رياض الواصلين >> المنتدى العام >> خطر عالم الصور والمظاهر

17 سبتمبر 2017 02:12



بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله

عالم الصور والمظاهر من أعظم العوالم خداعا للبصر وحجابا للبصيرة فهو عالم نفاق بامتياز يصدق فيه قول الله تعالى الذي قاله في المنافقين محذرا رسوله الأكرم عليه الصلاة والسلام من خداع الصورة والصوت حيث قال ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) أي لما هي عليه أجسامهم ربما من حسن الخلقة والظرافة والزينة خصوصا عند ظهورهم بمظهر التدين والتقوى كما هو الحال من ذكرهم في هذه الآية ..

عالم الصور ذلك العالم الدجالي الذي سيخرج فيه بسلاح خداع المظاهر من حيث الصورة والصوت في عالم المادة والمحسوسات وهو أخطر العوالم على العامة من الناس من السذج والبله والبسطاء على الإطلاق

لذا بيّن القرآن الكريم تلك المفارقة بين المخادعة في العالم المحسوس عن طريق الصورة والصوت وبين الأمانة في عالم المعاني الحقيقية عن طريق القلب والروح وذلك في قوله تعالى ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ )

فأولياء الطاغوت يخرجون أتباعهم من نور المعنى إلى ظلمة الحس وهذه الطامة الكبرى ومن نور الصدق إلى ظلمة الكذب ومن نور الإخلاص إلى ظلمة الرياء ومن نور التصديق إلى ظلمة التكذيب ومن نور الإيمان إلى ظلمة الكفر ومن نور التوحيد إلى ظلمة الشرك وهكذا … إلخ

أنظر كيف قال ( يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) يشعرك هذا الإخراج أنه تدني وهبوط بالقلب والروح إلى مستوى السفل فهو سلوك معكوس بينما السلوك الحقيقي بأهل الإيمان وترقيتهم هو عكس هذا كما قال تعالى ( يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) كون النور محل الرؤية والإدراك والبصر والنظر فهو باب العلم .. إلخ
لأن النور كاشف يكشف لك ما أمامك وما خلفك وعن يمينك وشمالك ومن هنا سمى الصوفية مقام إختراق حجب المحسوسات بــــ " الكشف " كما قال تعالى للمشرف على الموت في غمرة سكراته ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) حيث جمع هنا بين أمرين متضادين هما " الغفلة والكشف " ( كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ ) فكأن الكشف الحقيقي هو رفع حجاب الغفلة عن القلب حتى تعاين البصيرة عالم المعاني الذي هو عالم أنوار

فإذا علمت هذا فاعلم أن أمر السير والسلوك كما كان في عالم الإيمان يكون نظيره في عالم الكفر إذ لكل شيء نظير ومقابل وضد ومفارق ونسخة وصورة كالأنبياء مثلا تجد في مقابلتهم أصحاب دعوى يدعون نفس ما ادعاه الأنبياء بحق لأنفسهم كونهم أنبياء ورسل فتظهر أضدادهم ولا بدّ كظهور مسيلمة الكذاب مدعي النبوّة في حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام أو من حيث الحقائق كظهور الدجال في مقابلة سيدنا عيسى فهو صورته المعكوسة

لذا توقف قتل الدجال على عيسى فلا يقدر غيره على قتله لتعلق قتله به حيث تقتل كل صورة حقة ما يقابلها من نسختها الباطلة من حيث معنى ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) فضد الحق الباطل ففي ظهور كل حقيقة لا بد لها من صورة من الباطل تنازعها لهذا لا يجب أن تستغرب من ظهور أصحاب الكذب والدعاوى في كل زمان فما من ولي مرشد أو وارث محمدي كامل إلا وله صور من الباطل تنازعه مقامه كما نازع إبليس مقام آدم من قبل فسرى معنى تلك العداوة بين الصورتين إلى يوم القيامة ( قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) فهي عداوة دائمة متواصلة إلى يوم القيامة لذا قال تعالى (  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) ورد الأمر بنص الآية باتخاذ الشيطان عدوا

العداوة بين الصورتين واضحة جلية ونعني هنا العداوة بين عالم الظلمات وعالم النور أو قل عالم المحسوسات وعالم المعاني فكل مادة لا تحيلك على المعنى فهي حجاب ظلمة وكل محسوس لا يأخذ بيدك إلى عالم اللطافة فهو استدراج لذا كان للكفر أئمة كما كان للإيمان أئمة قال تعالى (  فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) وإنما جاز قتال أئمة الكفر لكون كفرهم متعدي بخلاف كفر الكافر اللازم الذي لا يتعدى كفره غير نفسه بمعنى لا يدل الخلق على الكفر أو يرغبهم فيه أو يستدرجهم إليه كما تفعل الشياطين تحت قيادة وإمرة إبليس لعنه الله تعالى

إذا علمت هذا فاعلم أنّ هذا الزمان عالم ظهور المحسوسات والماديات والصور والمظاهر والأشكال والأصوات والزينة بلا مزيد عليه وهي وغيرها كلها محل خداع فما مر زمان على العالم خدع فيه الناس مثل هذا الزمان الذي قل فيه أهل البصائر و أهل المعاني فهم في حكم الندرة

مثال على هذا أنظر حال الشباب في هذا الوقت كيف أن حياتهم كاملة تقريبا تخلو من عالم المعاني في كل مجال حتى في مجال الفن والغناء استمع الآن إلى فنهم مثلا وقارنه بالفن القريب عند الجيل السابق تدرك عمق الهوة والفرق الشاسع وأن الشباب المسلم يوشك أن يكون على نفس مشرب أهل الكفر في كل شيء حتى في الأحاسيس والمشاعر ولا أبالغ في هذا ..

قلت :

تأخر ظهور الدجال إلى آخر الزمان ما كان قط صدفة أو عجز وإنما كان يتخير أو يتحسس الوقت المناسب للظهور فيه فهو موجود لكنه لا يظهر ولا يمكنه الظهور إلا في وقت معين عندما يغضب غضبته وذلك عند طغيان عالم الصورة والصوت في عالم الماديات والمحسوسات فعندها عندما يستجلب عالمه الروحاني من حيث السحر والطلسمات واستعمال أرواح الكواكب والأفلاك حتى يرى الناس ذلك عيانا فيظنونه عندئذ ربا فيستجيبون لدعوته في مشارق الأرض ومغاربها لأنهم وهم في تلك الحالة لا بصائر لهم ولا أنوار ولا قلوب بل هم تحت تصرف حكم مظاهر صور سحره وروحانيته ..

أي أن البشر وقتها يرون خوارق العادات بالبصر المجرد مما سيغرقهم في متاهات الجهل المدقع وبذلك يعبدون الدجال ويعتقدون فيه الألوهية رغم عور عينه ورغم صورته البشرية الظاهرة لذا مثلا لو تلاحظ عندما تكلم ذلك العفريت من الجن في مجلس سيدنا سليمان في معرض الإستجابة لطلبه في الإتيان بعرش بلقيس من اليمن قال ( قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) أي سيستعمل قواه الروحانية وكذلك قوى أتباعه وممن هم تحت إمرته من الجن لذلك وصفه القرآن بوصف ( عِفْرِيتٌ ) وما قال ( قال جنيّ ) لتفهم عن الله تعالى

ثم قال العفريت مستعرضا مؤهلاته ( وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) هذا يشعرك أن صاحب العلم الروحاني أي علم الحكمة الروحانية لا تجده إلا صاحب دعوى بمعنى أن دعواه تفوق مقدرات قواه وهو ما أنطق ذلك الولي العارف في حضرة سيدنا سليمان الذي قال ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) وهذا الكلام من ذلك العالم العارف نهاية في التوبيخ والتقريع لذلك العفريت من الجن ورغم هذا ما أثنى على نفسه بشيء كما فعل العفريت من الجن

قلت :

لذلك عند خروج الدجال وظهوره لا يكون للناس علم بعلوم أهل الولاية الربانية من حيث المعرفة بالله تعالى وخصائصها وهو بيت القصيد لذلك ما ذكر تعالى من أوصاف صاحب سليمان إلا وصف العلم ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ) أي علم بقدرة الله تعالى والإستغاثة به والتوكل عليه وما في معنى هذا من أوصاف العبودية إذ لو كان عند الخلق اليوم علم بالدين على حقيقته ما اتبع الدجال أحد على وجه الأرض عند خروجه وإنما اتبعوه لطغيان عالم المادة والمحسوسات والصور والمظاهر الخداعة ...

يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فيصدقه الناس وهو في الحقيقة ما أمر السماء ولا استجابت له السماء وإنما له اتصال بأرواح كونية من عالم الظلمة كما بيّن ذلك فيما رواه عن ربه عليه الصلاة والسلام (هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ فأما مَن قال مُطِرْنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب وأما من قال مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب )

انظر قوله ( كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب ) لذا عندما يتصل أحد من أهل الإيمان بروحانية الأفلاك ووربما ما يتبع ذلك من تصريفات عليه باتباع الملة الإبراهيمية والحنيفية البيضاء ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) أنظر قوله ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ) يعطيك مفهوم ظلمة الأكوان ثم أنظر قوله ( قَالَ هَٰذَا رَبِّي ) أي لوجود سبب شاهده في ذلك الكوكب من حيث المقدرة والقوة ثمّ أنظر قوله ( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) أي أفل أمام أنوار مقاصد سيدنا إبراهيم فاضمحلت روحانية الكوكب وأفلت أمام ربانية إبراهيم

لذلك ورد أن من بين الذين سيتصدون للدجال رجل مؤمن قيل هو الخضر وقيل بل مؤمن من أولياء الله تعالى فهذا المؤمن الذي سيتصدى للدجال قبل أن ينزل عيسى فيقتله تفرّس في الدجال الكفر وفهم ألاعيبه الروحانية وحيله الشيطانية لذا سيقول له بعد أن يشقه بالسيف إلى نصفين ويقتله ثم يحييه بزعمه كما ورد ( ما ازددت فيك إلا يقينا ) أي كونك الدجال الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم

إذا علمت هذا فاعلم ماهية المناسبة في عبادة الملكة " بلقيس " وهي من الجن قبل اسلامها كوكب الشمس من دون الله تعالى وذلك أنها كانت تستمد مدد روحانيتها من تلك الوجهة لتفهم بعد ذلك أن المسيخ الدجال سيخرج ومعه العلوم الروحانية العظيمة من جنس ما ورد في قوله تعالى في حق سحرة فرعون قبل إيمانهم ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) رغم أن هؤلاء السحرة يعتبر سحرهم كلا شيء أمام سحر الدجال وعلومه الروحانية الملتبسة والغامضة

العالم الرباني يزاحمه دائما العالم الروحاني أي العالم الرباني المتمثل في آدم وبنيه يزاحمه العالم الروحاني المتمثل في إبليس وذريته من الشياطين فما ظهرت من الحقائق الربانية حقيقة إلا وظهرت نقيضتها من الباطل تنازعها وتعاديها وتحسدها وتحاربها ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

لهذا أنصح نفسي وإخواني والمسلمين بالحذر كل الحذر من تلك المظاهر الخداعة وما يتبع ذلك من زينة الصور وتلبيساتها ونعاق الأصوات ومخادعتها

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

17 سبتمبر 2017 07:19



يا الله ما أعظم هذا ... كم أتمنى حقا لو ان الناس ترى هذه الكلمات وتعيها وتفهمها ... شكرا لكم سيدي جزاكم الله عن أمة الحبيب الأعظم خير الجزاء
فارس النور
عضو جديد
مشاركات: 26
اشترك في: 15 مايو 2017 12:57
آخر نشاط: 18 يونيو 2019 16:59
مكان: دمشق
العمر: 42
اتصال:

22 سبتمبر 2017 12:23

اللهم احفظنا يا رب
ما اجمل تلك المعانى وما اطهر هذه الانغاس
دمت لنا ذخرا سيدي على الصوفي
اسال لك الله خير الدنيا والاخرة

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
يوسف مطر
عضو جديد
مشاركات: 10
اشترك في: 28 إبريل 2017 16:11
آخر نشاط: 03 فبراير 2018 05:03
مكان: فلسطين
العمر: 52
اتصال:

22 سبتمبر 2017 21:33

عالم اليوم عالم الصورة والمظهر والشكل، ولا يهتم أكثر الناس بالمعنى والقيم وبالباطن والروح.. انظر شغف الناس بالتصوير مثلا.. حتى في الحج يصورون أنفسهم. وانظر أيضا سيطرة وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها على عقول الناس شيبا وشبابا، ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد