رياض الواصلين >> الكتب و الرسائل >> نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله
هذه بعض خواطري في هذه الرسالة العظيمة : بتاريخ : الخميس 25 نوفمبر 2010
كتب سيدي محمد المداني رضي الله عنه لتلميذه سيدي اسماعيل الهادفي رضي الله عنه في رسالته الجامعة ما نصّه :
( بسم الله الرحمان الرحيم
العلامة المبرور والصديق الصادق المشكور الصوفي الكامل سيدي الشيخ إسماعيل بن عثمان الهادفي نفع الله بكم العباد والبلاد والسلام عليكم وعلى جميع أهل نسبة الله ورحمة الله والبركة )
هذه رسالة من شيخ إلى شيخ وليست رسالة شيخ إلى تلميذ كما هو ظاهر في مقدّمتها
( العلاّمة المبرور ) فهي رسالة في مقامها الأوّل إلى عالم فذكره بصفته العلمية حتّى أضحى كوصف له ( علاّمة ) مبالغة في العلم دلالة على الكرع منه ورسوخ القدم فيه , وهذا لا يخفى متى علمنا أنّ أستاذنا عالم من علماء الزيتونة الكبار ما عرفت حياته غير العلم والتعليم منذ أن كان صبيّا بعد أن أتمّ حفظه للقرآن العظيم على يد أخيه سيدي الطالب أحمد وقد ذكر مولانا الأستاذ رضي الله عنه في سيرته الذاتية التي سأله عنها سيدي منوّر المداني حفظه الله نجل شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه وهي محرّرة صوتا وصورة وقد كتبها بعض المريدين نصّا من لفظ الأستاذ في تلك المقابلة التي جمعته بنجل شيخه رضي الله عنه وفيها ذكر لرحلة مولانا الأستاذ العلمية في مختلف مراحلها من الإبتدائي إلى الثانوي إلى التعليم العالي الأكاديمي الشرعي حتّى أجيز فيه من مشائخه في مختلف فنونه وأهمّها ستّة علوم :
- علم التفسير : وتوابعه كحفظ القرآن منذ الصغر وعلوم القرآن كأسباب النزول ومعرفة قراءاته تجويدا وترتيلا ومعرفة آدابه وعلوم الآلة فيه كإعراب وغريب لفظ ومعرفة ترتيبه وأوجه الخاص والعام والناسخ والمنسوخ والقيّد والمطلق والحقيقة الكليّة وألفاظ المجاز ووجوه الإعجاز , مع تفاسير العلماء بالمعقول والمنقول كابن كثير والمأثور كالسيوطي عبارة ثمّ كالقشيري إشارة ...إلخ
- علم الحديث : بوجهيه الرواية كأقوال وأفعال وتقرير ووصف , ودراية كحال رواة وإسناد من صحّة وإعلال , وأسباب ورود , مع تفسيرها كتفسير النووي على مسلم أو فتح الباري على البخاري ...إلخ
- علم العقيدة : تقريرا وبرهانا مجال النظر وهو مبحث العقول وأحكامها من وجوب واستحالة وجواز , ومنقول بدليله من الكتاب والسنّة وقد ذكر لي أحد الفقراء أنّ أستاذنا نال في ذلك غاية لا تدرك وتبحّر في شرح الجوهرة والأصول في مختلف مراحل التعليم
- علم أصول الفقه : مناط إستخراج الأصول الكلية من أدلّتها , وهو في تعريف العلماء : معرفة الأصول العلمية العملية المكتسبة من أدلّتها التفصيلية وهو المدخل لفهم باب الفقه عند الترجيح والإجتهاد , كما أنّ لسيدي محمد المداني كتاب في الفقه تناول مباحث المذاهب الأربعة في الأحكام والفروع
- علم الفقه : وهو معروف بما أنّ أستاذنا مالكي المذهب رضي الله عنهم جميعا فله في ذلك متن ابن عاشر ومختصر خليل ومدوّنه سحنون .. وتوابع ذلك عند التوسّع في دراسة الفقه ...
- علم الآداب والأخلاق والسلوك : وهذا ما كان من كتب الغزالي كالإحياء وكقوت القلوب وجميع أحاديث الرقائق ...إلخ
ثمّ ما يتبع ذلك من علوم الآلة وعلوم إسلامية أخرى وإنّما ذكرنا عيون الفنون الشرعية وإلاّ فنعلم أنّ شيخنا نال حظّا عظيما في مختلف العلوم كمنطق وحساب ...إلخ فعلوم العربية كنحو وصرف وبلاغة كحقيقة ومجاز أو استعارة وكناية , وغرائب اللغة وهكذا ...
فبهذه وغيرها كثيرا يستقيم أن نطلق على صاحبها متى تمكّن فيها ورسخ قدمه فيها حتّى أكملها وأنهاها وعرف حقيقة مستواها لقب العلاّمة ( المبرور ) إشارة إلى توفيق الله له بالعمل بما علمه تطبيقا وتعليما لغيره وهكذا كلّ من كان علاّمة مبرورا
( والصديق الصادق المشكور الصوفي الكامل )
بعد أن أثبت الشيخ المداني رضي الله عنه لمريده سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه صفته الظاهرة الشرعية في مرتبة العلم الثابت الذي هو أساس ما يجيء بعده إذ لا حقيقة من غير شريعة في مقام الدعوة والإرشاد لقول الجنيد رضي الله عنه ( من لم يحفظ كتاب الله ويكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم ) فهو صريح في بابه إذ أنّ الجنيد رضي الله عنه إمام الصوفية كما قال ابن عاشر ( في عقد الأشعري وفقه مالك --- وفي طريقة الجنيد السالك ) فإذا قيل : إمام الصوفية فيراد به الجنيد رضي الله عنه وإذا قيل إمام الشاذلية فيقصد به سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه , وإذا قيل حكيم الصوفية فينطلق على سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه
فطريقتنا جنيدية في الأصول بالأساس مشربها شاذلي في الأحوال ومقياسها عطائي في السير والسلوك ... رضي الله عن القوم جميعهم , تعدّى إلى ذكر صفاته الباطنة الروحية فعيّن صفة حاله ومقامه بقوله ( الصدّيق ) أعلى مرتبة في طريق الصالحين إذ أنّ مرتبة الصدّيقية لا يتجاوزها غير مرتبة النبوّة المصونة العالية لقوله تعالى ( فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّئين والصدّيقين ... الآية ) وكذلك أنّ أقرب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأوّلهم له خدمة وخلافة هو أبو بكر ( الصدّيق ) رضي الله عنه
لتعلم أنّ تلك المرتبة أقرب المراتب لمقام النبوّة , فلمّا عيّن مرتبته في عالم المقامات , ذكر مرتبته في عالم الأحوال فقال ( الصادق ) إذ لا صدّيقية من غير صدق فلا مقام من غير حال إذ بكمالهما ينال الفقير العبودية في مقام الشكر , وإنّما قال ( المشكور ) لغيبته عمّا سوى المذكور أي على لسان الحضرة إذ أنّ كلّ من كان في هذا المقام كان بقاؤه بالله تعالى كقوله تعالى ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) فلمّا جمع العلم مع العمل والعمل مع الحال والحال مع المقام أضحى مشكورا في الملأ الأعلى ومقبولا في عالم الخلافة فهذا دليل الكمال الظاهر والباطن لذا قال ( الصوفي الكامل ) من غير وجود واو العطف فليس هذا الوصف معطوفا على ما قبله بل وصفا جامعا لما تقدّم فكأنّه يشير إلى حقيقة صفات الصوفي الكامل , التي هي : كمال العلم الظاهر وكمال السلوك الباطن مع الرسوخ في مقاماتها من حيث الصدّيقية والصدق ومقام الشكر فهو ثابت القدم في حضرة القدم , ثمّ بناء على ما تقدّم عرّف بصاحب هذه المرتبة فأشار إليه تصريحا في قوله :
( سيدي الشيخ إسماعيل بن عثمان الهادفي ) أدبا مع المقامات فكأنّه يشير إلى إستقلالية هذا الشيخ بعد كماله فوصف حضرته ومدح منزلته لما يستوجبه المقام في هذه المرتبة من الآداب نصحه بما يمليه على قلمه واجب الخطاب من الوصية الواجبة في الدين والنصيحة بعد التمكين التي أمرنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلّم فلا زال القوم يتناصحون ويتواصون فهي وراثة محمّدية فقد أوصى عليه الصلاة والسلام قبل انتقاله , وكما أوصى سيّدنا إبراهيم ويعقوب بنيه , فهي سنّة محمّدية إبراهيمية لازم الإمامة
ثمّ قال : ( نفع الله بكم العباد والبلاد ) إشارة تصريح بالإمامة , وتلميح بالتقدّم بعد تمام الإستقامة , فما أن عرّف بصاحب هذه المنازل وذكر مناقب صاحب هذه المراتب حتّى حمّله أمانة لزوم التقدّم لنصح الخليقة , فدلّه على مستوجبات تلك المرتبة العالية , ومستحقّات حقوق شكر تلك النعمة , فما من كامل إلاّ فرض عليه الأمر فرضا كقوله للنبيّ عليه الصلاة والسلام ( إقرأ ) فقال ما أنا بقارئ فأعيد عليه الخطاب حتّى أجاب بغاية الجواب , فإنّ حمل الأمانة عسير يهابه كبار الكاملين ويشفق منه رجال التمكين , لذا ناداه بالرجاء , في قالب الدعاء , إذ أنّ دعاء العارفين مستجاب , فدفعه إلى الأمام بالتثبيت والدعاء , كي يسمع منه بعد ذلك ما يتلوه قلم الإملاء , في عالم البقاء , فاستفتح الخطاب , بعد أن أماط تصريحا الحجاب بقوله :
( والسلام عليكم وعلى جميع أهل نسبة الله ورحمة الله والبركة )
يتبع إن شاء الله تعالى
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
الحق أقول، وبلا مبالغة: هذا الشرح على هذه الرسالة الجليلة: كلاهما فتح من الله، وتعليم وإرشاد.
ننتظر منكم إكمال شرح الرسالة المباركة.
تنبيه: التاريخ المذكور (الخميس 25 نوفمبر 2010) هو تاريخ كتابة السيد علي للشرح. أما رسالة الشيخ المدني فقديمة، فهو رضي الله عنه توفي سنة 1959، بينما توفي الشيخ إسماعيل سنة 1994.
ننتظر منكم إكمال شرح الرسالة المباركة.
تنبيه: التاريخ المذكور (الخميس 25 نوفمبر 2010) هو تاريخ كتابة السيد علي للشرح. أما رسالة الشيخ المدني فقديمة، فهو رضي الله عنه توفي سنة 1959، بينما توفي الشيخ إسماعيل سنة 1994.
-
- عضو نشيط
- مشاركات: 204
- اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
- آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
- العمر: 55
- اتصال:
إلياس بلكا كتب:الحق أقول، وبلا مبالغة: هذا الشرح على هذه الرسالة الجليلة: كلاهما فتح من الله، وتعليم وإرشاد.
ننتظر منكم إكمال شرح الرسالة المباركة.
شتان شتان بين الثرى والثريا سيدي إلياس حاشا وكلا أن نبلغ معشار عشر ما كان عليه ساداتنا العارفين من كمّل الواصلين لكن المحبة تفعل المستحيل لا غير
سمعت سيدي فتحي السلامي حفظه الله تعالى يقول في حق هذه الرسالة المدنية :
" رسالة سيدي محمد المداني إلى شيخنا إسماعيل رضي الله عنهما تحتاج إلى قراءات كثيرة وليس قراءة واحدة "
قلت : القراءات المتعددة أي الفهوم والشروح المتعددة لكون المعاني الغزيرة عندما تتعدد تكون كل واحدة منها في سياق معيّن من باب قولهم " الماء واحد والزهر ألوان "
رضي الله عن ساداتنا من أهل الله أينما كانوا وكان كائنهم
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
( أما بعد : فقد تشرفنا بكتابكم الكريم المنبئ عن كامل المحبة والوداد )
بعد أن ذكر الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه في مقدّمته ما استوجب من التعريف بهذا الإمام الذي هو تلميذه ومريده بما أعطاه نظره فيه بما أنّه سلك ووصل على يديه فما أوكدها من شهادة وما أبلغها من حجّة , أراد أن يؤكّد كلامه بما يعطيه الشاهد من حال تلميذه حتّى يتقابل القولان فكأنّ حالهما متّحدان لأنّ الشهادة لا تكون شهادة إلاّ متى توافق الظاهر فيها مع الباطن فيشهد عليك بدليل منك كقوله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلّم ( وإنّك لعلى خلق عظيم ) لازم حالك
فقال له ( فقد تشرّفنا بكتابكم الكريم ) الظاهر لفظا والباطن معنى وإنّما عبّر بالكتاب عوضا عن الرسالة أو المكتوب لما في معنى الكتاب من الكمال الظاهر والباطن ولما فيه من معنى خبر الصدق الكامل ( المنبئ ) من سماء الروح وملكوت القلب ( عن كامل المحبّة والوداد ) مستلزمات حضرة الكمال فيما يفرضه الوصال بالجمال , وإنّما حكم بكمال محبّته ووداده لما يجده في قلبه منها أيضا إذ أنّ المتحابّين يوشك أن يقول أحدهما لصاحبه ( أنا من أهوى ومن أهوى أنا ) والمؤمن كما ورد مرآة أخيه فتطابقت الحقيقتان فكأنّهما حقيقة واحدة فكذلك تعطي هذه الرسالة دليل كمال المحبّة والوداد من الشيخ لمريده فيا طوبى لها من محبّة كاملة ووداد شامل , فهكذا الكتاب وإلاّ فلا , ما يليق بالشيوخ ...
فعبّر بالوداد مقرونا بعد المحبّة لما تعطيه المرتبتان : مرتبة المحبّة الكاملة الواجبة في حق الشيوخ , ومرتبة كمال الوداد حتّى لا يستهلك فيها رغم كمالها فتلهيه عمّا يراد به حقيقة وهذا ما بلغنا عن مولانا الأستاذ رضي الله عنه أنّه لمّا بلغه إنتقال شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه إلى الرفيق الأعلى دعا الله تعالى أن يلحقه به لأنّه لا يتوقّع العيش بدونه فمن يستطيع ذلك رغم أنّه الإمام من بعده فأنّى يستجاب له , وهذا أمر تواتر كثيرا عن الصحابة حينما إنتقل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حتّى ذهل من ذهل منهم إلى درجة أن أخذ سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سيفه ونادى في القوم : من يقول أنّ محمّدا قد مات ضربت عنقه بسيفي هذا ..
لذا قال سيّدنا بلال عند النزع : وا طرباه غدا ألقى الأحبّة محمّد وصحبه , فهذا تثبيت التمكين من الشيخ المداني رضي الله عنه لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه وتخفيف منه عليه وفي نفس الوقت يحكي حاله رضي الله عنه لمريده فكأنّه يقول : ألا ينبئك هذا يا إسماعيل على كمال محبّتي وودادي لك , فإذا كان ذلك كتابك فهذا كتابي ( هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان )
( ورسوخ القدم فيما يرضي الله ورسوله من التذكير والإرشاد وذلك هو الأمر الذي خلقنا من أجله وأسست طريق الصوفية عليه جارية مجرى ما أمر الله به ونهى عنه )
كذلك أنبأ ذلك الكتاب الكريم عن رسوخ قدم مولانا الأستاذ رضي الله عنه فيما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بشهادة شيخه رضي الله عنه له , فرسوخ القدم ليس بالأمر السهل إذ كم تزلّ أقدام بعد ثبوتها , فأخبر عن حقيقة نيّته فمتعلّق الرسوخ رضا الله ورسوله الذي أفرح أستاذه به فرضي شيخه برضا الله ورسوله عنه , فحكى علامات مفرحة ودلائل صادقة على رسوخ تلك القدم فيما يرضي الله ورسوله فتناول بالخصوص ذكر ما أنيط به من لزوم التذكير والإرشاد
لأنّ هذا الأمر تعيّن عليه فلو تركه ما رسخت قدمه , فلو جانبه ما صحّ له رسوخ قدم فيما يرضي الله ورسوله كما قال تعالى لسيّدنا موسى عليه السلام (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) فقوله تعالى ( وكن من الشاكرين ) أي بما اصطفيتك به من الرسالة والكلام فلا بدّ أن تقوم بهما أحسن قيام كما قال تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته )
فإنّ العلماء ورثة الأنبياء لقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) وهكذا هي أحوال المأذونين والمشائخ المرشدين , لذا أكّده له بقوله ( وذلك هو الامر الذي خلقنا من أجله ) لأنّ كلّ ميسّر لما خلق له , فمقامك حيث أقامك , ثمّ بيّنه بقوله ( وأسّست طريق الصوفية عليه )
لئلاّ يتوهّم أنّه نال ما ناله واكتفى كما قال تعالى لسيّد الوجود عليه الصلاة والسلام ( يا أيّها المدثّر قم فأنذر ) إذ أنّهم خلفاؤه عليه الصلاة والسلام كما قال أستاذنا رضي الله عنه في مرآة الذاكرين واصفا مقام شيخه ( من مننت عليه بالجلوس على كرسيّ الخلافة المحمّدية ) فهذا الذي تشدّ الرحال إليه لنوال الكمال وذوق لذّات الوصال , فإنّه لو لا هؤلاء المذكّرين والعلماء المرشدين ما صحّ دين ولا طريق فهذا الأصل الذي أسّست طريق الصوفية عليه , فهو عين توفية حقوق الشكر في الأمر والنهي لذا قال ( جارية مجرى ما أمر الله به ونهى عنه )
إذ أنّ طريق الصوفية ما أسّست إلاّ على ما أمر الله تعالى به ونهى عنه ظاهرا وباطنا , فكلّ ما خالف الأمر والنهي فما أسّست طريق الصوفية عليه إشارة إلى إحكام الشريعة والتحقّق في السير بحسب منهاج الطريقة لقوله تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون )
...
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك فكن بارك الله فيكم راسخ القَدم في حضرة القدم ولو كان المدبرون أضعاف المقبلين فلا يضركم كيدهم شيئا، )
بدأ هنا الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه موعظته البليغة لمريده سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه مجرى ما جرى عليه لقمان الحكيم مع ابنه كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ) فكانت العلاقة التي تربطه به هي علاقة أبوّة لما في معنى الأبوّة من الحنان والطاعة والوراثة ..
فأشار إليه أن قد قرب الرحيل يا إسماعيل فأنت خليفتي في طريقتي فـــ : ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) كما قال تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) وكما قال جبريل للنبيّ عليه الصلاة والسلام ليلة عرج به ( يا محمد تقدّم ) لما ينتظره هناك من مهمّات إقامة الصلاة دليل إمامة الحضرة حيث فرضت الصلاة ( يا بنيّ أقم الصلاة ) الحقيقية حتّى يأتي إليك المصلّون ويتسارع إلى آذانك السامعون (وأمر بالمعروف ) حتّى تقرّبهم إليه ( وانه عن المنكر ) كي لا يقطعهم قاطع بين يديه
لقوله تعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) فلمّا علم جلالة هذه المرتبة وخطرها بحكم التجربة فتلك سنّة السابقين قال تعالى : ( وكلاّ نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحقّ وموعظة وذكرى للمؤمنين )
أوصاه بقوله ( فكن بارك الله فيكم راسخ القَدم في حضرة القدم ) لما في الدعوة والإرشاد والتبليغ من محن وفتن ومن صدود وكدر إذ تلك سنّة الله قد خلت فيمن قبلنا قال تعالى : (اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ) وقال تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين )
فإنّ من سنن الله في الأرض أن يكون حال الداعية المأذون من قبل الله ورسوله في بدايته الهجران والتنكير وكثرة الفتن فلا تقوم له قائمة حتّى تقوم عليه البلاد بجملتها وهذا ما وقع لمولانا الأستاذ رضي الله عنه حتّى أنّه أغلق زاويته أعواما عديدة وكما وقع لسيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه فما اتّبعه من إخوانه أحد فقاموا عليه قومة واحدة وأغلب مشائخ الطريق هكذا حالهم فإنّهم ورّاث الأنبياء فلا بدّ لهم من هذا غالبا إلاّ في حالات نادرة كحالة سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه فقد أجمع عليه إخوانه لكثرة صدقهم ..
رغم أنّه قال رضي الله عنه ( لقد رأيت في الرؤيا سبحة شيخي معلقة في عنقي ) فهي إشارة أنّه يقوم بشؤون فقراء شيخه من بعده وقد ذكر أنّه رضي الله عنه قدّمه إخوانه للصلاة على سيدي محمّد البوزيدي رضي الله عنه فكانوا شبه مجمعين على تقدّمه عليهم حتّى كانت جميع رؤياهم ومبشّراتهم تصبّ في هذا الإتّجاه فهذه حالة نادرا ما تكون وليست هي الأصل
ففي قصص القرآن كقصّة موسى عليه السلام كاد أن يقتل بنو إسرائيل هارون عليه السلام في غياب موسى عليه السلام رغم أنّه أوصاه عليهم بحضورهم لكنّهم استضعفوه فاتّبعوا السامريّ
فهذه فراسة الشيخ سيدي محمّد المداني رضي الله عنه فكأنّه ألهم بما سيحصل لخليفته من بعده لذا فما رأينا تأكيدا وموعظة وتثبيتا بمثل هذه الرسالة وهذا ما تراه في قوله رضي الله عنه ( ولو كان المدبرون أضعاف المقبلين فلا يضركم كيدهم شيئا ) لما في الطريق من أسرار فلا يفوز بها إلاّ من ثبت على صراط الدعوة والإرشاد لأنّ الحسد موجود كما وقع ليوسف عليه السلام مع إخوته ومع العالم من الناس إذ أنّ الفتنة قد تكون من الأقربين ثمّ تكون من الأبعدين فلو تولّى لسلب كما روي ذلك عن سيدي أبي العبّاس المرسي رضي الله عنه فإنّه قال ( ما جلست على سجّادة الإرشاد حتّى هدّدت بالسلب )
وهذا معلوم متى قرأنا في قصّة يونس عليه السلام كما قال تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) وإن كانت بعض هذه الآيات نازلة في أهل الكفر إلاّ أنه يسترشد بها على مثل هذا كما ورد ذلك عن بن عبّاس رضي الله عنه فإنّ الكيد موجود لذا ذكره سيدي محمد المداني رضي الله عنه بقوله ( فلا يضركم كيدهم شيئا ) أي المدبرين وفي هذا قصّة حدثت لمولانا الأستاذ رضي الله عنه يعلمها الكثير من الفقراء فقد بيّتوا له ومكروا به مكرا كبّارا حتّى أوصد بابه عليه بالمسامير , ولكن يوشك أن يقولوا له بعد ذلك كما قال اخوته يوسف ( قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) فيكون جوابه الإيماني الصادق ( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) لما في سجية الإخوان من المحبّة والوئام والصفاء ...
( وأعظم منة على المؤمن أن يجعله الله مرشدا لعباده المؤمنين ينشر هدايته الإسلامية وحقائقه الإحسانية ومعارفه الإلاهية حتى يهدي به الله من يشاء من عباده، هذا هو الذي نرجوه لكم نفع الله بكم العباد والبلاد، ولو يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمرالنعم )
ذكّره هنا بأنّ إرشاد العباد إلى طريق الهداية أعظم منّة من الله تعالى على المؤمن إذ جعله هاديا في عباده ونورا يستضاء به في بلاده قال تعالى ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) وكما قال لموسى عليه السلام (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ )
فلا بدّ من القيام بحقوق تلك المنّة فيصرفها فيما وضعت له فإنّ من تمام الإعتراف بالنعم وجود الشكر عليها قال تعالى (اعْملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) فأفضل الشكر أن تأخذ بيد العباد إلى ما أنعم الله به عليك من الهداية والرشاد فتمنحهم ممّا آتاك الله لقوله تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤنين رؤوف رحيم ) وقال تعالى ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) وإنّما أشار إليه إلى ضرورة استشعار تلك المنّة كي يؤدّي حقوقها بما قد يناله في سبيل الإرشاد من الصدّ والشكوى فلا يضنّ بها لأنّها ليست ملكا له كما قال تعالى ( فذكّر إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر )
لذا قال له (يهدي به الله من يشاء من عباده ) لقوله تعالى (انك لن تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء ) فليس للعبد في ذلك حيلة قال تعالى (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين ) باستفراغ الطاقة والجهد وهذا ما سارت عليهم الأنبياء والرسل عليهم السلام وما سار عليه من جاء بعدهم من أتباعهم في الدعوة والإرشاد حتّى أنّ مولانا الأستاذ رضي الله عنه قال ( ما من شيء ورثته عن سيدي العلاوي أو سيدي المداني إلاّ وأعطيته لكم ) أو فيما معناه ..
لذاك قال له (هذا هو الذي نرجوه لكم ) وليس غير ذلك , من باب الرجاء في الله تعالى له والله لا يخيّب الراجين , وهكذا جميع أهل الله فيما يرجونه لمريديهم , فأنتم أهل لذلك وأكثر منه , فأكّد وقوفه بباب الرجاء بما تلاه بعد ذلك من الدعاء ( نفع الله بكم العباد والبلاد ) والله تعالى لا يخيّب الداعين لقوله سبحانه ( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )
وحتّى لا يحقرنّ من المعروف شيئا فلا تحجبه منزلته في العلم والمعرفة بأن يستقلل ما هداه الله على يديه أشار إليه بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو قوله ( ولو يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمرالنعم ) لما في وصول الهداية من الأجر العظيم الذي لا يحسن أن يجزي عليه غير الله الكريم , فقل كما قيل لنبيك من قبلك عليه الصلاة والسلام فهو القدوة والأسوة ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ) وقد ورد في الحديث أن النبيّ يأتي يوم القيامة ومعه الرهط والرهطان إشارة إلى قلّة الأتباع
فليس كثرة الأتباع دليلا على الهداية أو الإذن والإرشاد والذي يقرأ السيرة النبوية يسترشد بها فإنّها نور على نور ...
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
ما شاء الله سيدي علي
كلامكم نور على نور ……من أحوالهم تستقي، فيا لصفاء وردكم ولله درهم ودركم
كلامكم نور على نور ……من أحوالهم تستقي، فيا لصفاء وردكم ولله درهم ودركم
-
- عضو جديد
- مشاركات: 5
- اشترك في: 22 إبريل 2019 08:37
- آخر نشاط: 01 يناير 1970 01:00
- مكان: Egypt
- العمر: 51
- اتصال:
dalia slah كتب:... لله درهم ودركم
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أختنا الفاضلة
يجب التنبيه كوني كتبت هذا الشرح على الرسالة في سنة 2010 وهو شرح غير مكتمل إلى الآن منشور صفحاته في منتدى " مواهب المنان " ركن "الرسائل والردود" نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاكماله بفضله وجوده وكرمه اللهم آمين
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
( وما على المرشد إلاّ أن يكون شمسا مشرقة يستمدّ من ضوئها الأقمار والكواكب )
الداعي إلى الله تعالى من كان نوره من ذاته كالشمس في ضوئها وضيائها يستمدّ منها الأقمار والكواكب , والمراد هنا أنّ الداعي لا يمكنه أن يكون داعيا حقيقيا ولا مرشدا ربّانيّا إلاّ متى كان نوره من ذاته وهو النور الصرف في مقام كمال التنوير فكلّ من لم يكمل تنويره فلا يزال يستمدّ من نور غيره لأنّ المرشد نوره ذاتي بخلاف الأقمار والكواكب فلا نور لها من تلقاء نفسها فلا تستمدّ إلاّ من ضوء شمسها
لذا أشار إليه هنا بأنّ نوره قد كمل فيكون في مقام الشمس فلا بدّ أن يشرق على الوجود بنوره يستمدّ منه المريدون المنعوتون بالأقمار والكواكب وفي هذا القول الكثير من الأسرار والأنوار قال تعالى : (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) فلا يكون الداعية سراجا منيرا حتّى يكون مأذونا بالتربية والإرشاد لذا قال تعالى (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ) فاشتمل على ثلاثة أمور : أن يكون داعيا إلى الله تعالى : أي إلى الحضرة , وأن يكون مأذونا , وأن يكون سراجا منيرا , فلو لا الدعوة إلى الله تعالى الخالصة من شوائب العلل والإذن التام من الله تعالى ما صحّ أن يكون الداعية سراجا منيرا فلا يضيء على أحد ولا تستمدّ من ضوئه الأقمار والكواكب
فهذا الذي أثبته الشيخ المداني لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنهما من حيث كونه شيخا عالما عارفا كاملا مأذونا فأضحى هنا شمسا مشرقة فلا بدّ أن يستمدّ من نوره الأقمار والكواكب لأنّ الشمس لا يستمدّ منها غير الكواكب والأقمار دلالة على عدم خفاء ضيائها فهي مشرقة على الوجود ( قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد )
ثمّ في إشراقها فهي تشرق على البرّ والفاجر وعلى الإنسان والحيوان وعلى الفوق والتحت دلالة وسع ضيائها ...
فلو لا شموس المعارف التي أشرقت على قلوب السالكين ما عاش منهم أحد ..
( وقد رجعت إلى الزاوية من زيارتكم في سلامة وعافية ظاهرا وباطنا وقد انشرح صدري باجتماعي مع أولئك الرجال أهل نسبة الله بهاتك البلاد المبارك بلاد الجريد عموما سيما أهل توزر ونفطة ودقاش والحامة فإني قد رأيت رجالا تفرست فيهم سلامة القلب وصحة الاعتقاد والمحبة الخالصة ورأيت أن سينتشر فيهم علم التصوف والحقائق الإلاهية فيكونون إن شاء الله ممن أتاهم الله العلم اللدنّي وما ذاك على الله بعزيز )
بعد أن أشار إليه رضي الله عنه بأنّ ما على المرشد إلا أن يكون شمسا مشرقة يستمدّ من ضوئها الأقمار والكواكب , نبّهه إلى فرض وجود هاته الأقمار وتلك الكواكب , إذ كلّ شمس لا بدّ أن تضيء على ما يقابلها من الوجود فهي ثابتة في ضيائها فلا بدّ أن يكون في مجموعتها أقمار وكواكب , فالمرشد كشمس مشرقة لا بدّ أن تضيء على الوجود ولا بدّ أن تستمدّ منه الموجودات كلّ قمر وما فيه وكلّ كوكب وما عليه , إذ أنّ نوره كما قدّمنا ذاتي فلو لا إشراقه ما أحسن أحد أن يرى قمرا أو يلمح كوكبا أو يلاحظ نجما وهكذا هي شموس المعارف التي لا تغيب وفي هذا المعنى قيل :
إنّ شمس النهار تغرب بليل ---- وشمس القلوب ليست تغيب
لذلك أشار إليه في معرض الكلام عن الرجوع من سياحته إلى مدن الجنوب إلى وجود تلك الأقمار والكواكب بعد أن أخبره بقوله (وقد رجعت إلى الزاوية من زيارتكم في سلامة وعافية ظاهرا وباطنا ) فنعم العافية هي لما وجده هناك من نشاط وعناية وإرشاد الذي قدّم القول عليه عند تعليقه على رسالة أستاذنا رضي الله عنه إليه الذي نعته بقوله ( أما بعد فقد تشرفنا بكتابكم الكريم المنبئ عن كامل المحبة والوداد ورسوخ القدم فيما يرضي الله ورسوله من التذكير والإرشاد )
فالغالب أنّ الزيارة والسياحة كانت متأخّرة عن كتاب مولانا إسماعيل رضي الله عنه إلى شيخه رضي الله عنه , فكأنّ مكتوب الأستاذ رضي الله عنه إحتوى ما كان داعيا إلى كتابة مثل هذه الرسالة المدنية الجامعة فيا ليت من له نصّ رسالة مولانا الأستاذ تلك التي قابلها سيدي المداني رضي الله عنه برسالته هذه أن يمدّنا بها أو يكتبها لنا
فأخبر هنا بما رآه خلال زيارته ثمّ أخبر بما ألهمه الله تعالى فيهم من صريح فراسته وأعني بذلك أهل الجنوب الذين مدحهم الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه بقوله ( وقد انشرح صدري باجتماعي مع أولئك الرجال أهل نسبة الله بهاتك البلاد المبارك بلاد الجريد عموما سيما أهل توزر ونفطة ودقاش والحامة ) فسمّاهم رجال أهل نسبة الله ثمّ سمّاها بلادا مباركة أي بهم ثمّ خصّ أهل توزر وأهل نفطة وأهل دقاش وأهل الحامّة
فتكفي هذه الشهادة من سيدي محمد المداني رضي الله عنه على أهميّة أهل الجنوب في الطريق وأنّ منهم الأقمار والكواكب الذين أخبر بوجودهم في معرض تثبيت مريده بعد أن قلّده وظيفة التربية والإرشاد لقوله رضي الله عنه في حديثه عن إستقرائه للحاضر في زمنه ( فإني قد رأيت رجالا تفرست فيهم سلامة القلب وصحة الاعتقاد والمحبة الخالصة ) وفي إستقرائه للمستقبل الذي سيكون في حياة مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه من بعده ( ورأيت أن سينتشر فيهم علم التصوف والحقائق الإلهية فيكونون إن شاء الله ممن أتاهم الله العلم اللدنّي وما ذاك على الله بعزيز )
نعم صدق سيدي محمد المداني رضي الله عنه فيما حدسه أو ألهم به أو كشفه الله له , فإنّ الله تعالى قد نشر الطريق في الجنوب نشرا عظيما فكانوا رجالا عارفين فنشر الله تعالى فيهم الصدق والمحبّة الخالصة وكبار العزائم , فالعبد الضعيف مهما تجوّلت في مختلف البلدان ما رأيت أكثر رجولة ولا صدقا ولا كرما من أهل الجنوب دائما لما تعطيه طبائع الجهات فإنّ أهل المدن مثلا تكثر فيهم مراتب الصفاء التام مناط الصدّيقية كيوسف الصدّيق عليه السلام
أمّا أهل البدو والريف يمتازون بصفة الصدق يبلغ بهم الصدق شأوا عاليا فمن صفات قلوبهم أن من عاشروه لا ينسونه لحكم إتّصافهم غالبا بالوفاء وبالخلاصة فخصال أهل الجنوب كثيرة ويكفي شهادة لهم ما قاله في حقّهم سيدي محمّد المداني رضي الله عنه فقد وصفهم بالرجّال , فإنّهم حتما أقمار وكواكب فلا بدّ أن يستمدّوا من المرشدين كما تستمد الكواكب والأقمار نورها من ضياء الشمس
...
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي بالصدق في المعاملة والثبات في المواصلة والله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة )
الوصية في الدين من سنن الأنبياء والمرسلين لأممهم سيما أولادهم ووارثيهم فهم أولى بالوصية من غيرهم , إذ أنّ الوصية مطلبها ثباتي حضّ على الثبات كما أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب عليهما السلام , قال تعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) وقال تعالى قبل هذه الآية (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) بخلاف النصيحة فليست هي عين الوصية
فالوصية للثبات خاصّة على المسيرة والمنهج الرباني الذي سار عليه من سبق , أمّا النصيحة فهي للمشورة أقرب لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) فأمر الشورى نصيحة غالبا وهي درجات أعلاها المشورة في الدنيا والدين حيث يجتمع الناس فيه كالأنبياء والرسل مع غيرهم من أصحابهم والصالحين من أتباعهم في أممهم كما ورد قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحوادث ( أشيروا عليّ ) وقد قال تعالى ( وشاورهم في الأمر )
وكذلك من درجاتها ممّا يتنزّه عنه ضرورة أهل العصمة من الأنبياء والمرسلين ويتنزّه عنه غالبا أهل الحفظ من الأولياء وكمّل العارفين كالتنبيه على العيوب أو النقائص محبّة في إيصال الخير والدفع بمن تحبّ نحو بلوغ الكمال وقد ورد قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ )
فهذا معنى النصيحة باختصار فليست هي الوصية فالوصية تكون غالبا عند قرب المفارقة سواء بالسفر أو بالموت فأنت لا توصي إلاّ فيما تملكه أو فيما هو تحت رعايتك كأن يوصي المحتضر في ماله أو في بناته وأولاده ... وهكذا فيمن يوصي على طريق الله الذي ملّكه الله إيّاه في زمانه كما قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه
سقيت من كأس الحبّ ثمّ ملكته --- فصار ملكا لديّ في مدّة الدهر
وهكذا من شيخ إلى شيخ إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام ثمّ إلى ربّ العالمين فهو الذي أوصانا بما أوصى به الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا به إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى )
فالوصية الحقيقية من الله تعالى الحي الذي لا يموت فإنّما هي وراثة وخلافة من لدنه سبحانه لعباده الصالحين كما قال تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) فهذه هي الوراثة التي أخبر عنها الحديث القائل ( العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء ما ورّثوا درهما ولا دينارا ولكن ورّثوا العلم ) لأنّ وراثتهم لا يمكنها إلاّ أن تكون من نفس وصف الموروث لقوله تعالى ( وعلّم آدم الآسماء كلّها ) ولقوله ( إقرأ ) ولقوله تعالى ( الرحمان علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان )
فهذه الوراثة التي يوصي بها المورّثون ورّاثهم التي بدأ بذكرها سيدي محمد المداني لخليفته سيدي إسماعيل رضي الله عنهما لأنّ الموروث متعدّي هكذا واحد عن واحد فلا بدّ من هذا وإلاّ ما صحّت وراثة لأنّ الوصية علامة تثبيتها فهي كالعقد والحجّة على الوراثة , فقال ( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي بالصدق في المعاملة )
المعاملة على نوعين :
- معاملة الله تعالى
- معاملة خلقه
فلا تصح الثانية إلاّ بالأولى , وهذا معنى الصدق فيهما إذ من علامات الصدق في معاملة الله تعالى وجود صدق المعاملة مع خلقه لأنّهم في مستوى نفسك فتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك وترجو لهم ما ترجوه لنفسك عند توجّهك لربّك في صدق معاملتك معه . فكيفما كانت المعاملة فلا بدّ من الصدق فيها فإنّها أوّل قدم لذا بدأ بذكره
إنّما قرن الصدق مع العمل لأنّه علامته فكلّما كثر الصدق كلّما أتقن العمل فصدق المعاملة يوجب الإنتقال إلى الأمر الثاني الذي ذكره بعده في قوله (والثبات في المواصلة ) قلبا وقالبا كما قال سيدي أبو العبّاس المرسي رضي الله عنه ( لي كذا سنة ما غاب عني رسول الله عنّي طرفة عين ولو غاب عنّي طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين )
هذا تلحظه في سيرة أستاذنا رضي الله عنه فإنّه ما يفتتح مجلسا من مجالسه إلاّ تسمعه يقول قال سيدي المداني كذا وأشار بكذا وكان كذا رغم أنّ شيخه إنتقل إلى ربّه منذ عشرات الأعوام , فالثبات في المواصلة من أحسن صفات الفقير فمراتبها ثلاث
- ثبات على مبدأ طلب السير والوصول انطلاقا من ثباتنا على الكتاب والسنّة
- ثباتنا على المنهج وهو شرع الطريق وآدابه
- ثباتنا على توفية آداب المقامات وذلك باعطاء كل حقيقة حقها بلا زيغ أو طغيان
لقوله تعالى ( ما زاغ البصر وما طغى ) وهكذا هم المشائخ الوارثين ما يزيغ بهم البصر قطّ عن إستشعار حرمة شيوخهم وآبائهم وإستشعار الوصلة بهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم وهذا ما أراده منّا رسول الله عليه الصلاة والسلام حتّى قال لنا ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي )
فمن شدّة الوصلة مثلا تضحى تتذكّر رسول الله عليه الصلاة والسلام عند كلّ صلاة إذ أنّك تتخيّل كيف كان رسول الله يصلّي فهو الشيخ الحقيقي أو تقول بوّاب الحضرة والمشائخ نوّابه في زمانهم , وهكذا المشائخ فقلّما تسمع لهم كلاما بل أغلب ما يذاكرون به من مذاكرات مشائخهم حتّى أنّ الهاتف جاء مرّة لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه بعد أن أجهده البحث في كتب القوم عن مذاكرات وتعريفات من سبقه فقيل له ( تعريفنا يغنيك عن كلّ تعريف )
فمواصلة المشائخ لا تنقطع بالموت لأنّ المحبّة لا تموت فتبقى المحاب إلى نهاية الحياة بخلاف ما عداها فقد يذهب مثل مال أو جاه أو منزلة دنيوية أو حتّى وظيفة دينية كمشيخة أو إمامة فإنّها تنتهي بالإنتقال إلى عالم الآخرة أي تنتقل منه إلى غيره مع حفظ مقامه فيها إلاّ المحبّة فهي باقية في القلب لا تحول ولا تزول ( فالمرء مع من أحبّ ) لأنّها من أسرار الوجود فهي أقدس شيء من الأحوال أكرم الله تعالى به عباده
قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه ( من كانت عنده محبّة ما ترك ولا حبّة ) لهذا أوصاه بالثبات في المواصلة لأنّ المقطوع لا يُمَدٌّ فمتى قطع فرع الشجرة عن أصلها يبس ومات فأصبح هشيما تذروه الرياح لذا أخبره أنّ الثبات في المواصلة عين التوحيد الثابت لأنّه يجلب المحافظة على كمال الأحوال والمقامات والرعاية والعناية قال تعالى ( إصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )
وقال تعالى مؤانسا موسى وهارون عليها السلام ( قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) مقصد العناية والحفظ لأنّه يصل الفرع بأصله فاستشهد له بالآية ( والله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) فقد قال تعالى في الآية التي قبل هذه الآية ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ )
فالكلمة الطيّبة هي لا إله إلاّ الله , فمعاني الثبات جوهرها الثبات في المواصلة بعد الصدق في المعاملة لذا أوصاه بهذين الأمرين في مقدّمة وصيّته المباشرة الجامعة
( فكونوا على قدم وساق في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة )
من علامات تثبيت الله لعبده ما تراه عليه وتشهده فيه من مداومة وعزيمة من غير فتور في اكتساب الفضائل أو قصور في اجتناب الرذائل والحضور مع الله تعالى فلا تحجبه شريعة عن حقيقة ولا حقيقة عن شريعة ولا ظاهر عن باطن ولا باطن عن ظاهر فهو ثابت في المقامين راسخ القدم في الحضرتين حضرة الأمر والنهي ظاهرا وحضرة الأمر والنهي باطنا , فمن شغلته حقيقة فاستهلكته فهو غير ثابت في مقام الشريعة باب الوصول إلى الله فلا يقتدى به في طريق القوم ولو كان عارفا وليّا صالحا
لأنّ طريق الإرشاد فيه شروط لا بدّ من توفرها فيكون ظاهره شريعة وباطنه حقيقة ظاهره فرق وباطنه جمع فتكون دلالته من ميراث جوامع الكلم يلقي الكلم فيأخذ كلّ من السامعين مشروبه وغاية مطلوبه , لذا قال له ( فكونوا على قدم وساق في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل ) أي في كلّ مقام فحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين فكلّ من يتبعك هو منك وإليك تقوم مقامه بين تخلية وعلاج وتحلية ومعراج
فلا بدّ من اكتساب الفضائل في حقائقهم واجتناب الرذائل , وهذا لا يكون إلاّ بالحضور مع الله تعالى والفناء فيه والبقاء به فلا تدلّهم إلاّ عليه ولا توقفهم إلاّ بين يديه لأنّ مناط اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل الوقوف على أبواب حضرته ثمّ دخولها وهو إشارة إلى الأمر بنزع العوائق والموانع في طريق السالكين فهي الحاجبة والمانعة من دخول حضرة الله , فلو لا الشريعة ما كان وصول إلى حقيقة فكيف نتركها وهي القائدة والحارسة فعلى قدر اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل يكون الحضور مع الله تعالى ودخول حضرته , لو لا الشريعة ما كان هناك صفاء ولو لا الحقيقة ما كان هناك فناء فعلى قدر صفائك يكون فناؤك في بقائك ويكون بقاؤك في فنائك
ثمّ أخبره أنّ الغاية المنشودة من اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل هو الحضور مع الله تعالى ( والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة ) التي يتسابق إليها الجميع فعلى قدر المسارعة إليها يكون اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل , لإنّ صاحب الشريعة محفوظ وهي علامة الإذن في طريق الله فمن لا إذن له لا حفظ له فمعنى الحفظ هو المحافظة على الشريعة والثبات في مشاهدات الحقيقة ( ما زاغ البصر وما طغى ) أي ما طغى بتلك الحقيقة لأنّ الطغيان مذهب إبليسي
( أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) يخرجونهم من نور الشريعة إلى ظلمة زندقة دعوى الحقيقة كما إدّعاها من قبل إبليس لعنه الله تعالى فمن لم يتقيّد بالشريعة فقد تكبّر على ربه فحتما أنّه يطرد من حضرته لأنّه مفسد في أرض العبودية والله لا يحبّ المفسدين
فدعواه أنّ الشريعة لا تقيّده فيتنزّه عنها بزعمه يعدّ هذا كبر منه على أمر الله تعالى ونهيه فإنّ المشرب الصافي الكامل الحقيقي لا يترك صاحبه يطغى بل هو عين الحفظ عند أهل الولاية والعصمة التامة عند أهل النبوّة ( مازاغ البصر وما طغى ) فمن كثرة صفاء النظر لم يكن هناك طغيان فهذا مقياس الطريق وهو طريق جميع المربين فلا يزالون يتواصون بالحفاظ على الأحكام الشرعية والتمسك بالكتاب والسنة ( وتواصوا بالحقّ ) إذ ليس هناك حق أجل ولا أعلى من هدي القرآن وهو هذا السير إلى عالم فناء أوصاف النفس ووجودها بالتزكية أما ( وتواصوا بالصبر ) أي تواصوا بالصبر على دوام تزكيتها في عالم البقاء حتى لا تزيغ أو تطغى
فأوصى هنا مريده أن يسير في الطريق بسير الأنبياء والمرسلين ونخبة الوارثين فلا يزيغ بالطريق كأن يجعله طريق زنذقة أو كرامات أو مظاهر أو مصيدة للدنيا كما نشاهده اليوم عند طوائف فقد جعلوا الطريق بعد مولانا الأستاذ طريق مظاهر ونواميس وشهرة ودعاوى ...
كلّ هذا وغيره باطل وهو علامة عدم الإذن فإنّ المأذون مأمون من تسلّط النفس والشياطين عليه ظاهرا وباطنا لذا كان الإذن من آكد شروط الإرشاد , فإنّ هذه الوصية من الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه إلى الشيخ سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه تصبّ كلّها في الهداية إلى أمر التوحيد والطريق والسير به على منهاج خير الرسل عليه الصلاة والسلام لأن الطريق لا ينتشر إلاّ على صفة الكمال وإلاّ كان طريق نقصان وهذا لا يستقيم إذ أنّ السلوك كامل تامّ ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
فليس بعد هذا الكمال من كمال , فمشيخة الهداية والإرشاد في الأصل محرّم على غير الكامل ( من كان يعبد محمّد فإنّ محمّد قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت )
فهو التوجّه إليه سبحانه فمن وقف به السير بعد وفاة أستاذه مكتفيا بما ناله من شيخه دون حث الهمة على طلب الوصول والعرفان فقد عبد شيخه من هذه الحيثية لأن السير والسلوك والوصول لا ينقضي بموت رسول أو شيخ وارث فإنّ الله حيّ لا يموت وهذا ما قاله أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه للصحابة فإنّ موت رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أكبر إمتحان لسلوك ومعارف وسير الصحابة فرضي الله عن الصدّيق الأكبر ما أحسن سيره وأكثر تحقيقه
كيف لا وقد أوصله محمد صلى الله عليه وسلم وسار به محمد وعرّفه محمد وكمّله محمد وجمّله محمّد صلى الله عليه وسلّم بعد إذن الله سبحانه فلو كان شيخه ناقصا لكان هو أيضا ناقصا أمّا متى كان الشيخ كاملا فإنّ خليفته لا يكون إلا كاملا ظاهرا وباطنا ...
( أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) كما ورد في الآية الشريفة لقوله تعالى كما في الآية ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )
﴿إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فمن أظلم ممن كذب على الله أو كذّب بالصدق إذ جاءَه أليس في جهنم مثوىً للكافرين )
هذا من جملة ما تلاه الصدّيق رضي الله عنه عند وفاة النبيّ عليه الصلاة والسلام فإنّه رضي الله عنه لم يكذب حاشاه في طريق الله فما دلّ الخلق إلاّ عليه لأنّ المقصود هو الله تعالى لذا قال له موصيا دافعا مشجّعا محقّقا متشرّعا (والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة ) فليس إلاّ هذا فلله درّ سيدي محمّد المداني رضي الله عنه ما أشدّ محافظته على طريق الله إذ أنّها أمانة أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان كما قال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )
كثير من الناس اليوم يعتقد أن التقدّم إلى الإرشاد والتربية منقبة وفضيلة تشريف بينما هي أمانة تكليف فيا طوبى لمن لم تسند إليه ويا خطر من طلبها ويا سعادة من أعطيها فأدّاها كما أعطيها , فإنّ الشيخ الحقيقي يأخذها مضطرّا كما قال عمر رضي الله عنه واصفا حاله عند تقدمه للخلافة ( إلاّ كمن أُضطرّ إلى أكل الميّتة )
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقف عليها من كان له زاجر من نفسه يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما وإلى ذلك يشير قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي حتى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله )
يشير إليه هنا أنّ خير الوصية ما كانت موافقة وتابعة لما عليه العبد في قرارة نفسه من الموافقة للأوامر والنواهي فأصل الوصية أنّها موافقة وتابعة لا متبوعة فإنّ الوصية متى كانت متبوعة في أي مجال أو حال تكون الأعمال متكلّفة بحسب نصّ تلك الوصيّة فقد لا تسلم الأعمال أو الأحوال من الزلل والزيغ والعلل
لذا أشار له إلى الأصل في الأشياء بقوله ( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقّف عليها من كان له زاجر من نفسه يأمره وينهاه ) فإنّ الموصي متى رحل ترك التصرّف لمورثه فقد يبدّل ويغيّر وقد يستقيم , وكلّ هذا ليس بأصل بل الأصل أن يكون مستقيما سواء أكانت هناك وصية أم لا لأنّه في مستوى معرفة ما يجب عمله وما لا يجب لوجود الزاجر من النفس يأمره وينهاه
في هذا إشارة بليغة أنّه لا هادي إلاّ الله كما قال تعالى (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَح لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ) كما ورد في سورة هود عليه السلام هذا وإن كان في باب النصيحة للكفّار فهو الطريق أيضا إلى الوصية إذ أنّ النصيحة طريق إلى الوصية فمن لم يعمل بالنصح هلك وتكبّر لأنّ عدم سماع النصح من الكبر وهو ظهور النفس المنازعة , أمّا من لم يعمل بالوصية فقد خالف فهو من باب الدعوى والنفس فأمره أيضا كبري لظهور النفس المدّعية فهما حالان : النصيحة والوصية فلا يستقيم الدين إلاّ بهما قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
قال سيدي المداني لمريده رضي الله عنهما ( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقّف عليها من كان له من نفسه زاجر يأمره وينهاه )
ما أراد وقبل له بالمراتب الدنيّة فمن توقّفت إستقامته على النصح والوصية فلا يجوز أن يقتدى به في طريق الله فهو مازال صبيّا فيه لأنّه ليس له من نفسه زاجر يأمره وينهاه فلا عقل له فمسؤولية الطريق لا تعطى إلاّ لمن يعمل قبل الأمر وينتهي قبل ورود النهي ويفهم قبل ورود الإشارة فهو سابق لا مسبوق كما قال تعالى ( السابقون السابقون أولائك المقرّبون ) فهؤلاء قال الله تعالى فيهم ( إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ )
وإلا فما نفع الوصية إذا لم يكن هناك زاجر من نفس الإنسان وضميره فذلك الذي يدوم ولا يفارق صاحبه إذ أنّ الوصيّة قد تنسى أو تتلف أمّا الزاجر القلبي فحاله البقاء فيا طوبى لمن أقبلت عليه الوصية قبول العروس في حليّها وجمالها , فكأنّه يقول له : يا إسماعيل أنت في مقام لا يجب أن تتوقّف فيه على وصيّتي إذ يكفيك من الوصية ما قرع قلبك من الزواجر الظاهرة والباطنة فتكون موافقا حالا لما أوصيك به فيا طوبى من جاءته الوصية من الخارج فوافقت الداخل شريعة وحقيقة
إنّما قال له هذا يريد به أمرا عظيما وخطبا جسيما وهذا تلحظه في قوله رضي الله عنه ( زاجر من نفسه يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل ) لأنّ مثل هذا الأمر لا ينفع معها إلاّ الزاجر من النفس وإلاّ ما يحسن أن يفعل له شيئا كما عجز هارون عليه السلام مع السامريّ الذي قال ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي )
فلو كان له زاجر من نفسه ما فعل ذلك الشرك ولا صنع العجل لبني اسرائيل حتى أضلهم , فقد عجز هارون عليه السلام رغم أنّه نبيّ مرسل فضلّ القوم بحضوره ما استدعى غضب موسى لمّا رجع إليهم حيث أخذ بلحية أخيه ورأسه ,
من هنا نفهم حرص سيدي محمد المداني رضي الله عنه على مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه وحرص كل شيخ كامل على الطريق من بعده من أن يزيغ به زائغ أو ينحى به منحى غير محمود لذا قال له ( يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما ) فأمره صريح باتّباع الشريعة والإستقامة عليها في العبادات الظاهرة ثمّ عدم الإكتفاء بذلك بل يجب معه الحضور مع الله تعالى عبادة الباطن فهذا أساس طريق السير جميعه
زذلك بالإستقامة على دين محمّد صلى الله عليه وسلّم ظاهرا وباطنا شريعة وحقيقة مناط الخلافة والوراثة لأنّ المشائخ يخشون على السالكين السائرين من استهلاك نواقص الحقائق لهم فيشرقون ويغربون فيمسي دينهم زندقة ظاهرة لا تقبلها العقول وربما اتبعتها الأوهام والخرافات كما نراه اليوم في أغلب البلدان فتجد الشخص يتصدّق في ضريح الوليّ مائة دينار ولا يتصدّق برغيف واحد لله تعالى على مسكين أشواه الفقر والجوع لوجود الأغراض وطلب الأعواض في مصالح النفس والدنيا
ما كان قطّ دين الله هو هذا , فمتى تفشّى هذا قلّ العلم الديني في الشريعة فلا تجد عالما ورعا ولا قارئا للقرآن بصدق ولا للحديث بفقه وهذا أمر مشاهد في أرض الواقع كما نجده عند المنتسبين للتصوّف والتصوف منهم براء لذلك هلك كثير من المنتسبين للتصوف بسبب قراءتهم في كتبه بلا فهم ولا نور ولا فقه قلبي فوقعوا في المحذور
إنّ في تلك الإجازة المدنية الشرعية التي تحصّل عليها سيدي محمد المداني رضي الله عنه والتي نقلها لنا سيدي أبو أويس أبلغ مثال على حقيقة الدين والطريق فوالله ليس الطريق إلاّ ذاك ومن قال العكس فقد كذّب من جاءنا بالطريق إلى تونس , فالحقيقة لا تستقيم إلاّ بالشريعة ومن لم يأخذ الدين من القرآن والسنّة خاب وخسر فهل قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيّام مثلا ( أنا الحقّ أو أنا الله أو سبحاني سبحاني ما أعظم شأني ... ) فهل ورد مثل هذا عن رسول الله أو ورد عن أحد من الصحابة أو أنّهم لم يسلكوا ولم يذوقوا ؟ هذا من ناحية
من ناحية أخرى هل قال رسول الله بوحدة الوجود أو بالحلول والإتّحاد ؟ أين دين محمّد أهو هذا ؟ حتّى أنّ الشيخ إسماعيل تبرّأ من بعضهم , أم أنّهم اتّبعوا طريق السامريّ , ثمّ إنّ ذلك الكلام لو كان صحيحا لوافقه القرآن بل القرآن كذّبه أغلب تكذيب , فهل يكذب القرآن ويصدق السامريون ؟ والله تعالى يقول ( ومن أصدق من الله قيلا )
فهذه الوصية المدنية لو قرأها من يدّعي الإنتساب لسيدي محمد المداني وسيدي إسماعيل رضي الله عنهما لبكوا واستغفروا كثيرا بل ولحثوا على رؤوسهم التراب , فالدين ما كان قطّ مجرد طلب كشف أو كرامة أو بحث عن مقام أو مرتبة كلّ هذا بدعة في الدين بل هو من أعظم البدع فالطريق واضح والسير محمّدي ويشهد له القرآن والسنّة ثم كلام العارفين وأئمّة الطرق حتّى وصل الأمر بسيدي أبي الحسن إلى القول ( إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنّة فدع الكشف جانبا ...)
لو مثلا أطلعك الله على أسرار الناس في قعور بيوتهم وكاشفك بجميع معاصيهم وذنوبهم فلا بدّ لك من ترك هذا الكشف والإستغفار منه وأن تعمل بالكتاب والسنّة وذلك أن الله تعالى يقول ( ولا تجسّسوا ) والنبيّ عليه الصلاة والسلام يقول ( من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) وهكذا قال القوم ( وغضّ الطرف إن عثر ) أما إذا اعتبرت كون حصول ذلك لك من المكرومات والإجتباء والإختصاص فأنت ممكور به مستدرج بل هناك من الكشوف ما يكون فتنة لك حالكة ..
فليس إلاّ العمل بالكتاب والسنّة فمن خالفهما فهو زنديق أو معتدي فأدنى أموره أنّه عاص فمتى خالف أي أمر من أمور السلوك الكتاب والسنّة فلا بدّ أن تتركه جانبا أي لا تعمل به فتحكم وتقضي به على أنّه شرع من عند الله بل اتركه جانبا حتّى يأتيك تأويله قال تعالى لسيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم ( ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناكَ بالحقَّ وأحسنَ تأويلاً ) لذا ترى حرص مشائخ الطريق على شرع الله تعالى أعني المأذونين منهم فإنّ أحوالهم الظاهرة شرعية كاملة لا زندقة ولا شطح ( طريقنا فلا جدال ولا نزاع ) وإنّما ترك من ترك الطريق وراء ظهره وأضحى يتّبع خرافات وأوهاما ما أنزل الله بها من سلطان بسبب نقص علمه بالقرآن والسنّة وبالشريعة المحمدية
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه : ( وإلى ذلك يشير قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي حتى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله )
فاستدلّ له إلى ما ذهب إليه بالآية الشريفة حتّى لا يدخل عليه فسق ولا زندقة للقول المشهور ( من تشرّع ولم يتصوّف فقد تفسّق ومن تصوّف ولم يتشرّع فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقّق ) فذكر له هذا في الشريعة ( إيّاك نعبد ) وفي الحقيقة ( وإيّاك نستعين ) لأنّ ذلك كما قال رضي الله عنه (وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه ) لقوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) يعني هنا أن يسيّر عليه المريدين لذا قال له (وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما ) فلا تسير بالفقير إلاّ على طريقيهما شريعة و حقيقة ظاهرا وباطنا فلا يزيغ عن هذا إلاّ هالك فأكّد له ذلك مرارا وتكرارا بقوله أيضا ( وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي )
أي أنا أيضا أسير عليه كما سار عليه أستاذي من قبلي إذ أنّه أوصاني به كما قال سابقا ( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي ) ثمّ أشار إليه أنّ ذلك هو طريق الله المستقيم وأنّه طريق جميع الأنبياء والمرسلين فقال له ( حتّى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله ) لقوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فهذا الذي أوصى به مريده فنعم مثل هذه الوصايا
أمّا ما نراه اليوم في بعض البلاد بل وفي بلادنا لا يقابل مثل هذه الوصايا حتّى أنّني قابلت أحدهم وهو يتبع أحد المتصدّرين للتربية والإرشاد فقال لي : قال لنا مقدّمنا إذا أردت أن تأخذ شيئا فاعتقد أنّ الله هو الذي يأخذه ( لا يقصد المعنى الشرعي وإنّما يقصد أنّه ...) ثمّ جاء أحدهم فقال : أنا في عالم البقاء فقيل له من أين لك هذا فقال : قال لي شيخي ذلك ... ومنهم من لم يطاوعه مريده فأضحى يرسل إليه إرساليات الجنّ كي يقلقه في نومه وبيته فأدخل عليه الأمراض والعلل والأوهام والخرافات وجر عليه الخوف والرهبة وكل هذا لا يستقيم في دين الله تعالى ...
هذا كلّه شاهدته بعيني فنقول ليس هذا دين رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا طريق سيدي محمد المداني ولا سيدي إسماعيل ولا الشاذلية رضي الله عنهم فحاشاهم من هذا وكذلك جميع طرق أهل الله الصحيحة ...
إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
- على الصوفي
- عضو نشيط
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد