رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (12):رمضان ونزول القرآن على الحضرة المحمدية

18 مايو 2019 04:45

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (12).
رمضان ونزول القرآن على الحضرة المحمدية:
كتبه: علــي الصــوفي

قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.)
صرّح بذكر المنزَل الذي هو القرآن وزمانَ النزول الذي هو شهر رمضان، بينما أخْفى ذكر المُنزِل بالمبني للمجهول والمنزَل عليه، وهذا إشارة إلى ما تَستوْجبه ضرورةُ بيانِ قدرِ ذلك الشهر وتعظيمه الذي لن يُشرق كوكبُه وتُعرف خصوصيته عند ظهور ذكر المُنزِل والمنزَل عليه، لأنّ ظهورَ الحقائق الإلهية يُفني كلّ ظهور، إذ لا ظهور مع ظهور المَعبود، ولا وجود للغَيرية متى ظهرتْ خَمرةُ الشُّهود، بخلاف متى ظهرت أحكامُ الحَضرة المحمّدية من حيث تشريعُ الأحكام وبيان مراتبِ حقائق العالم من حيث وجود الإنسان ووجود أحكام خصائص المكان والزمان، متى علمتَ أنّ للتشريع علاقةٌ مباشرة بالإنسان من حيث وجوده في الزمان والمكان وما يجري عليه منهما، كركن الحجّ له وقت محدّد، وكذلك ركن الصلاة لها وقت محدّد، ووقت الصوم ووقت الزكاة... فتلك القواعدُ تدور بدوران السَّنة إلاّ الصلاة فتَدور بدوران الليل والنّهار، بينما علاقة الصوم بشهر رمضان علاقة دوران يومية خلال كامل الشهر، بخلاف لياليه لم يشرّع فيها الصوم ولا رغّبت السنّة في وصاله، فالصوم من حيث شهوره عبادة يومية وليست فريضة ليلية بخلاف الصلاة فحكمها أعمّ لعلاقتها بالليل والنّهار، أمّا الصيام فلا علاقة له بالليل إذ لا صوم في ليل ..
فمتى كان الأمر كذلك فقد استوجب صيام نهار شهر رمضان حتّى لا تختلط الحقائق بين الحضرة الإلهية والحضرة المحمّدية، وتظهر المفاسد بعد ذلك، متى علمتَ أنّ أوّل ما نهى الله تعالى عنه هو الإفساد الذي يُنتج الفساد في النفس والغير؛ وبارتِكابه من بني آدم كوشِف الملائكة فاستفْسَرت: ( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ... )، لذلك أشار لك في قوله من حيث التوحيد: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )، فالإخلال بالتوحيد طريق إلى الفساد والإفساد، بينما تحقيق التوحيد هو الإصلاح في الأرض: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )، أي يرثها المُوحّدون، متى علِمت أنّ هذا الوجود بأسره قام بلا إله إلاّ الله وأشرقت أنواره بمحمّد رسول الله، فمن حيث الحقيقة القدسيّة: ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ )، ومن حيث الحقيقة المحمّدية: " فحيث الْـتفَتّ رأيت الرسول وآثاره من هنا وهناك." لذلك صرّح الشيخ العارف أبو العبّاس المرسي رضي الله عنه بقوله: " لي كذا سنة ما حُجب عنّي رسول الله طرفة عيْن، ولو حجب عنّي طرفة عين ما عددتُ نفسي من المسلمين." فإذا كان هذا حالُه مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكيف بحاله مع الله تعالى ؟
فظهر هنا ذكر شهر رمضان لِما تَمايز به من خصائص عن بقيّة إخوته من الشهور الأحد عشر، كما ظهر كوكب يوسف على بقيّة كواكب إخوته الأحد عشر.
فإذا علمت أنّ القرآن نزل على الحضرة المحمّدية، فاعلم أنّ جميع العلوم والفُهوم والمعارف الظاهرة والباطنة نزلت من الحضرة الإلهية على الحضرة المحمّدية، ثمّ نزلت من الحضرة المحمّدية على مَن شاء الله تعالى من عباده الموحّدين الصالحين، فالأنوارُ حضرتُها محمّدية والأسرارُ حَضرتها إلهية، فتبايَـن أهلُ الله وتنافروا من حيث الأسرار لا من حيث وُرود الأنوار.
فتفسير القرآن وتأويلُه له من الوجوه : وجهٌ إلى الحضرة الإلهية، ثمّ وجه إلى الحضرة المحمّدية؛ فتجد القرآن كلّه توحيدا لأنّه نزل بنفَس توحيدي، متى علمت أنّه منزل من الله تعالى والله تعالى واحد أحد لا ربّ غيره ولا إله سواه، فاعلم أنّ أوّل مَشْرب تَذوقه من القرآن هو مشرب التوحيد إذ أعلى وصفٍ للقرآن على الإطلاق هو وصفُه التوحيدي المطلق قبل وصفه العلمي ووصفه الصدقي ووصفه الحكمي .. إلى آخر وجوه كمالات صفاته، إذ أوّل ما يشير لك القرآن هو رُجوع الأسماء والصفات إلى بَحر الذات، فلك من قراءات القرآن: قراءةٌ قبلَ الفتح وقراءة بعد الفَـتح: قراءة قبل الفتح تعبّدية وعلميّة، وقراءة بعد الفتح تعبّدية وذوقيّة معرفيّة، وشتّانَ ما بينهما، لذلك اختلفت مشارب الناس في القرآن الكريم وحقائقهُم لأنّه مرآة صورة أيّ عبد يقرأ فيه.
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ):
أي أُنزل القرآن قبل تعيّن الصوم وفَرضه فيه، كي تدرك أنّ القرآن هو هدى الشريعة وهدى الطريقة وهدى الحقيقة، فمتى علمت هذا أدركتَ أنّ السرّ كلّه في المُنزَّل عليه هذا القرآن، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلّم، لأنّ هُدى القرآن يسْتوجب وجودَ هادٍ به، وهذا الهادي قيل فيه: ( وإنّك لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ ... ) فهو يهدي بالقرآن ولا يهدي بشيء سواه ...
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد