رياض الواصلين >> شكاوى و اقتراحات >> استسماح وطلب

15 ديسمبر 2017 20:42

السلام عليكم سادتي الكرام العالمين العارفين هذه أول مشاركة لي وأرجو فيها التوفيق فلا أزال في بداية الطريق، لي أقل من سنتين بعد تجارب مريرة يمكن عرضها فيما بعد من تيار الوهابية ثم الاعتزال ثم النصب والدجل والسحر باسم وتحت غطاء التصوف ثم الوصول الي بعض الصوفية الحقيقيين ...

كنت أستسمحكم في تعريف الفقراء من أمثالي بأهم المراحل التي عليهم أن يجتازوها ليتحصلوا علي تلكم الجواهر والمعارف والمعاني الراقية التي لا نجدها إلا نادراً... وكيف يمكن للفقير فهمها وإدراكها واستشعارها... كيف يمكن للفقير أن يعيشها حقيقة وواقعاً، بحيث لا يكون كلاماً معسولاً أو نظرياً كحال الدراسات الفلسفية الكلامية... صحيح أن هناك معاني يقرأها الواحد منا هينبهر بها ويقول: سبحان الله.. كيف هذا، ومن أين؟ وما مصدره؟ ... وكيف يعيش الفقير هذه المعاني وتستقر في قلبه ووجدان ولحمه ودمه؟ وكيف يدفع تلكم الوساس التي ترد علي عقله من شبهات شتي

من قبيل: أين الدليل؟ أو شعور بخوف أحيانا من تصديق تلكم المعاني علي جمالها وروعتها... وهلم جرا من تلكم الأسئلة التي صدعنا بها أهل الوهابية - سامحهم الله - والفقير كان في فترة من الزمن لا يجد غيرهم منذ الثانوية حتي منتصف الجامعة... ويحاول أن يكنس من عقله ما علق به من شبهاتهم... فكيف السبيل سادتنا الكرام
طالب العلم
عضو جديد
مشاركات: 10
اشترك في: 14 ديسمبر 2017 10:52
آخر نشاط: 25 مايو 2019 13:34
مكان: cairo
العمر: 39
اتصال:

16 ديسمبر 2017 04:54

طالب العلم كتب:
كنت أستسمحكم في تعريف الفقراء من أمثالي بأهم المراحل التي عليهم أن يجتازوها ليتحصلوا علي تلكم الجواهر والمعارف والمعاني الراقية التي لا نجدها إلا نادراً... وكيف يمكن للفقير فهمها وإدراكها واستشعارها... كيف يمكن للفقير أن يعيشها حقيقة وواقعاً، بحيث لا يكون كلاماً معسولاً أو نظرياً كحال الدراسات الفلسفية الكلامية...


أهلا وسهلا بكم أخي طالب العلم حياكم الله تعالى

الجواب عما استفسرت عنه بالنسبة لمعرفة سبل اكتساب المعارف الربانية والعلوم اللدنية فاعلم حبانا الله وإياكم بفضله وأدام علينا وعليكم تمام نعمة قربه أن طريق السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك هو طريق " إرادة " أي إرادة وجه الله تعالى والقصد نحوه لقوله تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسير معنى " يعبدون " أي " يعرفون " لأن العبودية الدائمة لها ثمرات فمن ثمراتها العليا الوصول إلى الضالة المنشودة والغاية المفقودة وهذه الغاية هي معرفة الله تعالى

لذلك تعيّن على مريد الله تعالى البحث عن طريق الوصول حتى يتحقق له السير والقبول لأنه لا وصول بغير سير فمن لا سير له لا وصول له فكيف يصل واصل وهو قاعد لا يسير في طريق الله ؟ لذلك كانت الغاية من السير الوصول كما قال تعالى ( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ) فمادامت هناك نهاية وهي الوصول إلى الله فلا بدّ أن تكون هناك بداية لذلك تعيّن فهم طريق السير قبل كلّ شيء وفهم بداياته أي العلم بمبادئه وهي معلومة مشهورة لمريد السير والسلوك منها اتخاذ الشيخ المربي ومن أراد الاستزادة في هذا الباب فليرجع لموضوعي " مبحث الوارث المحمدي " في هذا المنتدى وغيره فسيفهم الكثير إن شاء الله تعالى

نعم يمكن فهم مبادئ طريق التصوف من كتب السادة الصوفية التي تشرح لطالب السلوك شروط الإرادة ولوازمها وهذا معلوم لكل دارس وله المام بالمسائل الدينية

قال العارفون في كل زمان ومكان قولتهم المشهورة ( فرّغ قلبك من الأغيار تملؤه بالمعارف والأسرار ) فالأمر واضح لأن المعاني لا تدخل قلبا مظلما لذلك تعيّن تطهير الوعاء الذي هو القلب من ظلمة الحس بذكر الله تعالى عند شيخ تربية يكون عارفا واصلا مأذونا ولا يجب أن تكون نيّة المريد قاصدة نحو نوال المعارف والعلوم والفهوم فكل هذا يعد من قبيل العلل والحظوظ وهو من الشرك بالله تعالى كما قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ )

لأنه هناك فرق بين الذوق ومجرد العلم النظري كالفلسفة وغيرها فالسائر إلى الله تعالى يذوق أحوال مقامات الإيمان كالمحبة والشوق فيتصف شعورا واحساسا بمعاني الإيمان ولا يبقى رهين الفكر ومقاييس العقل

فلا يقصد بذكر الله إلا الله أما من ذكر ربه أو دخل طريق أهل الله وفي نيته الحصول على المقامات ونوال الكرامات ليتميّز عن أقرانه وأهل زمانه فهو على خطر كبير لأنّ الأعمال بالنيات - ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله - فكيف متى نظر الله تعالى في قلب عبد فيجده قاصدا نوال حظ أو مريد شهوة خفية أو جلية لذا ما وضع طريق الله لنوال الأغراض والأعواض بل وضع لتزكية النفس والسير بها نحو محاضر القدس حتى تتحقق عبوديتها وتتهذب أخلاقها فيكثر أدبها أما الذي يدخل طريق أهل نسبة الله باحثا عن غرض أو عرض أو حظّ من الحظوظ فهو عابد لنفسه متبع لهواه إذ محال أن يتبع الله تعالى هوى أحد من خلقه لقوله تعالى ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ )

ثم بعد ذلك على العبد أن يستشعر قوله تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) فالشرط الأساس في طريق الله وهو بداية البدايات أن يعبد المؤمن ربه مخلصا مسلما حنيفا وينوي بانتسابه لطريق الله تعالى طاعة ربه وتقواه ونيل محبته ورضاه

أما ما عدا ذلك فالله يفعل ما يريد فهو صاحب الإيجاد وصاحب الإمداد لا يسأل عما يفعل فهو صاحب الإرادة والإختيار في كل شيء وما على العبد إلا السمع والطاعة والأدب الوفير لكنه سبحانه أعلمنا وأخبرنا أنه يعلّم من اتقاه كما قال تعالى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ) فانظر كيف قرن التعليم بالتقوى وجعله ثمرة لها حتى لا يظن الظان أن القصد نحو الحصول على العلوم والمعارف دون وجه الله تعالى ورضاه غاية في حد ذاتها بل هذا وهم وسراب فلا يقصد بذكر الله إلا الله تعالى وكذلك في جميع أحكام عبادته

النفس مليئة بالشرور لا تتناهى مساوئها لا تريد غير تحقيق هواها وتحصيل أغراضها لأن غايتها محبة الرئاسة والظهور والتقدم والزعامة والشهرة فهي تحب الممدحة والثناء الحسن من الخلق وتكره الذم ونسبة النقائص لها لهذا لا يعبأ بمريد لا يجاهد نفسه ولا يطلب تزكيتها والفناء عن حظوظها فما هلك من هلك إلا من باب النفس لذا قال سيدي بن عطاء الله السكندري في الحكمة ( ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه،فأي علم لعالم يرضى عن نفسه، و أي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه.)

أنظر فهذا هو المقياس الصحيح لأنه لا عبرة بكثرة علوم وفهوم مع وجود هوى النفس ودعواها وزعامتها ورئاستها فالذي لا يرضى عن نفسه هو العالم حقيقة مهما كان جاهلا بالعلوم الكسبية و فارغا من المعارف الوهبية بينما الذي يرضى عن نفسه ويتخذها صنما يعبد من دون الله فأي علم له مهما نال من علوم مكتسبة أو موهوبة وهو في ظلمات الجهل بنفسه يسعى ؟

كما قال تعالى في هذا الباب ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ) انظر كيف قال ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ) لتعلم أن الحرف فيما بين العبد وبين ربّه هو هذا الأمر أي تزكية النفس ومجاهدتها في باب الطاعات والذكر وفعل الخيرات قدر المستطاع ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )

لهذا فالقصد نحو معرفة طريق الحصول على المعارف الربانية والعلوم الوهبية دون القصد نحو إرادة وجه الله تعالى وذلك يتطلب محاسبة النفس ومراقبتها لئلا تميل إلى طلب أغراضها وشهواتها وحظوظها فتكون انتكاسة منذ البداية في طريق السير والسلوك فلا يحصل العبد عندما يدخل الطريق بهذه النية أو تصدر منه الأعمال على هذا الأساس إلا الخيبة ولا يجني غير المضرة والطرد لأنه قصد الحظوظ والعلل والأهواء فهو يسير عبدا تحت إمرة هواه فيسير إلى ربه سيرا نفسيا معكوسا بينما المريد الصادق من يسير إلى ربه سيرا ربانيا لا يلتفت إلى أي حظ أو علّة تحبها النفس وتريدها مهما كانت محمودة في الظاهر

كما قال في الحكمة ( ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } ) فليس الغرض من السير في الطريق نوال المكاشفات أو الحصول على الكرامات أو اتخاذ المعارف والعلوم غاية ونهاية فكل هذا يعدّ الإلتفات إليه شرك لذا استدلّ في الحكمة بقوله تعالى عن طريق الإشارة ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ )

لا جرم أن الله تعالى يعلّم السائرين ويكشف علل الأعمال والأحوال للطالبين حتى يتحقق سيرهم وتزيد معرفتهم بربهم لأنه سبحانه الغاية المقصودة والضالة المنشودة فكل ما سواه سراب هذا أوّلا .

ثانيا قولكم :
وكيف يدفع تلكم الوساس التي ترد علي عقله من شبهات شتي من قبيل: أين الدليل ؟ أو شعور بخوف أحيانا من تصديق تلكم المعاني علي جمالها وروعتها... وهلم جرا من تلكم الأسئلة التي صدعنا بها أهل الوهابية - سامحهم الله -


طبعا من تأثر بالوهابية في شبابه خاصة يعسر عليه طرح ما علق في مخيلته من شبهات وقياسات بسهولة التي معظمها ما هي غير خواطر شيطانية وسوس بها الشيطان لأولائك القوم حتى أفسدوا على الناس نواياهم الطيبة وشوشوا على فطرهم النقية فعسروا لهم الدين وقطعوا عنهم أمداد العارفين فصدوهم عن طريقة الصالحين بما يبثونه من شبهات ملفقة من هنا وهناك لكن الحل يبقى دائما في توجه العبد لربه ذاكرا شاكرا

فلا يطرح من القلب والعقل مثل تلك الخواطر والوساوس غير ذكر الله تعالى فإن ذكره سبحانه يقطع دابر الشيطان ويثمر النور واليقين ثمّ الإستئناس بكلام أهل الطريقة من كمل العارفين

فيداوم المؤمن على حضور مجالس الذكر وتلاوة القرآن وتدبره والأرقى من كل ذلك بالنسبة لطالبي السلوك الإنتساب لشيخ عارف يكون واصلا مأذونا يسير بسيره ويقطع به مراحل السير وليحذر العبد من الكذابين والمدعين ومن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل في طريق السادة الصوفية وما أكثرهم في هذا الزمان وليعلم العبد قبل كل هذا وبعده أنه ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فمن توجه إلى الله كفاه ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ )

والله تعالى أعلم وأحكم

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:


العودة إلى “شكاوى و اقتراحات”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد