رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 6

03 يونيو 2019 05:28

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 6
كتب الأستاذ علي الصوفي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه.
وبعد :
فإنّ معاني القرآن لا حصر لها، وهذا مبيّن بصريح الآيات وصحيح الأحاديث الثابتات. والغريب العجيب أن القرآن العظيم الذي لا تنقضي عجائبه تخرج معانيه إلى الظهور دوما بحسب قوله تعالى: ( كلّ يوم هو في شأن )، وبحسب قوله تعالى :
( فأينما تولوا فثمّ وجه الله ).
فانظر كيف لم يقل " فثمّ الله " بل قال ( وجه الله )، فكان اسم الجلالة الجامع مضافا إلى الوجه، فالمعتبر الوجه وهو الإطلاق، وليس النِّسب والمراتب، لذا قال له زيادة في العلم: ( يريدون وجهه ).
فأضاف هنا إلى الوجه " هاء " الهوية المطلقة، فكان من المُحال إدراكه على نهاية النوال. وهذا من الإعجاز التوحيدي، وأنه ما عرف اللهَ أحدٌ من خلقه إلى أبد الآباد، فكيف تُوحّد من لا نعت له ولا وصف ولا مكان ولا زمان ولا جهة ولا كيف.. وإنما غاية المعرفة معرفة النسب، كما أوضحته في مقالة سابقة، فهذه نهاية العارفين؛ والنسب مقيدة بالأسماء الظاهرة، والصفات مقيّدة بالأسماء الباطنة مثل اسمه " هو،" وكيف يتمّ إدراكه بعد نسبة اسمه " هو ." وهذه الهوية لا تدرك إلاّ مضافة إلى اسم من أسماء نسبه، فلو لم تكن مضافة لما وقع على النسب الإدراك أبدا.
فليلة القدر هي نسبة من نسب الإضافة إلى القدر المذكور (إضافة لليلة)، فلولا القدر لما وقع إدراك تلك الليلة، والمضاف إنما يذكر بإضافته، فلو ذكر من غير إضافة في هذا المحلّ لاحترق.
وليلة القدر: أي كناية على أن الليل ساتر، وهو الحجاب عن إدراك حقيقة المضاف إليه -وهو القدر-، إذن فكان لا بد من ليلته ليخرج متستّرا فيها، قال تعالى: ( ليلة مباركة ). وقال تعالى: ( فيها يفرق كلّ أمر حكيم ).
فكان حكم الجلال في هذه الليلة -التي هي ليلة القدر- في طي حكم الجمال، بمعنى أن القدر والأقدار حلّت متزيّنة كالعروس، لذا كان مسكن العارف بالله في مجاري الأقدار فلا يظهر منه إلا كلّ جميل، لذا قال تعالى: ( يفعل ما يشاء ). لأنه لا يفعل إلا بالحكمة وجمال العلم في ليلة السلام والقيام والمغفرة، فها إنّي فتحت لك بابا -لأني أحبّك- تدرك به جمال الأقدار، لذا قال سيدي ابن عطاء لمّا أدرك هذه الحقيقة: " أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرُك لم تقم به أنت لنفسك."
فكانت الأقدار في الحقيقة كلّها جميلة، فلماذا تزعج نفسك ولا ترضى عن حالتك، وأنت تسعى في الأرض وتلتمس هذا الجمال في الأقدار، لذا قال سيدنا عمر: " أفرّ من قدر الله إلى قدر الله." وهذا المقام أعظم من المكوث في قدر الله الذي ذكره أبو عبيدة رضي الله عنهما جميعا.
وعليه تعلم حكمة الليل، فقد أشرت لك إلى ذلك، فهل تحسّ خفّة الليل عليك وثقل النهار لتعلم أسرارا وأنوارا؟ لذلك كانت هجرته عليه السلام لما أخفى وقتها في الليل، وكان عرُوجه في الليل، وهجرتُه في الليل، ونزول الوحي في الليل، وإسراؤه في الليل..
ولذا قال له: ( قم الليل )، لأن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ليجيب الداعي، فكان لا بد من النزول. فالليل هو ليل النزول والتنزيل، لذا قال: ( تنزّل الملائكة والروح فيها ).
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد