017 22:55



بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

كتب الشيخ سيدي فتحي السلامي القيرواني كان الله له برسالة إلى العبد الفقير يوم 2 جمادى الآخرة سنة 1418 هجرية بعد وفاة شيخه سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه في رد على رسالتي إليه يتمحور موضوعها حول معرفة الوارث المحمدي الشيخ الكامل في طريق الله تعالى فكان جوابه :

السلام عليكم ورحمة الله

أمّا بعد :

فقد وصلتنا رسالتكم وقرأناها بتدبّر وبعد تشاور مع الإخوان ساداتنا الفقراء إرتأينا أن تكتب إليكم هذه الرسالة الموضّحه لبعض تساؤلاتكم فأقول وبالله التوفيق :

الأمر الأوّل : جرت سنّة الله تعالى أنّه بعد انتقال الشيخ تثور فتنة إدّعاء المشيخة ويكون الأمر فيها مبهما لأسباب خاصّة بأسرار الطريق فيكون فيها الفقراء في حيرة من اتّباع من تصدّر للإرشاد بعد الأستاذ , مع العلم أنّه هناك حقيقتان لا يمكن تجاهلها :

الأولى : وتتعلّق بالوصول
الثانية : وتتعلّق بتأكّد وجود الوارث

وقد أشير إلى هاتين الحقيقتين بإيجاز :
أمّا الوصول إذا لم يتحقّق في حياة الشيخ وانتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى فقد فات على الفقير تحقيق غايته من الطريق وذلك بدليل قول الشيخ العلاوي رضي الله عنه :

وإذا فاتك الوصول عند حياته --- فالفوت فذاك الفوت صحّ بعد النقلا


والوصول إلى الله تعالى لا يكون إلاّ على يد شيخ عارف يكون حيّا وهذا بإجماع أهل الطريق
وعليه يجب على المريد الغير الواصل البحث عن الوارث المحمّدي ليحقّق على يديه بغيته ولا يكتفي بمجرّد الإنتساب وذلك بدليل قول الشيخ العلاوي رضي الله عنه

وبعد وفاة الشيخ يظهر كمثله --- فهذي سنّة الله جرت فلا بدلا

وأمّا ما يعتقده بعض الفقراء من أنّ العبرة بأخذ الطريق فقط دون تحقيق الغاية - وهي معرفة الله تعالى وهذا يتطلب منه طلب المرشد الموصل - فهذا معتقد فاسد لا يصحّ ولا يثبت بدليل قول مولانا الأستاذ رضي الله عنه في رسالة وجّهها إلأ فقراء الرقاب ما نصّه : ( ليس الشأن أن تدخل إلى الطريق وإنّما الشأن أن تثبت في الطريق وأن تسير فيها سيرة الصادقين حتى تصل إلى الغاية من الطريق وهي معرفة ربّ العالمين , ومادامت الغاية من الطريق هي المعرفة وهي الحكمة - والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها - فلا عبرة بالطريق إنّما العبرة بالإمام المسيّر والقدوة الموصّل في كلّ زمان ... إلخ .)

وأمّا ما أشرتم إليه في الحلّ الثاني من بقائكم منتسبين إلى سيدنا الشيخ وسيركم معه ولو في قبره , هذا كلام باطل لا يؤيّده شرع ولا تحقيق ولم يقل به إمام كامل ويكفي رسالة مولانا السالفة الذكر ما يجيب عن هذه الإشكالية ويشفي الغليل

الأمر الثاني : قلتم في رسالتكم أنه ظهر 16 شيخا تصدّروا للتربية والإرشاد بعد وفاة الأستاذ وما علمنا بهذا العدد إلاّ من عندكم والذي بلغنا أنّهم 8 هذا الأمر لا يهمّ
إنّ وجود هذه الظاهرة سنّة جارية في طريق الله تعالى فكلّما انتقل الشيخ إلاّ وظهر من يدّعي - والحضرة العليّة كفيلة باظهار من هو صاحب الإذن الصحيح -

وأمّا قولكم : ( أن نصاحب واحدا من هؤلاء المشائخ ونصدق معه ونخدمه ..إلخ حديثك .. فإن كان كاذبا تبرأنا منه يوم القيامة ...)
إنّ هذا الكلام باطل لا يقوم على دليل وقد أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز أن نكون مع الصادقين ( اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين )

والحقّ فإنّي أقول إزاء ما أنت عليه من حيرة أمام هذا الوضع مع صدق نيّتك في طلب الشيخ كما ذكرتم في الرسالة فإنّي أنهاكم عن اتّباع أي واحد من هؤلاء أو غيرهم حتّى تكون على بيّنة من أمرك وأمر المتّبع وها أنا أسوق إليك أقوالا لساداتنا المشائخ رضي الله تعالى عنهم في هذا الصدد :

سئل الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه عن مسائل منها :

- ما حقيقة المريد الصادق وخروجه من المقت اللاحق بوعد صادق ، وسلوكه وترتيبه قبل لقاء الشيخ الصادق ، وإدامته على ما ينجيه من ربّه بعزم صادق ، فإذا مَنَّ الله عليه بقرّة عينيه وكشف له الغطاء بأنّه كفيله ومُربِّيهِ فهل له إلْقاء القياد إليه وتسليم نفسه بالكليّة إليه واتّباعه فيما أشار به عليه ولا يخالفه لحظة فيما أمَرَهُ به وندبه إليه ولا يسأله ما الحكمة فيما أشار به عليه فيما ظهر له في زعمه أنّهُ مخالف لشريعة نبيّه أو يختبره وينظر في الشواهد والدلائل التي لديه لئلا يغترّ بالضالّين المضلّين الذين بين يديه ؟ فإنْ قلنا - سيّدي - بالتصديق مِن أوّل وهلة لادّعائه المشيخة والتربية والترقية والنظر والحال لرأينا ما يُكذِّبُه في الحال والمآل ، وإنْ قلنا لا بدّ من الاختبار والامتحان خُفْنَا على أنفسنا من الطرد والبُعْدِ مِن حضرة المَلِكِ الدّيان ، وأيّ علامة للعارف وهو في أيّام دهره في الملابس والمآكل والزخارف ؟ بَيِّنْ لنا ما حقيقة الشيخ الكامل والتلميذ الصادق الواصل بيانًا شافيّاً ونصّاً مِن مَحَلِّهِ وافيًا ؟

فأجاب رضي الله عنه بجواب أختصره لكم خشية التطويل وإن أردت الإجابة كاملة فارجع لكتاب جواهر المعاني صفحة 130 :

- المريد الصادق هو الذي عرف أنّ الحضرة الإلهية تطلب منه التوجّه إليها والفناء فيها وتعظيمها ومحبتها وأن يريدها دون سواها , ولكن نفسه الأمّارة بالسوء تمنعه من التوجّه إلى الله تعالى لأنّ طبيعتها العصيان لما ألفته من الراحات والشهوات , وعرف أيضا أنّه عاجز عن مجاهدة نفسه ومداواتها بمفرده وارجاعها إلى خالقها وأنّه إذا بقي على هذه الحال تعرّض لمقت الله تعالى وغضبه قال تعالى ( قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها )
ولهذا كان طلبه ملحّا في البحث عن الطبيب المداوي الذي يخرجه من حالته هذه ويشفى على يديه فكان لا يغفل عن المطلوب ويهتمّ به ليلا نهارا ولا يفكّر إلاّ فيه
وأمّا من لم يتّصف بهذه الصفات فهو طالب لا غير قد يجد الشيخ وقد لا يجد الشيخ

أمّا المريد الصادق المشار إليه آنفا قد تدركه العناية الإلهية وتأخذ بيده وتعرّفه بالشيخ الواصل الموصل فينتفع به وهذا كلّه قبل لقاء الشيخ

سؤال : فماذا عليه أن يفعل قبل أن يجده الشيخ المأذون وحتّى يجده ؟ الجواب ما ذكره الشيخ التيجاني رضي الله عنه وذلك قوله : يجب على المريد قبل لقاء الشيخ أن يلازم :

- الذكر

- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بشدّة حضور القلب مع تأمّل المعاني حسب الطاقة مع اعتقاده أنّه جالس بين يديه صلى الله عليه وسلّم مع دوام الإعراض عن كل ما يقدر عليه من هوى النفس وأغراضها

- السعي في كل ما يحببه إلى الله تعالى من نوافل الخيرات وهي معروفة في الأوقات ، كوقت الضحى ، وقبل الظهر وبعده ، وقبل العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العِشاء ، وبعد النهوض من النوم وفي آخر الليل ، وليقلِّلْ من ذلك ويجعل اهتمامه بالذكر والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر من النوافل فإنّ الذكْرَ والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفتاح أبواب الخير ، مع العزلة في وقت الذكْرِ ، وتقليل الغذاء والماء ، واستعمال شيء من الصيام والصمت إلى غير ذلك ممّا هو مسطّر عند أهل الطريق ، والحذر الحذر مِن كثرة التخليط في الأذكار ، وكثرة تشعيب الفكر بين أقاويل المتصوّفة فإنّه ما اتّبع ذلك أحدٌ فأفلح قطّ ، ولكن يجعل لنفسه ذِكْراً واحداً يهتمّ به ووجهة واحدة يهتمّ بها وأصلاً ثابتًا يعوّل عليه من الطرق . هذا سلوكه وترتيبه قبل لقاء الشيخ

- ثمّ يسعى في طلب الشيخ الكامل :
ولكن من هو الشيخ الكامل ؟ ما هي صفاته ؟

قال رضي الله عنه : أما حقيقة الشيخ الكامل فهو الذي :

فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظرا عينيا وتحقيقا يقينيا، فإن الأمر أوله محاضرة، وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف، ثم مكاشفة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية، ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية، ولا بقاء للغير، وهو مقام فناء الفناء، فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق

ثمّ حياة وهي تمييز المراتب بمعرفة جميع خصوصياتها ومقتضياتها ولوازمها وما تستحقه من كل شيء ومن أي حضرة من الحضرات كل مرتبة ولما وجدت ؟ وما يؤول إليها أمرها ؟ وهو مقام إحاطة العبد بعينه ومعرفته بجميع اسراره وخصوصياته ومعرفة ما هي عليه الحضرة الإلهية وما هي عليه من العظمة والجلال والنعوت العلية والكمال معرفة ذوقية ومعاينة يقينية

ولذا كان صاحب هذه المرتبة هو الذي تشقّ إليه المهامه في طلبه لكن مع هذه الصفة يجب أن يكون فيه كما أذن الحقّ له سبحانه وتعالى إذنا خاصّا في هداية عبيده وتوليته عليهم بإرشادهم إلى الحضرة الإلهية فهذا هو الشيخ الذي يستحق أن يطلب وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلّم ( صل العلماء وخالط الحكماء واصحب الكبراء ) وصاحب هذه المرتبة هو المعبر عنه بالكبير
ومتى ما عثر المريد على من هذه صفته فاللاّزم في حقه أن يلقي نفسه بين يديه كالميت بين مغسله ويتأدّب معه ويخدمه ويطيعه

- سئل رضي الله عنه : وأمّا الشيخ الذي هذه صفته كيف يتصل به وبماذا يعرف ؟
فأجاب رضي الله عنه :

أنّ الشيوخ المتصفين بهذا الأمر كثيرون وأغلبهم في المدن الكبار فإنّها مقرّهم وأمّا معرفتهم والإتصال بهم فإنّه عسير أعزّ من الكبريت الأحمر لأنّهم إخنلطوا بصور العامّة وأحوالهم ومن سألهم عن هذا الحال نفّروه وطردوه وحلفوا له ما عندهم من هذا الأمر شيء ( لأسباب مذكورة في المصدر السابق فارجع إليه )

وقال رضي الله عنه :

وقد اختلط الصادقون والكاذبون في ميدان التربية والإرشاد ولا يعرف هذا من هذا ولا حيلة لأحد في معرفة العارف الواصل أصلا ورأسا إلا في مسألة نادرة في غاية الندور وهو أنّ بعض الكمّل ظهروا في مظاهر الصور الشريعة الكاملة فمن ظهر بهذا المظهر وادعى المشيخة بالمعرفة فيه أنّه يعرف بدلالته على الله تعالى والرجوع إليه والتزهيد في الدنيا وأهلها وعدم المبالاة بها وبوجودها مع ظهور صفة الفتح في غيره على يديه فإن ظهر للمريد بهذه الصفة فليلق إليه نفسه بمجرّد اللقاء والذي يجب للمريد في حقّه أن يلقي نفسه إليه حتّى تتواتر أخباره من ثقات الواردين عليه والمجاورين له فإن ظهرت الصفة المعروفة عليه فليصحبه وإلاّ فلا .

ومن رام الوصول إلى شيخ في هذا الوقت ولم يجد حيلة في معرفته وخاف من الوقوع في حبائل الكذابين فعليه :
بالتوجّه إلى الله تعالى بصدق لازم وانحياز إليه بقلب دائم ودوام التضرع إليه و الإبتهال إليه في الكشف له عن الشيخ الواصل الذي يخرجه من هذه الغمّة وأن يدلّه عليه لامتثال أمره حتى يقع في الغرق في لجج بحره فلا حيلة له إلاّ هذا
وأكبر من ذلك وأولى وأنفع وأبلغ للوصول إلى المراد وأرفع لمن لم يجد حيلة في العثورعلى الشيخ الكامل وهي :
استغراق ما يطيق عليه من الأوقات في كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم وليداوم على ذلك فإنّ من داوم على ذلك وكان اهتمام بالوصول إلى الله تعالى اهتمام الضمآن إلى الماء أخذ الله تعالى بيديه وجذبه إليه :

- إمّا أن يقيّض الله له شيخا كاملا وصالا يأخذ بيده

- وإمّا أن يقيّض له رسول الله صلى الله عليه وسلّم يربيّه

- وإمّا أن يفتح له باب الوصول ورفع الحجب بسبب ملازمته للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم فإنّها من أعظم الوسائل إلى الله تعالى في الوصول إليه وما لازمها أحد قطّ في طلب الوصول إلى الله تعالى ما خاب قطّ )) انتهى كلام الشيخ ( المصدر السابق )

يا سيدي لعلّ فيما سردته عليكم من هذه النقول ما ينير لكم السبيل ويجيب عن تساؤلاتكم وأمّا ما بلغكم عن أمري أو أمر غيري فهذا لا فائدة فيه ولا تشتغل به وعليك بتطبق ما جاء في كلام الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله تعالى عنه
وأزيدكم هذه الفائدة تواضبوا عليها وتكثروا منها في غرضكم هذا حتى يجمعكم الله تعالى بالمأذون حقّا وهي :

( اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين من يدلّني عليك )

ألّف منها إن شئت آلافا حتى يهديك الله تعالى إلى من يأخذ بيدك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسالة الثانية في مبحث الوارث المحمدي أيضا بتاريخ ذي الحجة 1422 الموافق لــشهر مارس 2002 ميلادي :

ناقلا من كتاب حقائق عن التصوّف الذي جمع فيه سيدي عبد القادر عيسى الحلبي رضي الله عنه خلاصة كلام القوم واجماعهم في هذا الخصوص فهو كتاب جمع الكلام المعتمد في الطريق من أئمّة الدين وأقطاب العارفين رضي الله عنه

مبحث الوارث المحمدي أو نقول الشيخ المربي أو الشيخ العارف أو المرشد الكامل :

أيها الفقير السالك لا بدّ لك في طريق السلوك من واسطة وبمن يأخذ بيدك ليترقى بك في مدارج الكمال وتتلقّى على دروس الآداب والفضائل على يديه وتكتشف عيوبك الخفية وأمراضك القلبية ولكن قد يسأل سائل : كيف الإهتداء إليه ؟ والوصول إلى معرفته ؟ وما هي شروطه وأوصافه ؟

الجواب :

- حين يشعر الطالب بحاجته إليه كشعور المريض بحاجته إلى الطبيب عليه أن يصدق العزم ويصحّح النيّة ويتّجه إلى الله تعالى بقلب ضارع منكسر ينادي في جوف الليل ويدعوه في سجوده وأعقاب صلاته ( اللهم دلّني على من يدلّني عليك وأوصلني إلى من يوصلني إليك )

- عليه أن يبحث في بلده ويفتّش ويسأل عن المرشد بدقّة وانتباه غير ملتفت لما يشيعه بعضهم من فقد المرشد المربي في هذا الزمن
فإذا لم يجد أحدا في مدينته فليبحث عنه في مدن أخرى ألا ترى المريض يسافر إلى بلدة ثانية للتداوي إذا لم يجد الطبيب المختصّ أو حين يعجز أطباء مدينته عن تشخيص دائه ومعرفة دوائه . ومداواة الأرواح تحتاج إلى أطباء أمهر من أطباء الأجسام وللمرشد شروط

أ : أن يكون عالما بالفرائض العينية
ب : أن يكون عارفا بالله تعالى
ج : أن يكون خبيرابطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها
د : أن يكون مأذونا بالإرشاد من شيخه

1 : أما الشرط الأول : فينبغي أن يكون المرشد عالماً بالفرائض العينية: كأحكام الصلاة والصوم
والزكاة إن كان مالكاً للنصاب وأحكام المعاملات والبيوع إن كان ممن يتعاطى التجارة... الخ.
وأن يكون عالماً بعقيدة أهل السنة والجماعة في التوحيد فيعرف ما يجب لله تعالى، وما يجوز وما يستحيل
إجمالاً وتفصيلاً وكذلك في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام وهكذا سائر أركان الإيمان

2 : وأما الشرط الثاني : فينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علماً ودراية فيشهد في قلبه وروحه صحتها ويشهد أن الله تعالى واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله، ويتعرف على حضرات أسماء الله تعالى ذوقاً وشهوداً ويرجعها إلى الحضرة الجامعة ولا يشتبه عليه تعدد الحضرات إذ تعدد الحضرات لا يدل على تعدد الذات.

3 : وأما الشرط الثالث : فلا بد أن يكون قد زكَّى نفسه على يد مربٍ ومرشد، فخبر مراتب النفس وأمراضها ووساوسها وعرف أساليب الشيطان ومداخله وآفات كل مرحلة من مراحل السير وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه.

4 : وأما الشرط الرابع: فلا بد للمرشد من أن يكون قد أجيز من شيخه بهذه التربية وهذا السير فمن لم يشهد له الاختصاصيون بعلم يدعيه لا يحق له أن يتصدر فيه

فالإجازة: هي شهادة أهلية الإرشاد وحيازة صفاته وعليها أسست الآن فكرة المدارس والجامعات فكما لا يجوز لمن لا يحمل شهادة الطب أن يفتح عيادة لمداواة المرضى ولا يصح لغير المجاز في الهندسة أن يرسم مخططاً للبناء
وكما لا يجوز للذي لا يحمل شهادة أهلية التعليم أن يدرس في المدارس والجامعات فكذلك لا يجوز أن يدعي الإرشاد غير مأذون له به من قِبلِ مرشدين مأذونين مؤهلين يتصل سندهم بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار علماء الحديث الذين تناقلوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند رجلاً عن رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبروا السند أساساً لحفظ
السنة النبوية من الضياع والتحريف ولهذا قال ابن المبارك: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).

وكما أنه لا يصح من العاقل أن يتداوى عند جاهل بالطب، كذلك لا يجوز للمرء أن يركن إلى غير المرشد المأذون المختص بالتوجيه والإرشاد وكل من درس الوضع العلمي في الماضي يعرف قيمة الإجازة من الأشياخ وأهمية التلقي عندهم حتى أنّهم أطلقوا على من لم يأخذ علمه من العلماء اسم (الصحفي) لأنه أخذ علمه من الصحف والمطالعة الخاصة قال ابن سيرين رحمه الله:

(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) ( رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن
سيرين )

وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بذلك فقال:
(يا ابن عمر دينك دينك إنما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ خذ الدين عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ) أخرجه الحافظ ابن عدي عن ابن عمر كذا في "كتر العمال . ج ٣/ص ١٥٢
وقال بعض العارفين:
(العلم روح تنفخ لا مسائل تنسخ فلْينتبه المتعلمون عمن يأخذون ولْينتبه العالِمون لمن يعطون ).

ثم اعلم أن من علامات المرشد أموراً يمكن ملاحظتها:

- منها: أنك إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية ونشوة روحية لا يتكلم إلا لله ولا ينطق إلا بخير

ولا يتحدث إلا بموعظة أو نصيحة تستفيد من صحبته كما تستفيد من كلامه تنتفع من قربه كما تنتفع من بُعْدِهِ تستفيد من لحظه كما تستفيد من لفظه

- ومنها: أن تلاحظ في إخوانه ومريديه صور الإيمان والإخلاص والتقوى والتواضع وتتذكر وأنت تخالطهم اُلمُثلَ العليا من الحب، والصدق والإيثار والأخوة الخالصة، وهكذا يعرف الطبيب الماهر بآثاره ونتائج جهوده حيث ترى المرضى الذي شفوا على يديه وتخرجوا من مصحه بأوفر قوة وأتم عافية.

علماً أن كثرة المريدين والتلاميذ وقلتهم ليست مقياساً وحيداً وإنما العبرة بصلاح هؤلاء المريدين وتقواهم وتخلصهم من العيوب والأمراض واستقامتهم على شرع الله تعالى.

- ومنها: أنك ترى تلامذته يمثلون مختلف طبقات الأمة وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالظفر به يدفع الطالب للأخذ بيده والتزام مجالسه والتأدب معه والعمل بنصحه وإرشاده في سبيل الفوز بسعادة الدارين.

أخذ العهد مما سبق ثبت أنه ينبغي لمريد الكمال أن يلتحق بمرشد يتعهده بالتوجيه ويرشده إلى الطريق الحق ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه حتى يعبد الله تعالى على بصيرة وهدى ويقين.

( انتهى )
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

03 أغسطس 2017 09:29

نور على نور والله حتى العامي يستفيد من هذه الدرر وتنشطه للإستغراق في الله، رضي الله عن هولاء السادة حتى نقل كلامهم يذكرك بالله لشدة صدقهم .
عابرسبيل
عضو نشيط
مشاركات: 44
اشترك في: 15 يوليو 2017 22:49
آخر نشاط: 21 مارس 2018 23:01
مكان: مدينة
العمر: 28
اتصال:


العودة إلى “كتب ورسائل الشيخ فتحي بن أحمد السلامي القيرواني”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد