رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> حداء الروح

12 يوليو 2017 06:34


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه

قال تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )

الروح أمرها عظيم وشأنها عجيب مخفي عن عامة الناس وعامّة خاصتهم
الروح تعني الحياة تنتقل إلى العوالم كلّها لا قرار لها إلاّ في دار القرار حيث كانت في عالم الغيب ثمّ أنزلت إلى عالم الشهادة ثمّ تنتقل إلى عالم البرزخ ثمّ ترجع إلى عالم الآخرة فمحطاتها كثيرة وشؤونياتها عديدة

ما جانسك متجانس مثلما جانسك في مسمى الروح من حيث عالم معناه :

- جانسك القرآن من حيث ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ )

- جانستك الملائكة من حيث ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ ) فمازال هذا النزول الروحي متواترا على القلوب من جهة المعاني والفهوم والعلوم

- جانسك من حيث الوجهة العيسوية ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) فما من بشر إلاّ وله وجهة وحقيقة عيسوية لذلك أشار القرآن إلى تلك الوجهة العيسوية حيث قابلها بالوجهة الآدمية ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) أي كما أنه فيكم من حقائق آدم الترابية ففيكم من حقائق عيسى الروحية الملكوتية

وأيضا كما تمّ نفخ روح عيسى في مريم العذراء بواسطة جبريل فقد تمّ نفخ الروح من قبل الله تعالى في آدم ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) فنسب سبحانه النفخ إليه من غير واسطة بخلاف نفخ روح عيسى في مريم تم بواسطة جبريل فلم تقع المقارنة والقياس من حيث روحانية آدم بل من حيث ترابيته ومادته العنصرية فهي التي ساواه فيها عيسى وإلاّ فحقيقة آدم الروحية أعلى من حقيقة عيسى

فرجع عيسى إلى آدم أبيه لأنّ آدم كان الخليفة وهو أبو البشر جميعهم كما قال عليه الصلاة والسلام ( كُلُّكُمْ لآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ) قال ( كلكم ) وما قال ( كلّنا ) فهو استثناء عليه الصلاة والسلام لأنّه القائل عليه الصلاة والسلام ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر ) فهو هنا يذكر بعضا من حقائقه المحمدية ويبيّن المقامات بحسب مراتبها عند الله تعالى

متى علمنا أنّ لكلّ نبيّ حقيقة فتقول الحقيقة العيسوية والحقيقة الموسوية فهي أصول داخل دائرة الأصل الأوّل الشامل الذي هو الأصل المحمدي القائل ( لواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر ) فهو أكمل من برز من المخلوقات في وصف الكمال الإنساني سواء الروحي أو الجسماني من حيث ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) فشمل الخُلق المعنى وهو أمر روحي بالأساس كما شمل الخَلق والإيجاد وهو معنى جسماني متى فهمت أنّ الخَلق والخُلق من نفس عائلة الإشتقاق - فافهم -

إنما تمّ رفع حرف خاء الخُلق وفتح حرف خاء الخَلق لرفعة معناه الخُلقي وتواضع معناه الخَلقي وأيضا رفعة معناه العلمي متى علمت أنّ أرفع درجات العلم هي الأدب وأرفع درجات الأدب هي الخُلق الذي هو من معاني الرحمة الشاملة التي هي دليل العلم فما سارت الرحمة في ليل أو نهار إلاّ واتبعها العلم مستنيرا بنورها لأنّ الرحمة سباقة ما سبقها شيء إذ لو سبقها من الصفات سابق لما أرسل رحمة للعالمين ولتأخرت درجته العلمية ومرتبته المقامية فافهم لذا أعلمك أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق التي لن يتمها سواه

- جانسك من حيث الوجهة الموسوية من حيث القوة والقهر ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )

فكان شأن الروح منك شأوا سماويا مجمع اللقاء مع عالم الأرواح إذ تلك وسيلتك للحاق بهم ووجدان ريحهم ( وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) وهي مجمع التعارف والصفاء كما ورد في الحديث ( الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ )

وهي مجمع الغرام والهيام والسلوة والبلوى والجروح والقروح والأنين والحزن والفرح والسرور فما في الكون من المخلوقات جميل وحبيب مثل الروح الخيّرة
هناك يأخذ جمالها منك الفؤاد تشهده في سواد عينها كعروس من وراء حجاب من معاني ( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) هناك تشهد غايات البراءة ورقة الصفاء والجمال الخلاّب الذي يذهب بالعقول إلى حانات الشراب والسكر

هناك يحلو الطرب وموسيقى العجب ويهتز كل شيء عند سكون كلّ شيء ويسكن كل شيء عند اهتزاز كل شيء ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ) لتعلق الطير بالجبال فافهم الخطاب ( قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ) حيث ماء الحياة

هناك يشكو الصب ويشكو حيث مجامع أهل الدلال والهجران والمخاصمة يكتب شكايته بماء العين

هناك مات الجماعة من غير موت مائة موتة وموتة فزعوا ورهبوا وصبروا وعلموا وجهلوا وحزنوا وفرحوا فتنازعتهم المتضادات وألقت بهم بين أمواج الخوف والرجاء والسراء والضراء والسعادة والشقاء هجم عليهم العجز من كل وجه وأحاط بهم الفقر من كل فجّ من حيث حضرة ( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )

هناك اندثروا ومُحقوا بكوا حتى انقطعت الدموع ونفذت من لياليهم الشموع كلما ازدادوا علما ازدادوا جهلا فسيرك في العلم ماهو إلا مدرك للوقوف على عظيم جهلك فكلما تقدم بك علم ناداك مناديه ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )

هناك حيث سهرة الشموع بين أطلال الدموع ناح الصب نواح الأبد فبانت الجراج وظهرت القراح فالنوح ما ناح به نوح على نفسه من وجه وعلى قومه من وجه آخر

هناك عالم لذات الروح وآلامها فيا شفقتي عليها في بلائها في كل عالم ترحل إليه فقلما يصفو لها وقت أو يخلو لها سمت تشهد ما هي فيه بأجمعها فما أحدّ بصرها وأرق سمعها مما زادها ألما

هناك يستجير الصب مناديا في ناي صدقه ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَ كُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) كما قال قائلهم ( يا ليت أمي لم تلدني ) ( يا ليت أم عمر لم تلد عمر )

فما بقي غير الصراخ والأنين كالشيوخ الركع والأطفال الرضع

هناك سيشكو الصب ويشكو من غير شكاية ولا كلام وإنما هو نظر وحزن عميق تشهده في سواد العين وأنين يسمعه القلب منك من القلب وصمت طويل كليل مخيف

هناك يدور رحى معركة الجلاء بين اللقاء والجفاء وبين السعادة والشقاء ..

إلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّــــي *** مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّــــي
يَظُّنُ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي *** لَشَرُّ الخَلقِ إِن لَم تَعفُ عنّـي
صورة العضو الشخصية
على الصوفي
عضو نشيط
مشاركات: 175
اشترك في: 21 إبريل 2017 03:15
آخر نشاط: 02 يناير 2022 12:51
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد