رياض الواصلين >> المنتدى العام >> الإحساس والشعور من مدائن النور

28 يونيو 2017 05:29



بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله

اعلم أيها الإنسان أن القلب مدينة النور قمرها الإحساس وشمسها الشعور فمن نال الشعور نال العلم والمعرفة والأدب والفهم والإدراك فأعلم الناس وأذكاهم وأفطنهم أصحاب الشعور وأجهلهم وأبعدهم عن الفهم والإدراك موتى الشعور

صاحب الشعور صاحب ذكاء وفطنة مناط العلم والإدراك وصاحب بصيرة فلا يكون إلا كذلك أما صاحب الإحساس فهو صاحب رحمة وشفقة لا تجده إلا كذلك فبالإحساس ترحم وبالشعور تدرك وتعلم فأعلى درجات العلم هو العلم بحاسة الشعور

نبهنا القرآن العظيم إلى أهمية وجود الشعور لإدراك خفايا الأشياء وصواب الأفعال إذ بداية العقوبة الإلهية على العبد تتمثل في نزع الشعور منه فيعود جلمودا مظلما في غفلة اللاشعور قال تعالى ( وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) لو لا عدم شعورهم ما أضلوا أنفسهم فأن تضلّ غيرك فتلك مصيبة لكن المصيبة الأكبر أن تضلّ نفسك وأنت لا تشعر ففاقد الشعور عبارة عن شخص في دهليز مظلم فيه عقارب وحيات لا يراها قد تفتك به في كل لحظة

أنواع الشعور كثيرة ومراتبه عديدة خلاصتها أنها يقظة القلب لتعلق عدم الشعور بالغفلة كما قال تعالى ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) كأنه تعالى يشير أن فاقد الشعور ميت و إلى ضرورة الشعور بميعاد البعث من حيث يقظة القلب لأن القلب الغافل قلب لاه ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ... )

أو كالشعور بمعاني الإصلاح ومعاني الإفساد الحقيقية كما قال تعالى ( ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) فالطامة الكبرى أنهم غير شاعرين بإفسادهم قال تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) في ظنهم أنهم على الجادة ويحسنون صنعا في كل ما يفعلونه

أو الشعور بمعاني الإستدراج من باب المراقبة ( نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ )
أو الشعور بمعاني العذاب والعقاب ( وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) فهو عذاب لم يشعروا بحلوله سواء في داخل أنفسهم أو في خارجها سواء من حيث التوقيت ( فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) أو من حيث النوعية ( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) ولا من حيث الكيفية ( لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )
أو الشعور بمعاني خداع النفوس ( وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )
أو الشعور بمعاني الإهلاك ( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )
أو الشعور بمعاني مكر النفوس وكيدها بأتباعها ولو كان هذا التابع لنفسك هو صاحب النفس نفسه ( وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )

إلى غير ذلك من الأنواع
أما مراتب ذلك ودرجاته فشعور في مقام نباهة العقول وفطانتها ودقة ملاحظتها ( فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) فالشاهد أنهم خافوا من شعور أحد من أهل قريتهم بالذي بعثوه لشراء الطعام

وشعور في مقام أنوار القلوب وبصائرها ( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) أي بصرت به من حيث شعورها به ومن حيث شعورها بعدم شعورهم به ولا بها في نفس الوقت

وشعور من حيث لطافة الأرواح ورقتها في مقام الإختصاص ( لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) فما قالت ( ليقتلنكم سليمان ) أدبا معه لأن التحطيم متى كان سيكون بغير شعور منه أما إرادة القتل فهي متفية ولو حصل هذا القتل وهو القتل غير العمد كما وقع لسيدنا موسى ( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ) فلم يقتله عمدا ورغم هذا اغتم موسى وصار فيه ما صار من البلاء الشديد الطويل

كما قال تعالى ( وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) فإن في قصة سيدنا موسى العجب العجاب وهي من أكثر القصص عبرة فما حمله سيدنا موسى قلما حمله نبي آخر إلا ما حمله أولي العزم مثله من الرسل عليهم السلام قال عليه الصلاة والسلام لما آذاه ذوي الخويصرة بقوله اعدل يا محمد ( لقد أوذي موسى بأشد من هذا فصبر ) وقد قال تعالى ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) لأنه مأمور بقوله تعالى ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )


صاحب الإحساس صاحب إيناس وصاحب الشعور صاحب حضور

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

28 يونيو 2017 09:29

جزاكم الله خير الجزاء
و الله يا سيدي هذا من أهم ما يستوجب قراءته و الانشغال بالتفكر فيه الآن عسى قلوبنا تستيقظ
إذ كيف للقلب أن يكون حيا و هو لا يشعر
حمدا لله على وجود امثالكم
نحن في امس الحاجة إلى مثل هذه المواضيع
يوشك أن نكون حاليا عبارة عن مقبرة لقلوب ميتة
نحسب من الأحياء و لكننا أموات ما دمنا نسير بلا شعور فأين النور ..
و ما سوى النور إلا الظلام ، نسأل الله اللطف .
أنوار
عضو جديد
مشاركات: 11
اشترك في: 24 مايو 2017 03:33
آخر نشاط: 03 نوفمبر 2017 16:13
مكان: الدار البيضاء
العمر: 47
اتصال:

03 يوليو 2017 22:59

بارك الله فيكم جميعا.
كأن الملخص أن الشعور بصيرة والإحساس رحمة.
لذا يبدو أن الفراسة والتوسم من الشعور، كما في قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين)، وفي حديث الترمذي، ودرجته حسن: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:


العودة إلى “المنتدى العام”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد