صفحة 1 من 1

استفسار عن آية

مرسل: 08 نوفمبر 2017 09:48
بواسطة عبدالله حرزالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استوقفتني اليوم آية في سورة الكهف وأود لو يجيبني عنها سيّدي علي والاخوان في هذا المنتدى المبارك، وهي قوله تعالى :﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ الكهف (63).
فذكر هنا سيدنا موسى عليه السلام أنه نسي طعامه بعدما تقدّم في المسير، ثم كانت الحكمة الربانية من ذلك أنه وَجَدَ العبد الرباني وهو الخضر عليه السلام وظهور سرُّ علمه لسيدنا موسى فكانت هنا الحكمة، لكنه نَسَبَ هذا الفعل من النسيان إلى الشيطان ثم كرَّرَ نسبته مرةً أخرى بعد ذلك حيث قَالَ: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ الكهف (73).

سؤالي :
كيف كان النسيان لسيدنا موسى خاطراً شيطانياً -كما ذَكَر- عن كونه حكمة ربانية أرادها الله تعالى؟ وكذلك محاسبة الخضر له على نسيانه شرطَ الصحبة والاتباع وهو عدمُ السؤال عن الأفعال؛ على أنَّ النسيان مرادٌ من الله تعالى؟
وبارك الله فيكم

استفسار عن آية

مرسل: 09 نوفمبر 2017 01:07
بواسطة على الصوفي

كيف كان النسيان لسيدنا موسى خاطراً شيطانياً -كما ذَكَر- عن كونه حكمة ربانية أرادها الله تعالى؟



جزاكم الله سيدي عبد الله حرزالله وبارك فيكم

بداية :

( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )

ليس هو من قول موسى وإنما هو من قول فتى موسى وهو يوشع بن نون الذي كان مرافقا لسيدنا موسى عليه السلام في رحلته في طلب سيدنا الخضر عليه السلام كما قال تعالى في بداية القصة ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) لذلك قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا )

فذكر الفعل المثنى ( فَلَمَّا بَلَغَا ) و ( نَسِيَا حُوتَهُمَا ) أي سيدنا موسى وفتاه يوشع بن نون لهذا لما قال سيدنا موسى لفتاه ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا )

فأجابه فتاه بقوله كما قال تعالى ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )

فكان هذا القول قول فتى موسى وهو صاحبه في تلك الرحلة وخديمه فيها وليس هو بقول موسى ونحن نعلم أنّ المعصومين من الخطأ والزلل ودخول الشيطان عليهم هم الأنبياء فقط وإنما غيرهم من الأولياء محفوظون وهناك فرق بين العصمة وبين الحفظ . لذا يوجد سوء فهم للآيات في سياق القصة هذا من ناحية ...

الأمر الثاني قولكم :

وكذلك محاسبة الخضر له على نسيانه شرطَ الصحبة والاتباع وهو عدمُ السؤال عن الأفعال؛ على أنَّ النسيان مرادٌ من الله تعالى؟


من قال لك أنّ نسيان موسى لشرط الصحبة وهو عدم السؤال عن شيء مراد الله تعالى ؟ هل لأنه وقع وحدث فجزمنا أنه مراد الله تعالى ؟ إذن في هذه الحالة سنفتح الباب للزندقة فنقول مثلا أن كفر الكافرين مراد الله تعالى لأنه وقع وكذلك شرك المشركين وذنب المذنبين ومعصية العصاة وهكذا ...

الدين سيدي بين أمرين :

- شريعة
- حقيقة

بالنسبة للحجة على العباد يكون بالشريعة لا بالحقيقة فالحقيقة لا يحتج بها لأن علمها واسع لا يدركه البشر لأنّ الشيطان مثلا في هذه الحالة سيقول " لو أراد مني السجود لآدم لسجدت لكنه لم يرد مني ذلك " فهذه وأمثالها زندقة لأن علم الحقيقة علم فوق علم فهو علوم غير متناهية فكلما احتجّ العبد بحقيقة حاجّته حقيقة أخرى أعلى منها فالحجّة تكون بحسب حكم الشريعة وإلا أمسى الدين زندقة ..

لذلك لما أراد المشركون الإحتجاج بعلم الحقيقة وصفهم الله تعالى بالكذب

كما قال تعالى ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )

لم يقبل منهم الإحتجاج بعلم الحقيقة في زعمهم أن الله لو شاء وأراد لهداهم لذلك قال لهم ( كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ ) أي فهمكم هذا لعلم المشيئة ما هي غير ظنون ما أنزل الله بها من سلطان ثمّ بعد هذا خاطبهم بوجه آخر هم لا يعرفونه فقال لهم ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )

أنظر كيف قال لهم ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) أي لا يمكنكم أن تحتجوا عليّ بشيء لأنني صاحب العلم النافذ والحجّة البالغة والحكمة العالية ثمّ أعلمهم أنه لو شاء لهداهم أجمعين أي من غير سبب ولا عمل ولا طاعة ولا عبادة ..إلخ لكنه لم يفعل لأنه أوقف العبادات على الأعمال وأوقف نتائج الأعمال على الأحوال ثمّ أوقف صرائح الأحوال على مكنة المقامات حتى تتميّز المراتب وتظهر السوابق ويعرف الطائع من العاصي والجاهل من العالم وهكذا ..

( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )

لذا نقول " وما أدرانا أن الله تعالى أراد أو لم يرد من موسى النسيان عند صحبته للخضر ؟ " بل نقول كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " يا ليت أخي موسى صبر " أي في صحبته للخضر حتى يأتينا بعلم وعلوم أكثر من تلك المسائل الثلاث ..

والله تعالى أعلم وأحكم