رياض الواصلين >> المنتدى العام >> سؤال من فضلكم

30 أكتوبر 2017 02:10


أرجو من السادة الأعضاء تنويري بهذا الخصوص :
سؤال كثير ما أطرحه في نفسي : ما الفرق بين الفيوضات الإلهية على العبد و بين ما يتعاطاه المفكرون كالتحليلات و الفلسفة و علم الكلام .. الخ فهل هما متشابهان ؟
هذا قلبي و هذا فكري ؟
أنوار
عضو جديد
مشاركات: 11
اشترك في: 24 مايو 2017 03:33
آخر نشاط: 03 نوفمبر 2017 16:13
مكان: الدار البيضاء
العمر: 47
اتصال:

02 نوفمبر 2017 01:57

ما يتعاطاه أهل الفكر -على اختلاف أصنافهم- هو صناعة. فهم يقرؤون ويدرسون، ويفهمون ويتأملون.. ثم يكتبون. فالجامعة مثلا هي مجال لصناعة الأفكار وتخريج أهل العلم والفن في شتى التخصصات. فهنا توجد كلفة ويوجد عمل بشري، لذا يحمل دائما ما في البشرية من الضعف.
أما الفيوضات الإلهية على بعض العباد فهي ليست كسبا ولا صناعة، بل هي أرزاق من المعارف والأذواق يهبها الله سبحانه لمن يشاء.. هكذا دون تعلّم أو جهد أو تصنّع. لذا ترى في هذا العلم الفيضي آثار العطاء الإلهي من حيث علوّ المعارف واتساعها وتناسقها..الخ.
كان الشيخ عبد العزيز الدباغ شبه أميّ، لكن تلميذه شيخ الإسلام بفاس أودع في كتاب الإبريز علوما عجيبة استفادها من الشيخ الدباغ.
وقبله كان الشيخ علي الخواص -شيخ العالم الكبير عبد الوهاب الشعراني- رجلا أميا، لكن تلميذه هذا نقل عنه علوما عالية في كتابه درة الغواص.
إذا أردت أن تعرف الفرق بين العلمين: خذ كتابا من كتبي واقرأ فيه.. تجده من عالم الكسب والجهد البشريين. ثم اقرأ لأخينا علي الصوفي.. تجده فيضا أو إلهاما إلهيا واضحا.
نحن معشر المؤلفين ومحترفي الكتابة نميّز بسهولة بين هذه العلمين.. لا يخفى الفيض الإلهي أبدا علينا، كما لم يخف على سحرة فرعون أن عمل موسى معجزة ربانية وليس سحرا بشريا! لذلك كما وقع السحرة ساجدين، يقع المنصفون -من أهل العلم الكسبي- ساجدين للحق معترفين به وبأهله.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

02 نوفمبر 2017 03:57

بارك الله فيك استاذ الياس
وزادك من واسع علمه وفضله
يوسف مطر
عضو جديد
مشاركات: 10
اشترك في: 28 إبريل 2017 16:11
آخر نشاط: 03 فبراير 2018 05:03
مكان: فلسطين
العمر: 52
اتصال:

02 نوفمبر 2017 04:06



بارك الله فيكم أخت أنوار على كتابة هذا الطرح

الظاهر أننا أستاذ إلياس كنا نجيب على السؤال الذي كتبته الأخت الفاضلة في نفس الوقت وقد قرأت جوابكم وهو كذلك جزاكم الله كل خير إلا أن حشر العبد الفقير في زمرة المفتوح عليهم بالعلوم والفهوم هذا لا أوافقكم عليه

الجواب على السؤال والله تعالى أعلم بالصواب :

بداية لا بد من التفريق بين الفيض والفتح وإن كانا في الحقيقة من نفس الأسرة ونفس جنس المعنى لأنه لا بد أن يكون في كلّ عائلة من وجود أفراد متنوعين فيها كما قال سيدي بن عطاء الله في حكمه " العبارات قوت لعائلة المستمعين وليس لك إلا ما أنت له آكل " فوصف جمع المستمعين بالعائلة كونهم جالسين إلى مأدبة واحدة وهكذا تجد عوائل متنوعة كعائلة العارفين لا يدخل فيها غيرهم وعائلة الأبرار وعائلة العلماء وهكذا ... كل واحد ينتسب إلى أسرته وينتمي إلى عائلته وعلى هذا قس عائلة المعارف والعلوم فالفيض أكبر أفرادها لتعلقه بخمرة التوحيد وأهدى سبيلا في هداية العبيد

لكون التوحيد رفيق الهداية فأكثر الخلق تحققا بالتوحيد أنفعهم لهداية العبيد قال تعالى في حق سيد الموحدين عليه الصلاة والسلام ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ .. )

قال سيدي الحفناوي بلخيري من فقراء الشيخ اسماعيل رحمه الله في قصيدته " خمرية تدفق فيض " :

تدفّق فيض من أمامي و قدوتي *** على باطني قهرا بروح الحقيقة
فأفنى وجودي في الجمال تكرّما *** وأغرقني بالفيض في الأحديّة
وقال لقلب تاه في أبحر الصّفاء *** عليك بها صرفا فهذه خميرتي

لذا كان الفيض في تحقق العبد بالتوحيد أو فيض في هداية العبيد وهو من معنى فاض يفيض فيضا من فاض الكأس ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا )
قد يكون من العلم ما هو فيض وهو من نفس جنس الفتح لكنه أرقى منه ككتاب إيقاظ الهمم كان فيضا على صاحبه فلا يدلك إلا على الله تعالى من كل وجه بينما كتاب الفتوحات المكية كتاب فتح - فافهم - لذلك قلنا أن الفيض توحيد وهو أقرب طريق للهداية

ورد في الحديث القدسي فيما رواه عليه الصلاة والسلام عن ربه تبارك وتعالى " ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه " وأول ما افترضه الله على عباده هو التوحيد لذلك بيّنه " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ) فجميع الفرائض الأخرى ما هي غير سبل وطرائق للوصول إلى هذا الفرض الذي لا يغفر الله تعالى لمن يخل به " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ )

بينما الفتح له معنيان :

الأوّل معنى الفتح في المعرفة وهو المعبر عنه بالفتح الكبير أي حصول مقام الفناء والبقاء للعبد فهو مطمح السالكين ومقصد السائرين المتوجهين لأنه ( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ) فإذا كان إليه المنتهى فمنه أيضا المبتدأ ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) حتى لا يكون سيرك نفسيا ومقصدك حظوظيا فهذا الفتح من نفس حقيقة الفيض وربما عبّر عنه به , والثاني وهو مرادنا في هذا التنويع والتقسيم الفتح في المعارف اللدنية والعلوم الربانية وهذا النوع ليس خاصا بأهل الطريقة بل يشاركهم غيرهم فيه

لذلك كان الفتح في هذا الباب ثلاثة أنواع : فتح في علوم الشريعة وفتح في علوم الطريقة وفتح في علوم الحقيقة وإن شئت قل فتح في الشريعة وفتح في الحقيقة متى جعلت الطريقة من نفس جنس الحقيقة

كمثال على هذا : المحدث بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى سمى كتابه بــ " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " في علم الحديث النبوي بينما في علوم التصوف سمى بن عربي رضي الله عنه كتابه الموسوعي في علوم القوم " الفتوحات المكية " وهكذا تجد كثير من عناوين الفتوح في كتب العلماء في مختلف فنونهم واختصاصاتهم وقد فتح الله تعالى على أئمة السلف في الفقه كالأئمة الأربعة وغيرهم مما لم يفتحه على من جاء بعدهم في هذا الإختصاص حتى أضحى فقههم مذاهب سارت بها الركبان واهتدى بها الخلق في سائر البقاع والأزمان

مما دفع بعلماء معتبرين بالقول بغلق باب الإجتهاد على اجتهاد أولائك الأئمة العظام المفتوح عليه بفتح كبير قلما حدث فيمن جاء بعدهم من علماء الشريعة لذلك انتسب كثير ممن جاء بعدهم إلى مذهب من مذاهبهم فاتني اليوم بمثل الشافعي أو مالك أو أحمد أو أبي حنيفة وتلميذيه أبي يوسف والشيباني أو من جاء قبلهم من الفقهاء السبعة أو حبر من أحبار الأمة كعبد الله بن عباس وعلى مثل هؤلاء قس لتعرف حجمك الحقيقي فلا تتعد طورك

كما أضحت علوم أهل السير والسلوك طرقا متبعة من عهد إمام الطريقة ومن قبله من الصحابة والتابعين وإلى أن يرث الله تعالى ومن عليها كالشاذلية والرفاعية والقادرية والنقشبندية والتيجانية وغيرها من أصول الطرق ...

كذلك أضحت معارف العارفين ألوان ومشاريب كما قيل " الماء واحد والزهر ألوان " فمثلا منهج سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه في تفسير العرفان ليس هو نفس منهج مشايخ الشاذلية رضوان الله عليهم في ذلك حيث فسر الأول مشاهد " وحدة الوجود " بينما جنح الطرف الثاني إلى تفسير " وحدة الشهود " والكل في عرف الحقيقة عارف بربه مريد قربه راجي رضاه

من جهة أخرى قد يفتح الله تعالى على المحجوب بعلوم ومعارف لا تجدها عند عارف بالله تعالى رغم أن مقام العارف في المعرفة والتحقيق لا يصل إليه ذلك المحجوب بحال ولا يفهمه ولا يشم له رائحة إذ شتان بين المحجوب والعارف وهذا من باب ما ورد في المثل " يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر " لكن يبقى البحر بحر والنهر نهر والعين لا تعلو على الحاجب وعاش من عرف قدره وعليه فقد يفتح الله تعالى بعلوم ومعارف وفهوم على محجوب متى كان صادقا وصافيا ما لا يفتحه على مكاشف أو واصل وذلك عطاء الله تعالى ...

فتح الله تعالى على الشيخ خليل رحمه الله تعالى وكان جنديا في الفقه المالكي ما لم يفتحه على كبار فقهاء المالكية في عصره والعصر الذي جاء بعده وإلى اليوم ببركة خدمته لشيخه وصدقه معه ودعائه له فألف كتابه الموسوم " مختصر خليل " فهو وإن كان متعلقه الفقه الظاهر في أحكام الشريعة والفقه لكنه كان فتحا من الله لأن الفتوح تكون في علوم الشريعة والحقيقة

مثلا لو تقرأ باب الإستنباط الفقهي في أحكام الشريعة من الآيات التي تناولها في كتاب تفسير القرآن الكريم للشيخ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه الذي سماه " البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور " تدرك أن الإستنباط الفقهي يكون أيضا فتحا من الله تعالى وليس مجرد اعمال فكر وبحث عقل

تكون العلوم بين :
إلهام من الله تعالى يجده العبد في قلبه بلا تعب فكر ولا كبير عناية و قد يكون واردا رحمانيا كأحزاب المشايخ وقصائدهم فهي واردات ربانية لكون الخواطر التي تخطر على قلب العبد في حله وترحاله أربعة لا خامس لها هذه أصنافها وأقسامها :

- وارد رباني ( لا يدلك إلا على الله تعالى ويأخذ بمجامع قلبك إلى حضرته ) وارد توحيدي
- وارد ملائكي ( يدلك على الأعمال الصالحة والطاعات الفالحة وهو من عام النور ) وارد أسباب هداية
- خاطر نفسي ( حديث النفس لصاحبها في وعيه وفي اللاوعي منه ) لا يدله إلا على حظوظ نفسه وظهورها في كل عالم من العوالم السفلية أو العلوية
- خاطر شيطاني( وهو بين همز للنفس أو نفث في العقل أو نفخ في القلب )

الخاطر الشيطاني : يكون من حيث الوسوسة والتلبيس والوحي الشيطاني وفي هذا الباب هلك كثير ممن يسمونهم الناس علماء ويطلقونهم عليهم ألقاب مشيخة الإسلام وكذلك ممن يطلقون عليهم وصف المفكرين والفلاسفة لأن تلبيسات الشياطين في مجال شتى العلوم الدينية والدنيوية شيء مهول مثلا لنا أن نتساءل : من الذي صنع " القنبلة النووية " ؟

الجواب : بل خطرت جراء وحي الشياطين وتحت إملاءات النفس الأمارة بالسوء المملوءة بالحقد والحسد والكره الجنس البشري فالشيطان والنفس يكملان بعضهما البعض في مجال النقصان كما تكمل الزوجة بزوجها ويمكل الزوج بزوجته لأن الشيطان متى عقد قرانه على النفس فلا يفسخ عقدهما إلا بطلاق البتّة لا يكون بعده رجعة

هل تظن بأن ما جاءه من أفكار التجارب لصنع القنبلة واكتشاف أسرار مادة الذرّة وردت عليه من حضرة القدس ؟ الجواب : لا طبعا بل وردت عليه من الوحي والخاطر الشيطاني والنفس الأمارة بالسوء لذلك قال تعالى ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) فكم من عالم إنما ضل بسبب علمه كانشتين أضله الله على علم كما أضل داروين وغيرهما كثير وقد أضل كثير ممن يحسبهم الناس مفكرين وباحثين وفلاسفة في كل ديانة لأن الضلال على علم كما يكون العلم الديني يكون أيضا في العلوم الدنيوية لأن العلم إما لك أو عليك رغم أنه في نفسه علم وإنما يكون الجزاء بحسب الإستعمال فهو ذو حدين

نعم قد يكون عند العارف بالله تعالى علوم أسرار الذرة وغيرها كما قال سيدي الشيخ إسماعيل رحمه الله تعالى في مناجاته المسماة " مرآة الذاكرين في مناجاة رب العالمين " ما نصّه ( وصل اللهم على منبع المظاهر الكونية قبضة نورك الأزلي التي تعرفت بها إليك ودللت بها عليك بعدد ما اقتضته الحكمة من تحول كهارب الذر في ميداني تجليات جمالك وجلالك من أولها إلى ما لا نهاية له في علمك )

فالشاهد هنا قوله ( تحول كهارب الذر ) ذكر الذرّ جمع ذرّة وكون الذرات لها كهربة وبتلك الكهربة تتحول الكهربة " الكهرباء " إما إلى صفة جمالية كالطعام والشراب ينتفع به الخلق مثلا أو إلى صفة جلالية كأفعى وسمها فهو هنا في مشهد علم انبثاق الذرة وخروجها من حضرة العدم إلى شاشة الوجود من هنا اختلف أهل الله تعالى عن أهل الضلال حزب الشيطان لكون الشياطين لا تعلم الناس إلا ما يضرها

كما قال تعالى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) فكذلك العارفون لا يكفرون فيعلمون الناس ما يضرهم بينما الشياطين يعلمون الخلق ما يبيدهم ويفنيهم فافهم

كم يقرأ الناس اليوم من كتب ألّفها شياطين إنس في أثواب أهل الفكر والعلم ككتاب " الآيات الشيطانية " الذي ألّفه سلمان رشدي في التسعينات من القرن الماضي فانظر وتمعن في الإسم حيث وصف القرآن أنه " آيات شيطانية " فذكر الشيطنة وهو متصف بها وهذا نهاية وغاية الخداع من الشيطان لنفسه وله حيث يخفي الشيطان نفسه في صورة من الصور الإنسية مظهرا التحذير منه في نفس الوقت ليضل الخلق وهذا منتهى التلبيس

قال القاضي سيدي يوسف بن إسماعيل النبهاني رحمه الله تعالى " أن كثير مما كتبه بن تيمية رحمه الله تعالى في كتبه منكرا ومحذرا من أهل الله وقدحا في أهل التصوف إنما وسوس به إليه وأملاه عليه شيطان ماكر عليم بطرق التلبيس العقلية قال سيدي الإمام عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في حق كتاب " تلبيس إبليس " الذي ألّفه بن الجوزي رحمه الله تعالى " بل إبليس من لبّس عليه في كتابه ذلك "

لهذا كثيرا ما يظهر إبليس لعنه الله تعالى في مظهر الناصحين والهداة فذلك ديدنه فلا يخرج إلا متنكرا كثعلب ليل ولا يظهر في مظهر العاصي الطالح إذ لا يعقل أن يتبع أحد من الخلق من ظهر طلاحه واشتهرت معصيته وبان فساده واجرامه قال فرعون الطاغية لقومه ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) وقال غيره ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) وكذب إبليس لعنه الله على سيدنا آدم ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) فظهوره غالبا ما يكون في مظهر الناصح وصاحب المسؤولية والأمانة والعقل والرصانة ...

لذلك تجد الفيوض والفتوح الربانية على العبد في مختلف مراتبها تكون واضحة كوضوح الشمس في وقت الضحى لا تحجب إلا على من أصابه في عينيه رمد وسوسة إبليس أو ران مرض النفس وانطماس البصيرة

تجد عند سماع الفتوحات من أصحابها أو قراءتها في تآليفهم نفحة ربانية تأخذ بروحك إلى محبة الله تعالى ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام وتزهدك في الدنيا وتأخذ بمجامع القلب إلى الشوق والإشتياق كما تطير بالروح إلى عالم العشاق ..

ما يكتبه الفلاسفة والمفكرون فيه الغث والسمين في نفس الوقت والغث أكثر من السمين فهو بين فتوحات عقلية من العلم النظري أو الضروري أو جراء الإدراك والبحث والتجربة أو وصف الواقع وتحليل المشاهد والظواهر وهكذا .. تكون بحسب صفاء نفس الباحث أو المفكر وفطانته ونعني بصفاء النفس غير صفاء الروح وهذا موضوع آخر ومناظرة الفيلسوف بن رشد رحمه الله تعالى مع الشيخ العارف بن عربي رضي الله عنه مشهورة تفسر مسألة الفرق بين الفتح والفكر

فإن للعقل حدوده في الفهم والتفكير إذ أغلب ما تتطرق إليه العقول ما هي في الغالب غير طريقة من الظنون في الغالب قد تصدق وقد تكذب من باب قاعدتهم " الشك طريق اليقين " مع العلم أنه هناك العلم اليقيني والبصيرة اليقينية فقد يصل من يصل منهم إلى درجة العلم اليقيني في مبحث ما لكن لا يكون صاحب بصيرة يقينية لتعلق البصيرة بالإيمان بالله تعالى والسلوك والسير إلى الخالق جل وعلا لذلك اختار الإمام الغزالي رحمه الله تعالى طريق البصيرة اليقينية بعد يأسه من طريق المعقولات الفكرية والقياسات العقلية فلا هي شفت له عليلا ولا روت له غليلا

الخلاصة :

ديننا دين فتوح ربانية وعطاءات إلهية في مقامها الأول وليس اجنتهادات فكرية وتدقيقات عقلية وقياسات ظنية واستنتاجات فهمية أما من يريد أن يتزيا بزي المفتوح عليهم بالعلم والحكمة من أهل الله تعالى لصفاء قلوبهم نتيجة فراغهم من تزكية نفوسهم فيكتب ككتاباتهم ويتسوّر محاريبهم فهو مسكين لا يخشى خاتمه الوخيمة ولا يدري أن أمره مكشوف عند أهل البصائر من المريدين المبتدئين فضلا عن السائرين فضلا عن الواصلين من ساداتنا العارفين فليصدق العبد مع ربه ولا يترك نفسه تلبّس عليه ولينقذها قبل دنو الأجل والنصيحة موجهة لي بداية ونهاية قبل كل أحد ..

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

03 نوفمبر 2017 16:12

جزاكم الله خير الجزاء
نسأل الله تعالى أن يديم نعمه عليكم و أن يجعل لنا حظا من هذا الخير بمحض فضله و جوده و كرمه و إحسانه
آمين
أنوار
عضو جديد
مشاركات: 11
اشترك في: 24 مايو 2017 03:33
آخر نشاط: 03 نوفمبر 2017 16:13
مكان: الدار البيضاء
العمر: 47
اتصال:

06 نوفمبر 2017 04:38

على الصوفي كتب:
.....
الظاهر أننا أستاذ إلياس كنا نجيب على السؤال الذي كتبته الأخت الفاضلة في نفس الوقت وقد قرأت جوابكم وهو كذلك جزاكم الله كل خير إلا أن حشر العبد الفقير في زمرة المفتوح عليهم بالعلوم والفهوم هذا لا أوافقكم عليه
.....
تجد عند سماع الفتوحات من أصحابها أو قراءتها في تآليفهم نفحة ربانية تأخذ بروحك إلى محبة الله تعالى ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام وتزهدك في الدنيا وتأخذ بمجامع القلب إلى الشوق والإشتياق كما تطير بالروح إلى عالم العشاق ..
.....
ما يكتبه الفلاسفة والمفكرون فيه الغث والسمين في نفس الوقت والغث أكثر من السمين فهو بين فتوحات عقلية من العلم النظري أو الضروري أو جراء الإدراك والبحث والتجربة أو وصف الواقع وتحليل المشاهد والظواهر وهكذا .. تكون بحسب صفاء نفس الباحث أو المفكر وفطانته ونعني بصفاء النفس غير صفاء الروح وهذا موضوع آخر


أهلا بكم أ.علي.
- فعلا يبدو كنا نجيب في الوقت نفسه. وأنا بمجرد كتابة الجواب أغلقت الحاسوب، فلم أر جوابكم إلا في غده. ولله الحمد، هذا صار لي معكم أكثر من مرة.
- سؤال عن الفقرة الثانية في الاقتباس: كيف نعدّ إحياء علوم الدين للغزالي. فهو تأليف كسبي، أكيد أنه ليس من باب الفيض، فهل يمكن اعتباره فتحا ما من الله سبحانه، ذلك لأن "الإحياء" معروف أنه يأخذ القارئ إلى طريق الله تعالى ويزهده في الدنيا. أو نقول: إن هذا الكتاب العظيم خليط من الكسب والفتح؟
- رغم أنه ليس موضوعنا كما ذكرتم (الفقرة الثالثة في الاقتباس) إلاّ أن إشارتكم استوقفتني. أول مرة أدري أنه يوجد فرق بين صفاء الروح وصفاء النفس؟ هل مثلا الصفاء الذي نلاحظه في بعض الناس من غير المسلمين أصلا (أوربيون مثلا)، صفاء وصدق وبساطة..الخ، هل هذا صفاء نفس لا صفاء روح. وهل صفاء الروح من شيم السائرين فقط والواصلين، بمعنى أن معظم المسلمين ليس عندهم صفاء الروح؟
بارك الله فيكم.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

06 نوفمبر 2017 05:04

كيف نعدّ إحياء علوم الدين للغزالي. فهو تأليف كسبي، أكيد أنه ليس من باب الفيض، فهل يمكن اعتباره فتحا ما من الله سبحانه، ذلك لأن "الإحياء" معروف أنه يأخذ القارئ إلى طريق الله تعالى ويزهده في الدنيا. أو نقول: إن هذا الكتاب العظيم خليط من الكسب والفتح؟


لنا أن نتساءل عن تاريخ تأليف كتاب إحياء علوم الدين هل هو قبل تصوف الإمام الغزالي رضي الله عنه أو بعده ؟ فالجواب والله أعلم أنه ألفه بعد تصوفه لذا فكما قيل " من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء " وهو بالأساس كتاب جامع بين العلم والعمل وكما قال العارف القطب سيدي أبو العباس المرسي في حكم بن عطاء الله رضي الله عنهما " أنها جمعت كل ما في كتاب الإحياء للغزالي " لكن يجب العلم أن ميزان الفيض ومقياسه هو التوحيد بينما ميزان الفتح ومقياسه هو التعريف والعلم والبيان والتربية

الذي أراه أن كتاب الامام الغزالي رحمه الله هو فتح علمي بمعنى فتح لبيان الشريعة والطريقة يغلب عليه طابع الإمام الغزالي العلمي بما أن الرجل كان عالما قبل أن يكون عارفا فافهم فكل كاتب يكتب بحسب طابعه الذي ألفه والله أعلم

أما مسألة صفاء النفس فقد ذكره الفلاسفة فهو ديدنهم وليس هو صفاء الروح متى علمت الفرق بين التربية الروحية وبين التربية النفسية والأخلاق الروحية والأخلاق النفسية
مثلا تجد الرجل في أوروبا تتنزه نفسه عن الكذب وعن السرقة وعن الخداع بينما تجده يمارس الجنس في بيت والدته أو والده وبحضورهما اذا لزم الأمر ويعدون ذلك تحررا ونضجا لذا هناك فرق بين التربية النفسية ما يعبرون عنه في بعض الأماكن - التنمية البشرية - وبين الأخلاق الربانية وهذا شيء آخر وليس كل مناهج التربية النفسية غير مقبول بل هناك الكثير المقبول لأنه يتوافق مع شرع الله تعالى لكن فقط يجب تغيير مدده النفسي الى مدده الرباني أي استمداده من وحي النفس الى استمداده من وحي الشريعة والطريقة لذلك تجد الشخص الأوروبي أول ما يتبادر الى ذهنه " الأنا " النفسية
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زوار