رياض الواصلين >> الأشعار و المواجيد >> خمرية سلطان العاشقين ابن الفارض
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة *** سَكِرْنا بها من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ
لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها *** هِلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ
ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها *** ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ
ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة *** كأنَّ خَفاها في صُدورِ النُّهى كَتْمُ
فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ *** نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ
ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ *** ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة ِإلاّ اسمُ
وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِىء *** ٍ أقامَتْ بهِ الأفْراحُ وارتحلَ الهَمُ
ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها، *** لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ
ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ، *** لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ وانْتَعَشَ الجسْمُر
ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها *** عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ
ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى *** وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ
ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها *** وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ *** لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ
ولوْ جليتْ سرَّاً على أكمهٍ غداً *** بصيراً ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ
ولو أنّ ركْباً يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها *** وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ
ولوْ رسمَ الرَّقي حروفَ اسمها على *** جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ
وفوقَ لِواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها *** لأسكرَ منْ تحتَ الِّلوا ذلكَ الرَّقمُ
تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى ، فيَهْتَدي *** بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ
ويَكْرُمُ مَنْ لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ *** ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ
ولو نالَ فَدْمُ القَوْمِ لَثْمَ فِدامِها *** لَأكسَبَهُ مَعنى شَمائِلِها اللّثْمُ
يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها *** خَبيرٌ أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ
صفاءٌ، ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولا هَواً *** ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ
تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها *** قديماً ولا شَكلٌ هناكَ، ولا رَسْمُ
وقامَتْ بِها الأشْياءُ ثَمّ لحِكْمَة *** بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ
وهامتْ بها روحي بحيث تمازجا اتّـ *** حاداً ولا جرمٌ تخلَّلهُ جرمُ
وكَرْمٌ ولا خَمْرٌ ولي أُمُّها أُمُّ *** وكرمٌ ولا خمرٌ وفي أمِّها أمُّ
ولُطْفُ الأواني في الحَقيقَة تابِعٌ *** للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو
وقدْ وقَعَ التَّفريقُ والكُلُّ واحِدٌ *** فأرواحنا خمرٌ وأشباحنا كرمُ
ولا قبلها قبلٌ ولا بعدَ بعده *** وقبليَّة ُ الأبعادِ فهيَ لها حتمُ
وعَصْرُ المَدى منْ قَبْلِهِ كان عصْرها *** وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتمُ
محاسِنُ، تَهْدي المادِحينِ لِوَصْفِها *** فَيَحسُنُ فيها مِنهمُ النَّثرُ والنّظمُ
ويَطرَبُ مَن لم يَدرِها عندَ ذِكرِها *** كمُشْتاقِ نُعْمٍ كلّما ذُكِرَتْ نُعْمُ
وقالوا شربتَ الإثمَ كلاَّ وإنَّما *** شَرِبتُ التي في تَرْكِها، عندي الإثمُ
هنيئاً لأهلِ الديرِ كمْ سكروا بها *** وما شربوا منها ولكنَّهمْ همُّوا
وعنديَ منها نشوة ٌ قبلَ نشأتي *** معي أبداً تبقي وإنْ بلى َ العظمُ
عليكَ بها صرفاً وإنْ شئتَ مزجها *** فعدلكَ عنْ ظلمِ الحبيبِ هوَ الظُّلمُ
فدونَكَها في الحانِ واسْتَجلِها بهِ *** على نغمِ الألحانِ فهيَ بها غنمُ
فما سَكَنَتْ والهَمّ، يوماً، بِمَوضِعٍ *** كذلِكَ لم يَسكُنْ معَ النّغْمِ، الغَمُّ
وفي سكرة ٍ منها ولو عمرَ ساعة *** تَرى الدَّهْرَ عَبداً طائِعاً ولَكَ الحُكْمُ
فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صاحياً *** ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ
على نفسهِ فليبكِ منْ ضاعَ عمرهُ *** وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ
المشرف العام
- المشرف العام
- مدير المنتدى
- مشاركات: 33
- اشترك في: 27 مارس 2017 09:28
- آخر نشاط: 25 يوليو 2021 13:21
- مكان: المغرب
- العمر: 69
- اتصال:
العودة إلى “الأشعار و المواجيد”
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران