رياض الواصلين >> المنتدى العام >> سؤال للمناقشة: سلسلة الأسئلة الصوفية 1

24 أكتوبر 2017 15:08

سؤال للمناقشة: سلسلة الأسئلة الصوفية 1
يخطر ببالي دائما هذا السؤال، فأحببت مشاركة الأصدقاء فيه، علّ بعضهم يفيدنا بما علّمه الله:
حين يتأمل الإنسان ما حواليه يجد أكثر الناس مشغولين بحياتهم الخاصة، أو بحياة الآخرين.. كما للأشياء قيمتها العظمى في نظرهم، كالمال والسلع وأنواع الاستهلاك.. جعلوها هدف حياتهم وغاية وجودهم.
بالمقابل قلّما تجدهم مشغولين بربهم العظيم.. لا يفكرون فيه إلاّ قليلا، ولا يسعون نحو مرضاته إلاّ أحياناً.. يكاد يكون أفضلهم من لا يعصيه بالجوارح، لكن قلبه غافل عن الله.
تجد الداعي إلى الله حواليه أفراد قلائل، بينما الداعي لغيره. تحيط به أمواج من البشر.
بل إن بعض الناس كما حكى القرآن، إذا ذكّرته بالله سبحانه أعرض ونأى، فإن تحدثتَ في موضوع آخر –كالأموال والتجارات والسيارات.. أو كالأقرباء والجيران والمشاهير والنساء.. ونحو ذلك- إذا به ينتبه ويُقبل عليك:
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) الزمر.
ما تفسير هذا الأمر: هل هو الجهل بالله وبقدره، هل هو قضاء الله أراد لنفسه ألاّ يكون ظاهرا، هل هي النفس التي تستثقل ذكر ربّها؟ ولمَ ذلك.. إذ الله سبحانه هو أعظم موجود وأعزّ كنز وأغلاه، كما في الحكمة: كنت كنزا مخفيا، فأحببتُ أن أُعرف فخلقتُ الخلق ليعرفني.
أجيبونا جزاكم الله خيرا.
آخر تعديل بواسطة إلياس بلكا في 24 أكتوبر 2017 18:02، تم التعديل مرة واحدة.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

24 أكتوبر 2017 15:36

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي اليأس.
للسؤال ب لماذا قيمته المعرفية عند أهل النظر الفكري .
وتشخيصكم في محله...ولا أدري ما قيمة السؤال ب لماذا عند العارفين بالله ؟
عزالعرب
عضو جديد
مشاركات: 1
اشترك في: 24 أكتوبر 2017 15:29
آخر نشاط: 25 أكتوبر 2017 07:28
مكان: فاس
العمر: 44
اتصال:

24 أكتوبر 2017 22:03

ننتظر إن شاء الله جواب الأخوة ممن الجمع على الله غرامهم ومدامهم في تحليل هذه الظاهرة، لكن سأدلي بدلوي فأنا أرى أن هذه طبيعة البشر في كل زمان ومكان حتى في القرون المفضلة كان أكثر الناس عندهم من يحافظ على الصلاة في وقتها وعلى الآداب العامة للمجتمع يعتبر ملتزما وتقيا والباطن أمره إلى الله ولكل مجتمع وخصوصا مجتمعنا الإسلامي آداب عامة وحدود مرسومة لايتخطاها الفرد وإلا يعتبر شاذا وفاسقا الخ..وهي آداب وقيم مأخوذة من المنهج العام للإسلام في حفظ كرامة الإنسان ألا يكون كالحيوان وفي زماننا صارت الثقافة الإسلامية منتشرة أكثر من ذي قبل فماكان صعب أو مستحيل الحصول عليه كالكتب الإسلامية الثمينة والنادرة صار بالمتناول دائما والتفقه بالدين سهل للغاية ولونسبيا عن طريق التعلم الذاتي كمثال ومع هذا كله لايمكنهم بقدرة قادر أن يكونو جميعافي مقام الإيمان مناط الصحو، والفرق بين المسلم والمؤمن جلي ومعروف ، وأميل إلى ما أشرت إليه ياأستاذنا بأن الله قدر أن يكون أهله المستغرقين فيه ليسوا الأكثرية يقول تبارك وتعالى"ثلة من الأولين وقليل من الآخرين" والثلة تفيد الكثير ولكن ليس الأكثرية أما قليل من الآخرين فهوإشارة لزماننا فلاتستغرب من حال الناس الآن.
عابرسبيل
عضو نشيط
مشاركات: 44
اشترك في: 15 يوليو 2017 22:49
آخر نشاط: 21 مارس 2018 23:01
مكان: مدينة
العمر: 28
اتصال:

26 أكتوبر 2017 01:02


ما تفسير هذا الأمر: هل هو الجهل بالله وبقدره، هل هو قضاء الله أراد لنفسه ألاّ يكون ظاهرا، هل هي النفس التي تستثقل ذكر ربّها ؟ ولمَ ذلك.. إذ الله سبحانه هو أعظم موجود وأعزّ كنز وأغلاه ...


المعلوم سيدي أن الناس ثلاثة أثلاث :

- أصحاب الدنيا
- أصحاب الآخرة
- أهل الله

* أهل الدنيا تجدهم خلقا كثيرا غالبا ومزيجا هائلا بين جميع أصناف البشر فتجد المسلم وتجد الكافر لا فرق فيما بينهم فكلهم طالبو دنيا لذلك تخلق كثير من أهل الإسلام بأخلاق الكفار في عاداتهم وطبائعهم وأفعالهم وتقاليدهم لكون مريد الدنيا لا يتوافق باطنه إلا مع مريد دنيا مثله ولا يهم عنده أكان صاحب الدنيا مؤمنا أم كافرا لأنه أراد الدنيا ومجمع محبّي الدنيا يختلط فيه الكافر بالمسلم والحابل بالنابل ..

متى فاتحت شخصا ما من أهل الدنيا في الحديث عنها وعن شؤونها من كثرة مال وعلو جاه وتحصيل ذهب و فضة ... الخ يسيل لعاب نفسه طربا لها فتخشع منه الجوارح ويميل القلب إليها ميلا وقد ورد في هذا الصنف من المحاب كونهم ( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) لكون المقياس عنده هو مقياس الدنيا كون النفس الأمارة جميع مقاييسها دنيوية

لذا قال تعالى فيهم بعدها ( كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا )

فأصحاب الدنيا لا خبر لهم عن الآخرة غالبا فضلا أن يكون عندهم خبرا عن الله تعالى ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) لذا فإضاعة الوقت في التفكير في أسباب ضلالهم ورنوهم إلى الدنيا مضيعة للوقت واشغال القلب بخواطر لا طائل من ورائها

قال لي مرة شخص منتسب للصوفية " لو كنتَ محبوبا عند الله لأفاء عليك من المال والبنين " فافهم

* أهل آخرة لا تجد فيما بينهم ولا كافرا واحدا فهذا القسم خاص بالمؤمنين دون الكافرين فتعلق إرادة الآخرة بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر والجنة والنار فمتى فاتحت صاحب الآخرة في موضوع الحور والقصور التي في الجنة يخشع قلبه لها ويشتاق إلى ذلك النعيم وينتظر معافسة تلك الشهوات الحلال فهو يزهد في النعيم الزائل مريدا النعيم الباقي ويصبر عن شهوات فانية منتظرا شهوات أخرى خير منها لا تفنى ولا تزول وهؤلاء حالهم أفضل وأحسن بكثير من أهل الدنيا

ثمّ يجب العلم أن المسلمين بدورهم ينقسمون ثلاثة أقسام :

- عوام المسلمين وهم الغالبية الساحقة
- خواص المسلمين وهم قلة
- خاصة الخاصة من المسلمين وهم اليوم في زماننا أقل من القلة

فلا تستغرب قلة أهل الله تعالى بعد أن أعلمك الله تعالى بشأنهم في سورة الواقعة وهو قوله تعالى ( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ) فكيف نريد أن نجعلهم كثرة والله تعالى أخبرنا أنهم سيكونون قلة في آخر الزمان وإنما كانوا من الأولين " ثلة " لقرب زمانهم من زمان آدم والأنبياء من بعده وقلة أعداد الخلق مقارنة بأعداد اليوم أي القياس كان بحسب ميزان احصاء البشر بحسب الأزمنة

فلو جمعت مثلا كل السابقين المقربين من عهد آدم وإلى قيام الساعة وقستهم على أعداد البشر قاطبة لوجدتهم قلة قليلة نادرة فمتى فهمت بعد أن رأيت هذا الإنفجار السكاني الهائل الواقع في الأرض تدرك أنه مهما تكاثر أعداد أهل الولاية فهم قلة قليلة مقارنة بأعداد البشر في زمانهم وبياني هذا لا يعارض ما يفهم من منطوق الآية الذي قاله أهل التأويل وفسره به المفسرون فالقاعدة عندي أني لا أخالف المفسرين في شيء قالوه اطلاقا كونهم علماء الأمة وجهابذتها وإنما نستروح في بعض آيات القرآن لوسع معانيه وكونه لا تنقضي عجائبه

أما أصحاب اليمين فقد كانوا ثلة بحسب اعداد زمانهم فلو نظرت لوجدت أن عدد المسلمين اليوم نحو مليار ونصف أو مليارين فتقول حتما أن أصحاب اليمين ( ثلة ) وكذلك في كل زمان لا بد أن يكون أصحاب اليمين ثلة سواء من الأولين أو الآخرين لكن طريق العرفان والولاية فلا بل " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " رغم أن الأولين قد يأتي منهم يوم القيامة النبي وليس معه أحد ويأتي النبي ومعه الرهط والرهطان - فافهم -

قلت :

لو تلاحظ أن الله تعالى لما ذكر نسب أصناف الخلق حيث أشار إلى أعداد أصحاب اليمين كونهم " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " وعندما ذكر السابقين " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " ذكرهم بحسب ما هم عليه أعدادهم بحسب احصاء البشر في زمانهم وأيضا بحسب احصاء اعدادهم مقارنة بأعداد أهل الإيمان في زمانهم فهم قلة في دائرة الإيمان بينما هم قلة القلة النادرة في دائرة الخلق أي اعداد البشر ..

لكنه لم يعين أحجام ولا أعداد القسم الأول وهم " أصحاب المشأمة " لكونهم الغالبية العظمى لأنك متى عينت فردا من مجموعة فأنت تنتقي ذلك الفرد كونه عزيزا ونادرا وجوده في تلك المجموعة وهكذا فيكون التعين تعيين القلة من جماعة الكثرة فما عين حجم أصحاب الدنيا لأنهم غالبية الخلق كما قا تعالى ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) لكون الأكثرية البشرية دائما يكون حالها حال ضلال غالبا وهو ما ذكره ابليس لعنه الله تعالى حيث توجه ضلاله للأكثرية ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )

قال تعالى ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )

الآن عليك أن تفهم تعارض ما يسمونه الديمقراطية - الأكثرية والأغلبية - مع مبادئ قانون الشورى في الإسلام لكون الأغلبية لا تتبع غالبا إلا أهل الدنيا وأهل الضلال

الكلام يطول كالعادة وفي هذا كفاية

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

29 أكتوبر 2017 09:13

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هو سؤال وجيه يا سيدي. وإثراءً ومشاركة وتدويراً للفائدة نشاركُ، وفي ما كتب السادة نور وعلمٌ. وفي هذا الموضوع تحضُرُ خواطر أو عناوين، ولكن هل يستطيعُ المرءُ أن يدرجها في مشاركته ويجد لها تداخلا بينها ؟ فذلك الذي قد لا يسهلُ ربّما، فهو بحسَِبِ التسهيل والتعمّق ..

أوّلاً سيدي فكما ذكرتُم وذكر السادة قدّر الله سبحانه في سابق أقداره وعلمه أن يكون الحقّ دائما كالغريب والمقبلون عليه قليل على العموم وفي الغالب. آياتٌ كثيرة تذكُرُ هذه الحقيقة "وقليل من عبادي الشكور". "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" (الأنعام-116).... الخ.

ثانياً : كما يبدو لي والله أعلم، هناك حقيقة أنّ الخلقَ أغيارٌ، ولهم وجهتان، وجهةٌ إلى الخالق سبحانه ووجهة إلى الدنيا والأكوان حولهم، طبعا حديثنا عن النّاس لأنّهم مناط التكليف والاختيار، بخلاف الاشياء الأخرى فهي محكومة بالطبائع والغرائز، غير مكلّفة بالعقل، وسرّ الإنسان والتكليف هو العقل، فهي مسبّحة لله تعالى خاضعة له، أمّا الإنسان فله تلك الوجهيتن الوجهة التي تعودُ به إلى ربّه، والوجهة التي يجدُها تقابله ويحتكّ بها في الظاهر والدّنيا وهي الأكوان والمظاهر والأشياء، وبعيداً عن النبوّة، فالإنسانُ يحتاجُ من يذكّره بوجهته الأولى والحقيقية التي يستمدّ منها ويقومُ بها ولكنّه عنها يغفل، لأنّ النبوّة نور ذاتيّ في بواطن الأنبياء، خصّوا به اصطفاءً فهم معصومون عليهم السلام، وهم مفعلّون في الدراية والرجوع إلى هذه الوجهة الأولى، الوجهة الحقيّة. بل من انفتحت له النافذة نحو هذه الوجهة لا محالة بانَ له الحقّ من الباطل، والحقيقة من الوهم، وعرفَ المقدّم من المؤخّر. أمّا الناس عموماً، فوجهتهم للدّنيا والأكوان والأشياء، لأنّها تُعبّرُ عنهم، لأنّها تُعطي لكينونتهم الجزئية وجوداً، تُعطي لذواتهم انتعاشاً، فالإنسانُ مركبّة فيه هذه الأنا والنّفس، وأناهُ هي التي تطلبُ هذا التملّك وهذا المتاع المتنوّع من المتع والأغراض والحظوظ الدنيوية. فما دام فيه هذه الأنا والنّفس فهي تطلبُ شيئاً تقومُ به من هذه الحظوظ والأغراض والاشياء، وهنا اختلف النّاسُ، بين الذين كفروا الوجهة الحقيّة، وارتبطوا بظواهرهم وظاهر ما يعيشونه، غافلين عن الحقيقة المطلقة والحق سبحانه، "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" (الروم - 7). فكفروا، وزيّنت لهم نفوسهم وأنواتهم هذا الكفر، حتى لا تُنغّصَ على رغبتهم وطلبهم الحظوظ والتملّك والسّعي لهذه الدّنيا تلك الوجهة الحقيّة، فآثروا الظنّ واستغفلوا بواطنهم كما وصفهم الحقّ سبحانه "إن يتّبعون إلاّ الظنّ وإن هم إلا يخرصون". وكما وصفتهم الآية التي ذكرتموها : وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) الزمر. هؤلاء بشراهُم فيما أقبلوا عليه، وإذا ذكر الله سبحانه اشمأزّوا ونغصّ عليهم ذكرُهُ رغباتهم وحظوظهم وأغراضهم وحياتهم كلّها، لأنّ الله سبحانه لا يُجانِسُ هذه الأشياء والحظوظ فهو الخالق وهي الخلقُ، فهو المنزّه عنها، وهو الوجهة الأولى الباطنية، بينما وجهتُهم إلى الظاهر والكثرة لا إلى الجمع والحقّ سبحانه. فكفروا بالله وكفروا بالآخرة، لأنّ الآخرة علامة حاسمة على الإيمان به سبحانه وبيوم الحساب والعقاب.

وكان هناك فئة أخرى آمنت بالله سبحانه وباليوم الآخر والأنبياء عليهم السلام، أي أسلمت إسلاماً ظاهراً، تقليدياً واتّباعاً، وإيماناً عاماًّ، وهم المسلمون عموماً، وهنا تجلّى معنى التوحيد وتوحيد الله سبحانه، فكان الله سبحانه بالنّاس رؤوف رحيم، وقبل من هؤلاء إسلامهم، أن يشهدوا بوحدانيته، فالشهادة بالوحدانية هي إعلانٌ لرجوع كلّ شيءٍ اليه سبحانه، والتبرّء من الكفر به والكثرة، أي الكثرة مردّها لله الواحد القهار سبحانه. ففصلَ التوحيدُ بين الموحدّين وغيرهم، لأنّ الله لا يقبلُ الشريك، فإن قبلَ من النّاس إسلامهم الظاهر والعام الذي لم يبلغ أفئدتهم، ولم ينفذ إلى قلوبهم بعدُ، فقد اشترط عليهم إذ ذاكَ أن يأتوا بالشرط الأساس والمهمّ وهو التوحيد، وإعلان وحدانيته سبحانه وأنّه الحاكم والخالق والربّ وحده لا شريك له له الأسماء الحسنى. ولكن هؤلاء المسلمين، مع إسلامهم الظاهر، لم ينفذ الإيمان إلى قلوبهم، ليعمرها، فيؤثرِوا الله سبحانه على حظوظهم ورغباتهم وملذاتهم، وتفاوتوا هنا تفاوتاً، بين ملتزم بالظاهر متلبّس بالمظاهر انقلبَتْ حظوظه ورغباتُهُ من مظهرِها الدنيوي إلى مظهرها التديّنيّ الملبّس، وليس ثمّة سوى الحظظوظ النّفسية وهؤلاء هم هؤلاء الظاهريون المستحدثون، ومن شاكلهم من السّابقين، الذين يعتنون بالظاهر ويزعمون الوصاية على الدين ويحتكرون الدين، هؤلاء تلبّستْ ذواتُهم ونفوسهم بالتديّن الظاهريّ، فالتبس عليهم الأمرُ، وكانت نفوسُهم هي الحاكمة ولكن في صورة ملبّسة تديّنية، فكانوا من أسوأ النّاس على العموم في هذه الفئة المسلمة، لأنّهم يوالون الأنا والنّفس، ويعتدون على الخلق، ويُسيؤون الأدب مع الخالق سبحانه وهم لا يعلمون ولا يشعرون، بل ويزعمون أنّهم الحقّ الخالص، والدينُ بحقائقه ورحمته وأدبه وانكسار متبّعيه وافتقارهم بريءٌ من تلك الأخلاقيات. أمّا بقية العوام من المسلمين فهم متفاوتون في التديّن، ولكنّهم أحسنُ حالاً من هذه الفئة التي ذكرناها، أي التي تتلبّس صفة التديّن، فالعوامُ لا يزالون في حالة انكسارٍ، ومعرفة أنّهم مقصّرون، ويطلبون الدّنيا والحظوظ وهم يعلمون أنّهم يلهثون وراء الدنيا والحظوظ.
فقلنا لمّا لم يعمُرْ الإيمان قلوب الفئة المسلمة إعماراً يجعلها تؤثر الله سبحانه وتؤوب إليه، وتخشع له القلوب، بقيت هذه الفئة متفاوتة الحال، منطبعةً بطابع الواقع الحاكم، وطابع ما تراكم في المجتمع وما هو موجود، فهم إمّعاتٌ، إيّما واقعٍ غلبَ وطفا غلبَ عليهم سمتُه. هؤلاء هم عموم المسلمين.

وفئة أخرى غلب عليها حبّ الله سبحانه والإيمان به، وآثرته على الحظوظ والرّغبات والمتاع، وإن كانت تحبّ حظوظها ورغباتها ولكن تلك التي أحلّها الله ولم تخالف ولم تجلب لهم النقمة والغضب الإلهي سبحانه، أو بالأحرى لم تجعلهم في محلّ الغفلة عن الله سبحانه، هؤلاء هم المؤمنون، وهم أخصّ من المسلمين، وهؤلاء يتفاوتون كذلك بحسبِ هذا الإيثار لجانب الله سبحانه. وصفهم الله تعالى في قوله : "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ." (البقرة -165). فهم الذين آمنوا وهم أشدّ حبّا لله تعالى من الأنداد والحظوظ. وفي هذه الفئة درجاتٌ من التفاوت، بحسب نوع الحظوظ، حتّى قد تكونُ حظوظاً أخروية، وحظوظاً من عالم الأنوار، ولكنّها أغيارٌ عن ذات الله سبحانه وتعالى. ففي هذه الفئة يمكنُ أن ندرج فئة المؤمنين وفئة المحسنين، إن قبلنا أنّ الإحسان فيه تفاوتٌ كذلك، فبعض العارفين وهم محسنون، ولكنّهم مع ذلك لم يبلغوا الدرجة الأخيرة التي لم تشغلهم فيها الأغيارُ، ولو كانت معارفاً أو أنوارا أو اسراراً أو غيرها عن وجه الله سبحانه وحده لا شريك له وذاته العليّة.

وهنا يأتي الكلامُ عن الفئة الأخيرة وهي الفئة الخالصة، الفانية في ذات الله تعالى الباقية به سبحانه، البالغة درجة الخلوص، وهي رتبة الأنبياء عليهم السلام، وورثتهم الأولياء المحقّقين الأفراد، الذين كملوا كمالاً، وصارت نفوسهم قائمة بالله تعالى كلّها، وليس لهم حظوظ سوى الله سبحانه وذاته وحده لا شريك له، وهؤلاء قلّة قليلة .. وذلك كلّه يرجِعُ لما ذكرناه ابتداءً، أنّ الوجهة الحقيّة وذات الله تعالى، منزّهة عن الأغيار والأنداد والأشياء جميعها، وتطلبُ فناء الأنا الجزئية، والنّفس البشرية، والكينونة الذاتية الخاصة بالإنسان في ذات الله تعالى، وفنائها عن مرغوباتها مطلقا، وعن حظوظها كاملة، وهي رتبة عالية لا يصلُ إليها إلا أهل العناية الأزلية. ويمكنُ أن نقولَ أنّ : ثلة السّابقين أو قليل السّابقين يدخلُ فيها : الفئة المؤمنة والمحسنة وهذه الفئة التي بلغ إحسانها كماله وتمامه، والله أعلى وأعلم.

وعذرا على الاطالة ولكنّها خاطرة فاض بها السؤال، أرجو أن تكون إثراءً للموضوع وتفاعلا، ويُكتب لها القبول.

وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد النبي الامي وعلى اله وصحبه وسلم تسليما
المسكي
عضو جديد
مشاركات: 7
اشترك في: 26 أكتوبر 2017 12:03
آخر نشاط: 30 أكتوبر 2017 00:05
مكان: افريقيا
العمر: 39
اتصال:

14 نوفمبر 2017 22:00

سؤال وتساؤل لخص حالنا جزاكم الله أستاذي على لفت الانتباه
نحتاج دائما للتذكير
محمد البرنوسي
عضو جديد
مشاركات: 1
اشترك في: 14 نوفمبر 2017 21:54
آخر نشاط: 14 نوفمبر 2017 22:06
مكان: فاس
العمر: 47
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران