رياض الواصلين >> التصوف و السلوك >> سلسلة شهر رمضان .. مراتب الصيام 7

08 يونيو 2017 03:56

سلسلة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (7).

مــــــراتب الصيــــــام:

كتب علي الصوفي:

إن حكمةَ الصوم أن تُشاهد جميع الأوْجه التوحيدية في الآيات القرآنية التي تنزّلتْ في هذا الشهر جملة وتفصيلا على مَقام القلب ومَرتبته، كي تُثبِت كلّ الحقائق النِّسبيّة بالحقيقة الكليّة، فلا تدّعي لشيء شيئا.. فلا ألوهية ولا ربوبيّة إلاّ لله تعالى؛ فلا تَـتعلّق بشيء سواه على الدَّوام، فهذا ما تُعطيه الحقيقة، ولا تجعل الفرعَ أصلا أبدا، بل الأصل يبقى أصلا مَهْما ظهر الفرع أو لم يظهر، فمتى ظهر تأدّبنا معه بحُكم أنّه مِن الأصل تَفرّع، ومتى غاب عن النظر شُوهد الأصل وهو الغاية والحقيقة، فمتى وصلتَ إلى الأصل فأين الفرع منك: " من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت.
أمّا من لم يعرف هذه الحقيقة فلا يُـقتدى به في طريق أهل السلوك حتّى يلِـج الجمل في سمّ الخياط.
فإنّ الذين سيُحاربون المسيخ الدجال هم أهل القرآن وخاصّته، وهم أهل الصيام، فلا يَـلحقهم غُبار التَّدجيل من قريب أو بعيد، لأنّهم صاموا عن غيره تعالى مع الحقّ حيثما دار هذا الحقّ، فهم أهل مكر كبير بالدجال وأصحابه: ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ). وأرجو أن أكتب يوما ما في "علوم المكر والاستدراج" فما أغْوَرها من علوم، وما أدقّها وما أخوفها، وقد ورد: " لا تأمنوا مكري." والآية: ( فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون).
فالصوم:
بدايةً: صومُ العبد عن أكله وشربه – وهما أسباب عيْـشه- إشارة أنّها حجاب عن التوحيد وعن نزول القرآن وعن تلك الليلة وهي ليلة القدر، لِما في الجسم من طبائع ومادّة حاجِبة.
ووَسطا : صوم العبد عنْ أحواله ومقاماته لأنّها نفسية، فمن لاحَظها فهو مُفطر عند القوم لا بدّ له من الكفّارة.
ونهاية: صوم العبد عن ملاحظة الأكـْوان، وهو السِّوَى.
فهناك صوم الجسم، وصوم القلب، وصوم الروح؛ ولكلّ نوع آيةٌ، فمن صام الصوم الأوّل فحَسْب فله الرحمة، ومن صام الصوم الثاني فله المغفرة وهي أخصّ من الرحمة، ومن صام الصوم الثالث فله العِتق من النار، وحقيقة النارِ الحجابُ، فالنار الحِسية هي من آثار نارِ الحجاب وهي لسياسة الدواب (أي من غلظ طبعه وغرق في حسّه). فمن أُعتق أخذ حرّيته، فكان عبدا مَحضا متحرّرا من رِقّ السّوى، لأنّ الله تعالى طالبك بالعبودية التامّة، وهو هذا النوع من العتق، فالعبد لا يكون عبدا حتّى يكون عتيقا من النّار، لذا كانت الأيام العشر الأخيرة من شهر الصيام أيّامَ عتق من النار، بينما أوّلها نار الأكوان وحجابها، دلالة وإشارة إلى المسارعة إلى نَوال هذا العتق بما أنّ ليلة القدر -التي هي ليلة القرآن- أغلبها تكون في العشر الأواخر.
وهذا كلّه من باب الفَضل، وهو باب جَمالي وأنّ كلّ شيء جميلٌ، متى رأيتَ بعيْن الجَمع. أمّا متى رأيت بعين الفرْق، فكلّ شيء تراه بتلك العين غير جميل إلاّ متى نظرتَ بالجمع في الفرق، فكان القرآن لك وليس عليك: ( ويهدي به كثيرا) .
والخلاصة أنّ صيام رمضان -وهو شهر القرآن- الحدُّ الفاصل بين الألوهية وبين العبودية، وهو لقراءة الحقيقة المحمّدية بالنَّـفس الإلهي، فتُرجِع الفرعَ إلى أصله، فتتأدّب مع كلّ ما صدر من الحضرة لأنّه عند التحقيق ليس ثمّ سواها، ولكن يجب أن تقول في صفاتها: ( بسم الله مجراها ومرساها )، فتتلوّن مع الصفات ، وتـَـتمكّن في بحر الذات: "راسِخ القَدَم في حضرة القِدَم."
إلياس بلكا
عضو نشيط
مشاركات: 204
اشترك في: 22 إبريل 2017 14:35
آخر نشاط: 21 يونيو 2019 22:34
العمر: 55
اتصال:

العودة إلى “التصوف و السلوك”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران