رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة جديدة: الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 1

28 مايو 2019 01:01

انتهتْ -بحمد لله وفضله- سلسلة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
واليوم نبدأ بحوله تعالى نشر سلسلة جديدة للأستاذ علي أيضا، عنوانها: الحور والدرر من أنفاس سورة القدر، فهي خاصة بليلة القدر.
وبالمناسبة نشكر كثيرا زميلنا في المنتدى وأخانا العزيز الأستاذ علي الصوفي على جهوده الكبيرة في الكتابة في هذا المنتدى المبارك.. ولوجه الله، لا يبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. فالله يجزيه عنـّا كل خير، والله يجزي أحسن الجزاء شيخَه وشيخنا الأستاذ فتحي السلامي حفظه الله كل خير، فأنتَ إذا رأيتَ المريد وحاله قلتَ: نِعم الشيخ شيخه.

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 1
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الساري مددُه بلا كيفية: (ليس كمثله شيء).
والصلاة والسلام على النور المبين بجميع حقائقه وعلى آله في مشارقه ومغاربه،
وبعد :
فبداية السيرة انطلقت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر). أما بداية المسيرة فكان انطلاقها بقوله تعالى: ( اقرأ ).
وهذا يجرّنا الى الحديث عن معاني هذه المسيرة قبل السيرة، فكان لا بد من ذكر مناسباتها وأحوالها ودلالاتها التي لا تنفك عنها.
ثمّ إن الله تعالى أخبرنا أن نزول القرآن كان نزولا كاملا بمُجمله في مسيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم، وأعني بذلك في مقام نبوّته المقدسة الشريفة، وهذا ما نلمسه اذا تفكّرنا في قوله تعالى: ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ). فهذا إخبار بنزوله جملة واحدة في ليلة واحدة بصريح النص.
وبما أن هذه الأيام تُعد من ليالي التماس ليلة القدر فيها بصريح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أحببت أن أفيض بما يتلوه فهم العاجز بهذا الخصوص لمناسبته هذه الأيام الشريفة.
قال تعالى في سورة القدر: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ).
أي كل القرآن اذا أرجعنا الضمير الى القرآن في قوله: ( أنزلناه ).
ولاحظ أننا لو كتبنا الكلمة هكذا " أنزلنا " لبقي معنا الضمير مبهما لا يُدرى له كنهٌ، إلّا كنه الغائب، أي الغيب؛ وحرف " الهو " هو ضمير إشاري يراد به القرآن، لذا لا نُحسن أن نَفصل الضمير المفعول به عن الفعل والفاعل، لأن الفعل صادر من الفاعل على المفعول به، والفاعلُ عند قيامه بالفعل ذُكر بصيغة الجمع " نحن " مِن حيث اعتبارُ صفات الفاعل غير المنفصلة عنه ولا المتصلة به. وهذا ما نلاحظه، لأن القرآن كلام الله، وكلامه صفته النفسية، فكيف يقع عليها الفعل، والفعل إنما قام بالصفة، فنفهم تقدير الفاعل بضمير "نحن."

ولذا قال: ( إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون ).
ولذاك سُمّي القرآن بــ: "التنزيل." فنفهم من هنا أن القرآن وقعَ عليه فعلُ التنزيل، أي أنه كان قبل ذلك غيرَ مُنزّلٍ، فزاد عليه فعل التنزيل؛ ومن هنا وقع فهمُه وتدبّره وقراءته، فلولا هذا النزول بالتنزيل -من فعل أنزل- لما وصلـَنا القرآن رغم وجوده، لأنه صفة دائمة بدوام الذات. فانتفى قولنا: إن الله تعالى تكلم بصوت وحرف، ويتكلم ويسكت؛ فهذا محال بالدليل القطعي، وإنما لمّا وقع به التنزيل صار فيه الحرف والتقاطيع، لذا ذكر المُنزِل نفسه بصيغة "نحن" في هذه الآية، لأنها تتضمّن الذات والفعل والصفة، أي ظهر حكمُ الصفة والفعل، وبرزا إلى الظهور، فظهر القرآن في تلك الصورة الأسمائية، وذلك بقوله تعالى: ( اقرأ).
وهذا نهاية الإعجاز القرآني في تنزيله.

ولما كان الأمر على هذه الكيفية، كان ظهورُ المُسمّيات ضرورية أبدا، وهي الأشكال والصور والهيئات، فكان نزول ألفاظ القرآن من جنس خَلق الإنسان، وأنه آخر المخلوقات بصورته وأوّلهُم بمعناه، فكان الأمر بنظام محكم. وهذا معنى الكلام الرباني في وجود المخلوقات كلها في العوالم كلها.
فحقيقة الإنسان المعنوية قبل النزول الى الأرض هي بنفس حقيقة القرآن المعنوية قبل نزوله إلى الأرض، لذا قال سبحانه: ( فإما يأتينّكم منّي هدى ).

إذ لا يصح نزول القرآن قبل نزول مُتلقّيه في المكان والزمان (وهو الإنسان). وباعتبار أن القرآن كلام الله تعالى فإنه يَطلب جنسَه ويتعلق به، أي في المكان والزمان؛ فكان المكان هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم، والزمان هو ليلة القدر، فكانا مِن جنس القرآن. والمراد بليلة القدر هي الصفات. لذا نزل جملة واحدة فيها، أي سرَت مدلولاته العلمية في الأكوان بحسب سريان الصفات فيها، فكأنهما شيء واحد عند الجمع. وأما عند الفرق فلا، لأن الفرق محلُّ ظهور الأسماء. وأعني بالجمع أي الفناء في الصفات المرموز لها بالحقيقة المحمدية. لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قرآنا يمشي على رجليه."
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد