رياض الواصلين >> قضايا ساخنة >> الحملات الخامسة إلى الثامنة (5): استهداف مصــر

24 يناير 2018 20:41

استهداف مصــــــــــــــر:
الحملات الخامسة إلى الثامنة (5).

إلياس بلكا
توصّل الصليبيون إلى نتيجة مهمة، وهي ضرورة إخراج مصر من معادلة الصراع مع الشرق، والشام خاصة. كان ذلك أحد دروس هزيمتهم بحطين و"خسارتهم" للقدس على يد صلاح الدين الأيوبي.. وانضاف لهذا سبب آخر، هو انزعاج مدن إيطاليا التجارية (كجنوة والبندقية) من تنامي القدرات التجارية لمصر، خاصة بميناء دمياط. فهاجموا المدينة التي كانت جدّ محصنة، لكن مؤامرات بعض الأمراء على السلطان الكامل ابن الملك الأيوبي العادل سببّت في خسارة المسلمين لدمياط سنة 616هـ 1219م.
واصل الصليبيون الزحف جنوبا نحو دلتا مصر، وهنا استفاد المصريون من معرفتهم بالنيل ومواسم فيضانه، مقابل جهل الصليبيين بذلك. فتمّ حصرهم بالنهر، وتدمير أسطولهم. لذلك استرد المسلمون مدينة دمياط الاستراتيجية.. وكان لهذه الهزيمة أثر بعيد المدى على أوربا وعلى البابوية وقيادتها للحملات الصليبية. ومن جملة هذه الآثار أن تغيّر المنهج، فتمّ إسناد قيادة الحملة السادسة إلى الملك الجرماني فردريك الثاني، وهو ملك مثقف ومحب للحضارة العربية-الإسلامية، لذلك لم يدخل في حرب مع السلطان الكامل، بل فاوضه على هدنة لعشر سنوات، بموجبها يتعهد فردريك بعدم مهاجمة الأوربيين للمشرق، وبالمقابل يأخذ القدس (من دون الأقصى) وشطرا من الأراضي الساحلية.
وقد اعتبر المسلمون أن هذه الصفقة ظالمة وسيئة، وعابوا السلطان بشدة. لكن دلالتها أنه غالبا ما تلجأ القوى المناوئة لحضارتنا إلى اعتماد أسلوب التفاوض حين يفشل أسلوب الحرب.. وهذه طريقة كثيرا ما أتت أكلها. لذلك القاعدة أنه متى دعانا أحد للتفاوض السياسي على أمر ما فهو ضد مصلحتنا.. واعتبِر في ذلك بمفاوضات الاستعمار مع القوى الوطنية، كيف أضرّت في معظمها بقضية الاستقلال الحقيقي عن الأجنبي.
وكالعادة كان الذي نقض الهدنة هو الطرف الصليبي حين سيّر جريجوري التاسع حملة سابعة من بلاد الفرنك خاصة، فتصدى لها السلطان الصالح نجم أيوب ابن الكامل، وهزم الجيش الصليبي واستردّ القدس كاملة، ولم يفقدها المسلمون مرة أخرى إلاّ بقيام "إسرائيل" سنة 1948.
ثم بعد هذا بسنين قليلة أبحر من مرسيليا بجنوب فرنسا أسطول صليبي أكبر وبجيش ضخم، فاستطاع احتلال دمياط بسهولة لظن أهلها أن السلطان الصالح المريض مات. لذلك تراجع الملك إلى مدينة المنصورة، وكان أول شيء قام به هو إعدام بعض الجنود الكبار الذين هربوا ولم يقاوموا وتسببوا في سقوط مدينة كبيرة ومهمة بحجم دمياط.. ثم بدأ بتنظيم المقاومة التي استطاعت قتل كثير من الصليبيين في حروب صغيرة تعتمد الكرّ والفر، خاصة بعد أن انضم إليها مقاتلون من الشام.
وقد وقع المحذور، فمات السلطان، لكن زوجته شجرة الدُّر أخفت الخبر حتى لا تنهار المقاومة، وأرسلت لابنها توران شاه في الشام لكي يتسلم الحكم. هنا برز نجم أحد قادة الملك الصالح: الظاهر بيبرس الذي أبدع في قيادة المعارك وهزم الصليبيين هزائم منكرة فأُبيد أكثرهم في معركة المنصورة سنة 647هـ، وأُسر قائد الحملة لويس التاسع. وهذه هي المعركة التي شارك فيها الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله، أحد أكبر شيوخ التصوف السني المعتدل على مر الأزمان.. شارك وشجع القادة والجند وعامة الناس، رغم شيخوخته وفقدان بصره. وكان معه في هذه المعركة الفاصلة من العلماء: عز الدين بن عبد السلام (سلطان العلماء)، ومجد الدين القشيري، ومحيي الدين بن سراقة، ومجد الدين الأخميمي..
كانت هذه الحملة الثامنة نهاية مرحلة وبداية أخرى في تاريخ المواجهة بين العالمين الأوربي والإسلامي.. لقد توقفت الهجمات على المشرق، لا لأن أوربا استسلمت، بل لكي تستدير نحو المغرب الكبير.. هكذا جاء الدوْر على الجناح الغربي لعالم الإسلام، خاصة على المغرب الأقصى والأندلس.. وهذا التغيير العميق في الاسترتيجيا هو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله..
يتبع..
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

18 مايو 2019 19:54

وهذا التغيير العميق في الاسترتيجيا هو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله..
يتبع..


نحن بالإنتظار ...
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أستاذ إلياس بلكا على تذكيرنا بالحملات الصليبية الماضية المريرة المتجددة في قوالبها الحاضرة ..

من يقرأ في تاريخ تلك الحملات ثم في تاريخ الإستعمار الغربي المعاصر يدرك مستوى الحقد الصليبي الأعمى ضد العرب والمسلمين الذين متى رأوا مسلما أو عربيا يصير معهم حال :
{ لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }
لشدة حنقهم على المسلمين عامة وبغضهم الصارخ للمسلم العربي على وجه الخصوص دون سائر الأجناس فلا يطيقون رؤيتهم ولا سماع كلامهم العربي يتكبرون على ثقافتهم ويحتقرون دينهم وهذا أقوله عن واقع عايشته وليس تخمينات وسوء ظنون
أما نخبهم أغلبهم يقرؤون في تراث المسلمين كالمستشرقين وغيرهم وفي نواياهم اضمار الكيد تجاه الإسلام والمسلمين فيحرفون الكلم عن مواضعه ويضلون شعوبهم أما المسلم الحقيقي منهم فهو نادر

ما سمعت أذناي قط حدثا فاجعا أكثر من فاجعة الحملات الصليبية التي حلت بالأمة الإسلامية سواء في العصور الوسطى أو الحملات الصليبية في العصر الحديث ( تحت مسمى الإستعمار ) إلا ما كان من الغزو المغولي التتاري الذي أهلك الحرث والنسل أيضا ..
كثير من المسلمين لا يعلمون شيئا عن تاريخهم البعيد ولا القريب ..
يظنون أن جهاد الطلب الذي يشوهون به صورة الإسلام بالباطل اليوم مازال قائما ونسوا أنه مات مع موت الرعيل الأول من السلف من أهل القرن الهجري الأول ولست غافلا عما فعله العثمانيون وغيرهم ..

الأمة منذ 14 قرنا تقريبا تعيش جهاد دفع وما زالت الملاحم القادمة في سلسلة ملاحم آخر الزمان ستكون جميعها جهاد دفع ضد الصهاينة والصليبيين ودجالهم الذي ينتظرونه وياجوج وماجوج
الحرب على الإسلام ليس لها نهاية إلى قيام الساعة { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }
إلى أن يتم القضاء عليه كليا
كما ورد فيهم الحديث النبوي :

( ... فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ ؟ فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ )

..
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

19 مايو 2019 00:24

حاضر سيدي علي، وإن شاء الله أكون عند حسن ظنكم الكريم.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:


العودة إلى “قضايا ساخنة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد