رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان..(13): دلالة تقديم ذكر رمضان على القرآن في الآية

19 مايو 2019 04:22

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (13).
دلالة تقديم ذكر رمضان على القرآن في الآية:
كتب الأستاذ علي الصوفي:
قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ).
إن أبلغَ دلالة عند التبليغ والتعليم هو تعريفُ الشيء باسمه المُنطلِق عليه من حيث دِلالة الاسم على مُسمّاه حيث ظهر هنا اسمُ الشهر الذي أنزل فيه القرآن الذي هو شهر رمضان، لِما للشهور من علاقة بالأهِلّة، إذ لا تُعرف بداية الشهر القَمري ونهايتُه إلاّ بظهور الهلال، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإنْ غُمّ عليكم فأكمِلوا العدة ثلاثين )، فأشار لك هنا إلى مرتبة نزول القرآن وأنّه نزل إلى ركن الإسلام.
متى علمت أوْجُه النزول: نزول من عالم الإحسان إلى عالم الإيمان، ونزولٌ من عالم الإيمان إلى عالم الإسلام، ففي عالم الإحسان يكون القرآن شكراً بذكرٍ، وفي عالم الإيمان علما بِفهمٍ، وفي عالم الإسلام حكما بفِقه؛ فظهر اسم القرآن في عالم الإسلام، كما ظهر اسم مُناسبته مَقرونا به كظهور اسم شهر رمضان ( الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) مقْرونا بذكر القرآن.
فإذا علمت أنّ عنوان الأشهر القمرية هو ظهور الأهلّة التي ترمز إلى ركن الإسلام، بينما يرمز القمر إلى ركن الإيمان، حيث ظهرت مناسبة ركن الإسلام بمرافقته لركن الإيمان، فلا ينفصل إسلام عن إيمان، كما لا انفصال للهلال عن القمر، لاتِّحاد موضعهما، فجاءتْ مناسبة ظهور ذكر اسم شهر رمضان في عالم الإسلام لمناسبة ذكر اسم القرآن في عالم الإيمان، فكأنّ الإشارةَ أنّه لا انفصال لهلال الإسلام عن قمر التوحيد، فحمَل شهرُ رمضان شأنَ الأحكام كما حمل القرآنُ شأن الإيقانِ، ثمّ جاء الأمر بالصوم ليحمل شهر رمضان معاني القرآن إلى عالم الإحسان، فجاء تقديم ذكر وصف شهر رمضان على ذكر اسم القرآن كعنوان لما سَيدُلّ عليه التعليم في هذا السياق الحكيم.
وهذا بخلاف الآية الأخرى التي تقول: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )، فقدّم هنا ذِكر الفاعل بصيغة جمْع التعظيم ( نحن )، وأخفى المفعول الذي هو القرآن فأوْرده بصيغة ضمير غائب متّصل، لوجود علاقة ذلك الاتّصال بين الفاعل والمفعول، لكنّه أخّر ذكر اسم ليلة القدر رغم أنّها المقصودة بالآية، فحملت تلك السورة اسم ليلتها؛ فاعلم أنّ حقائق القرآن وأسراره وأنواره وُرِدت في الرَّسم الكتابي، وفي النحو والإعراب، وفي الاستعمالات اللغوية، وفي التقديم والتأخير، وفي الجمع والإفراد، وفي التركيب، وفي الخاص والعامّ، وفي المقيّد والمطلق، وفي الاستعارة والكناية، وفي الحقيقة والمجاز، وفي الظاهر والباطن، وفي الترتيب، وفي أسرار حروف الجرّ والأسماء الموصولة والمتّصل والمنفصل ...إلخ.. وهكذا.
فقدّم هنا ذكرَ اسمَ شهر رمضان من حيث أخفى ذكر خالِق ذلك الشهر، كما أخفى ذكْر مُنزل القرآن فيه، كما أخفى المنزَل عليه وذلك بالمبني للمجهول، لمناسبة حكمة ظهور خصوصيّة ذلك الشهر وخصوصيّة نزول القرآن فيه.. كي نَستوْعب تَعيّن صومه لما تُمليه الحقائق من حيث ركن الإسلام تشريعا وركن الإيمان طريقا وركن الإحسان تحقيقا...
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران