رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 3

30 مايو 2019 02:52

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 3
كتب الأستاذ علي الصوفي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الستّار الغفار.
قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ).
فلولا نزولـُه لما أحسنَت ليلةُ القدر قبولَ هذا النزول، فقد قبِلت القرآن من حيث نزوله، وليس القرآن من حيث عدم نزوله، فكان النزول في ليلة القدر، لأنه محال أن ينزل في غيرها من الليالي، لأنها الليلة الوحيدة المقابلة لذلك اليوم الوحيد المَقول فيه: ( وإن يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون ).
ولا نسبة بين ليلة القدر وبين الليالي الأخرى، فليس في القرآن مقارنة أصلا بينها وبين غيرها من الليالي، ولذا لما ذكر فضلها لم يقل سبحانه: "خير من ليلة ألف شهر".
فلم يَعنِ بذكر الليلة ذكرَ تميّزِها عن الليالي الأخرى، فجنس هذه الليلة وحقيقتُها ليس لها قياس مع الليالي الأخرى، بمعنى أنه قال تعالى: ( خير من ألف شهر ).
ومعروف أن الشهر يحتوي على أيّام وليال، والحُكم لليوم وليس للَّـيْل، فالخيرية وقعت على اليوم وليس على الليلة، لأن الليلة تابعة لليوم: ( ولا الليل سابقٌ النهارَ). فالمراد أن ليلة القدر -المرموز لها بقلب الحضرة المحمدية- هي في الشاهد خيرٌ من أيام العارفين بأجمعهم في ألف يوم من أيامهم، أي في معرفتهم وأرواحهم وأسرارهم، مقارنةً مع هذه الليلة التي أُنزل فيها القرآن ونَزل على قلب الحبيب.
فلم يُرِد بذكرها تفضيلَها على اللّيالي الأخرى، بل لا وجود لِلَيالٍ أخرى، إذ إنها منها خرجتْ ليالي العارفين وغيرهم، أي حقائقهم، لذا قال عنها سبحانه: ( فيها يفرق كل ّ أمر حكيم ).
فذكر الأمر من عالم الأمر لذا نعته بالحكمة؛ ثمّ إنه ذكر الفرق، أي عالم الفرق بعد أن كان جمْعا في الحقيقة الإلهية، ففرّقته الحضرة في الحقيقة المحمدية، ومن هنا كانت الخلافة المحمدية، وذلك بتفريقه في عالم الأسماء، فكان نائبا عن الحضرة في الخروج في مظهر الأسماء، وهذا الخروج لم يَخرج به غيرُ الإنسان.
لذا أشار سبحانه إلى ذلك في مستهلّ الخلقة فقال: ( وعلّم آدم الأسماء كلها ). فأخبر عن الأمر من بدايته، ولهذا عارضه إبليس، فمُسخ إلى الشيطنة باللّعن، وهو الخروج من الحضرة، أي حضرة الجمال إلى حضرة الجلال، وهذا هو المسخ؛ فكان إبليس موجودا معنا في عالم الأسماء، لكنّه غير مَحسوس ولا ملْموس، لأنه غير قابلٍ للخروج في مظاهر الأسماء من هذه الناحية.
فكانت ليلة القدر عبارة عن تجلّي الله تعالى بصفاته المختلفة المُنبثقة من عَين الذات في الحقيقة المحمدية، ومن ثَـمّ تولّت الحقيقة المحمدية إبلاغ هذا القرآن للناس.
وهذا توضيح هذا الكلام:
وهو أن القرآن كلام الله تعالى قديم ليس بمخلوق، وعلى هذا كان سابقا لجميع الخليقة بما فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم؛ وإذا قرأنا القرآن الآن والسيرةَ النبوية نلاحظ أن النبي الأكرم عندما قال: دثروني، قال تعالى: ( يا أيها المدثر ).
وعندما قال: زمّلوني، قال الله تعالى: ( يا أيها المزمّل ).
فنلاحظ أن القرآن يخرج في سوره بحسب حالة النبي الأكرم، فكيف يكون هذا والقرآن سابقٌ في سوره لأحوال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم؟ أيكون السابق موافقا للّاحق؟ فهنا نفهم ما معنى تنجيم القرآن، وأنه نزل في أكثر من عشرين سنة، وما فيه من الحوادث، وأنه ينزل بحسب الأسئلة والأحداث والمستجدات.. رغم أنه كلام قديم غير مخلوق وسابق لكل كلام. وعلى هذا قلنا إن القرآن نزل صفاتاً على قلب النبي، أي معاني، وبعدها بحسب حالة النبي التي في قلبه يخرج القرآن من بين شفتيه، فيتلقاه أولا في حضرته المحمدية، ومن ثمّ يخرجه في الحقيقة الأسمائية من حيث إن الله هو المتكلّم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم، فكانت الأشكال هي الحاجبة عن معرفة حقيقة نزول القرآن.
فالقرآن نزل من الله تعالى على رسول الله به سبحانه.
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد