رياض الواصلين >> الأشعار و المواجيد >> خمرية سلطان العاشقين ابن الفارض

08 يوليو 2017 03:52


شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة *** سَكِرْنا بها من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ

لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها *** هِلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ

ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها *** ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ

ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة *** كأنَّ خَفاها في صُدورِ النُّهى كَتْمُ

فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ *** نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ

ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ *** ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة ِإلاّ اسمُ

وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِىء *** ٍ أقامَتْ بهِ الأفْراحُ وارتحلَ الهَمُ

ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها، *** لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ

ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ، *** لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ وانْتَعَشَ الجسْمُر

ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها *** عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ

ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى *** وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ

ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها *** وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ

ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ *** لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ

ولوْ جليتْ سرَّاً على أكمهٍ غداً *** بصيراً ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ

ولو أنّ ركْباً يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها *** وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ

ولوْ رسمَ الرَّقي حروفَ اسمها على *** جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ

وفوقَ لِواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها *** لأسكرَ منْ تحتَ الِّلوا ذلكَ الرَّقمُ

تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى ، فيَهْتَدي *** بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ

ويَكْرُمُ مَنْ لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ *** ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ

ولو نالَ فَدْمُ القَوْمِ لَثْمَ فِدامِها *** لَأكسَبَهُ مَعنى شَمائِلِها اللّثْمُ

يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها *** خَبيرٌ أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ

صفاءٌ، ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولا هَواً *** ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ

تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثها *** قديماً ولا شَكلٌ هناكَ، ولا رَسْمُ

وقامَتْ بِها الأشْياءُ ثَمّ لحِكْمَة *** بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ

وهامتْ بها روحي بحيث تمازجا اتّـ *** حاداً ولا جرمٌ تخلَّلهُ جرمُ

وكَرْمٌ ولا خَمْرٌ ولي أُمُّها أُمُّ *** وكرمٌ ولا خمرٌ وفي أم‍ِّها أمُّ

ولُطْفُ الأواني في الحَقيقَة تابِعٌ *** للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو

وقدْ وقَعَ التَّفريقُ والكُلُّ واحِدٌ *** فأرواحنا خمرٌ وأشباحنا كرمُ

ولا قبلها قبلٌ ولا بعدَ بعده *** وقبليَّة ُ الأبعادِ فهيَ لها حتمُ

وعَصْرُ المَدى منْ قَبْلِهِ كان عصْرها *** وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتمُ

محاسِنُ، تَهْدي المادِحينِ لِوَصْفِها *** فَيَحسُنُ فيها مِنهمُ النَّثرُ والنّظمُ

ويَطرَبُ مَن لم يَدرِها عندَ ذِكرِها *** كمُشْتاقِ نُعْمٍ كلّما ذُكِرَتْ نُعْمُ

وقالوا شربتَ الإثمَ كلاَّ وإنَّما *** شَرِبتُ التي في تَرْكِها، عندي الإثمُ

هنيئاً لأهلِ الديرِ كمْ سكروا بها *** وما شربوا منها ولكنَّهمْ همُّوا

وعنديَ منها نشوة ٌ قبلَ نشأتي *** معي أبداً تبقي وإنْ بلى َ العظمُ

عليكَ بها صرفاً وإنْ شئتَ مزجها *** فعدلكَ عنْ ظلمِ الحبيبِ هوَ الظُّلمُ

فدونَكَها في الحانِ واسْتَجلِها بهِ *** على نغمِ الألحانِ فهيَ بها غنمُ

فما سَكَنَتْ والهَمّ، يوماً، بِمَوضِعٍ *** كذلِكَ لم يَسكُنْ معَ النّغْمِ، الغَمُّ

وفي سكرة ٍ منها ولو عمرَ ساعة *** تَرى الدَّهْرَ عَبداً طائِعاً ولَكَ الحُكْمُ

فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صاحياً *** ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ

على نفسهِ فليبكِ منْ ضاعَ عمرهُ *** وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ

المشرف العام
صورة العضو الشخصية
المشرف العام
مدير المنتدى
مشاركات: 33
اشترك في: 27 مارس 2017 09:28
آخر نشاط: 25 يوليو 2021 13:21
مكان: المغرب
العمر: 69
اتصال:

العودة إلى “الأشعار و المواجيد”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد