رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر7

04 يونيو 2019 01:00

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 7
كتب الأستاذ علي الصوفي:
حِكم الليل كثيرة، لذا قال له: ( قم الليل )، لأن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ليجيب الداعي، فكان لا بد من النزول. فالليل هو ليل النزول والتنزيل، لذا قال: ( تنزّل الملائكة والروح فيها ).
فكان النزول أيضا للملائكة بنزول القرآن بأمر ربهم، لأن عالم الأمر من خصائص الروح، لذا قرنَ نزولَ القرآن في هذه الليلة بعد تعظيم شأنها بتنزّل الملائكة والروح، وكأنه يشير إلى أن نزول القرآن من جنس الروح، لذلك نزل به الروح الأمين على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل به غير الروح الامين ولا على قلب غيره، عليه الصلاة والسلام.
فكان تنزّل الملائكة أمرا أكيدا في هذه الليلة، وإنما ذكر معها الروح لأن الأرواح من جنس الملائكة في جولانها بنزول القرآن في ليلة القدر على قلب النبي صلى الله عليه وسلّم؛ وبما أن القرآن نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فالأمر بالنسبة للملائكة والأرواح يتبع أمر القرآن، أي نزولهم يكون على قلب محمد صلى الله عليه وسلّم، لأن قلبَه الشريف المقصودُ به حضرتُه الشريفة، وهو عالم جمع الصفات فيه المذكور في قوله: ( ان الله وملائكته يصلّون على النبي )، فما قال الرسول بل قال النبي، لأن النبوة هي مقامُه الشريف، والرسالة تكليفُه بالخلافة والنيابة في مقام الأسماء.
ولذا قال:( إني جاعل في الارض خليفة ). فذكر عالم الأرض، أي هو خليفة في الأرض كناية عن الأسماء. وإنما كان الإنسان خليفة في الأسماء، لأنها مجال الصورة والشكل والمثال وقبول التغيّرات والانفعالات، والله تعالى لا يقبل في حقه كل هذا، لأنه منزّه عن الشبه والمثيل، فكانت خلافة الإنسان مجالَ الإله بنفسه في عوالم الظهور من حيث مراتب الصفات التي هي عوالم الأرواح والملائكة.
أما عوالم الأسرار فهي مجال الأسرار، وهي أمر مخفي. وقد أشارت آيات بيّنات لذلك. فكان الاجتماع بين نزول القرآن ونزول الملائكة والروح في قلب محمد صلى الله عليه وسلّم، وهذا هو عرس الحضرة المحمدية التي ستنجلي حقائقُه في الشفاعة الكبرى يوم القيامة، فالشفاعة هي الحقيقة المحمدية، أما سجوده تحت العرش والثناء عليه سبحانه بتلك المحامد التي يُلهَمها وقتها فلأنها من عين الذات، فهي من حقيقته الأحمدية التي هي منتهى العبودية وكمالها.
لذا قال: " اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي." والربيع هو فصل زمني أراد دوامه في قلبه، وهو كناية عن ليلة القدر السالف ذكرها، لأن الليلة مدّة زمنية، ولا يقابلها إلا فصل الربيع، لتعدّد حُلل الأرواح وتيجان الملائكة وحلول البركة والخيرية فيها، لذا قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ). وقال تعالى: ( تنزل الملائكة والروح فيها ).
فجمعتهم كلمة " فيها،" فكان الأمر متجانسا من حيث إذن الله لهم، ومن حيث " من كلّ أمر،" وهذه المرتبة نازلة عن مرتبة نزول القرآن، لذا قال: ( تنزّل الملائكة والروح)، لأن التنزّل وقع بالإذن من عالم الأمر، لأن القرآن من حيث نزوله له حكم الأرواح، أي تدركه الأرواح في تلك المرتبة، لذا كانت ليلة القدر ليلة مباركة. وهذا من الفضل الالهي على عباده، تنزّل لهم ليعرفوه بالعبادة التي هي مظاهر وطرق وسبل المعرفة وأبوابها.
وهذه الليلة حالة ليست بالأصلية، أي إنها حالة غير دائمة، لأن الدوام لله تعالى وحقائقه المجرّدة، فكان جهل إبليس بالله تعالى لا يخفى على الناظر رغم دعواه العلم. أما الملائكة فقد تبرّأت من أقوالها، ونسبت العلم إلى الله، ونجَت من الابتلاء الذي وقع فيه إبليس لعصمتهم السابقة، وليست العصمة إلا للملائكة بعد النبيئين، أما أهل الله تعالى فلا عصمة لهم، بل هم محفوظون، وهذه درجة نازلة عن العصمة، لعدم موافقة تركيبتهم تركيبة الملائكة من المقام المعلوم، وعدم الترقي في المعلومات بالذات، إلا ما شاء الله تعالى.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد