رياض الواصلين >> الحديث وفقه السيرة >> أهمية تدبّر السنّة النبوية

06 مايو 2017 15:11

بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على من أرسل رحمة للعالمين و آله

قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا )


من جملة التدبّر أيضا تدبّر الأحاديث النبوية لقول الله تعالى ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) و إن تعسّف بعض الغلاة في نفي كون جميع ما نطق به رسول الله صلى الله عليه و سلّم هو وحي من عند الله تعالى و جادل في ذلك لعدم وجود نور تدبّر القرآن و لا السنّة عنده فكذلك الأمر فسيجد إختلافا في أحاديثه صلى الله عليه و سلّم ..

فكما أنّ القرآن الكريم ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَ يَهْدِي بِهِ ) فكذلك أحاديثه عليه الصلاة و السلام يهدي الله تعالى بها كثيرا و يضلّ بها كثيرا لأنّها من جنس القرآن متى علمت كون السنّة هي أفعاله و أقواله و تقريراته و أوصافه عليه الصلاة و السلام فبهذا يرى العارفون رونقا ظاهرا على الكلام النبوي فيميّزونه بقلوبهم و ببصائرهم عمّا سواه من الكلام لأنّ الحديث النبوي إلى قسمين إمّا أنّ هذا الحدبث قاله رسول الله صلى الله عليه و سلّم و خرج من بين شفتيه و إمّا أنّه لم يقله صلى الله عليه و سلّم فلا ثالث لهذا التقسيم في الحقيقة الأصلية

لهذا تصدّر علماء الحديث لهذا المبحث في علم الحديث من حيث الرواية متنا و من حيث الدراية سندا و جرحا و تعديلا و ذلك لتنقية حديث رسول الله صلى الله عليه و سلّم من الكذب عليه و من الموضوع عليه حتى لا يدخل في الدين ما ليس منه لفظا و معنى ثمّ شرحوا ما صحّ عنه و فسّروه على حسب قواعد الدين و أركانه المتكاملة حتى لا يدخل في الدين ما ليس منه معنى ..

لذا حذّر عليه الصلاة و السلام من أمرين : الأمر الأوّل : من عدم تدبّر القرآن كما قال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ..) ثمّ وصف كون الضال و الخارج عن سنّته هو الدّعي الذي لا يتدبّر القرآن فقال مثلا في طائفة الخوارج التي تخرج في آخر الزمان كونهم ( يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم ) و كونهم ( يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهُمْ )

الأمر الثاني و هو موضوعنا : من عدم تدبّر كلامه عليه الصلاة و السلام خصوصا متى قرأت قول الله تعالى ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) و نحن نلاحظ في الآية لطيفة و هي قوله تعالى (ما ينطق عن الهوى ) فخرج كون ما يراد به هنا هو وحي القرآن لأنّ وحي القرآن لا دخل فيه لرسول الله عليه الصلاة و السلام بل هو يتلوه كما نزل لا يزيد فيه و لا ينقص بينما أقواله خلاف القرآن لو تسرّب إليها كونها ليست من الوحي لتسرّب الظنّ و الشكّ إلى الكثير من الأحاديث منها الأحاديث القدسية التي يرويها عن ربّه

لهذا حمل الصحابة جميع كلامه عليه الصلاة و السلام على كونه حقّا لا ريب فيه و على هذا الإعتقاد عاشوا و عليه ماتوا لأن الناس اليوم لا يفرّقون بين معنى الوحي و معنى الحقّ فرسول الله صلى الله عليه و سلّم قد يقول قولا من الحقّ لكنّه ليس من الوحي فأقواله كلّها لا تخرج من كونها حقّا لا ريب فيه و لا يلزم من كونها حقّا أنّها وحي من الأحكام أو الكلام أو الإلهام أو المنام و هذا سنذكره بتفصيله إن شاء الله تعالى و سنعطي مثالا سريعا و ذلك كفي قصّة تأبير النخل فلمّا أخذ الصحابة قوله عليه الصلاة و السلام على ظاهره من حيث عدم جدوى تأبير النخل فلمّا جاءت شيصا أخبروه صلى الله عليه و سلّم عن ذلك فبيّن لهم كونه ظنّ ظنّا أي كونه لم يأمرهم أمرا شرعيا بترك تلقيح النخل

بل أخبرهم بحسب ما ظنّه و هو في تلك الحالة التي ظنّه فيها و التي أخبر عنها الأولياء و منها سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه القائل أن مشهد رسول الله صلى الله عليه عندما مرّ على صحابته و هم يؤبّرون النخل كونه كان في عالم الفناء أي في شهود عالم الحقيقة من كون محو الأسباب و أنّه لا فاعل إلاّ الله فكان فانيا في الأفعال الإلهية و هذا و إن كان ليس هو عين الجمع بين الشريعة التي هي للأسباب و بين الحقيقية التي تشهدك فعل المسبب عند الأسباب إلاّ أنّه مشهد حقّ و صدق و كون الأسباب لا نفع لها و لا ضرّ حقيقة

كما قال لعبد الله ابن عباس و قد كان عليه الصلاة و السلام في شهود سابقية العلم و كون المقدّر واقع و كون الأسباب فانية في ميزان التحقيق ( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَ إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَ جَفَّتْ الصُّحف )

لذا كان قال تعالى ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) أي لا أهواء نفسية له في قول هذا القول أو ذاك أي لا ترد على قلبه الخواطر النفسية أو الشيطانية لذا قيل كون السوء لا يخطر على قلبه فلا يقول إلاّ حقّا لعصمته فما قاله في حالة شهود الأفعال هو من الحقّ و في حالة شهوده السابقة فكلامه حقّ و لكنّه لا يكون تشريعا فلا تأخذ به كتشريع و لكن تأخذ به كحقيقة فهو حقّ و وحي من حيث أخذك به كحقيقة و ليس هو وحي من حيث أخذك به كحكم شريعة حتى أنهم قالوا فيه ( كان يمزح و لا يقول إلاّ حقّا ) أي لا يقول إلا حقّا من حيث كونه حقيقة في أصناف الحقيقة المتنوّعة و ليس كشريعة

أي ليس هو من أصناف وحي الأحكام لهذا حمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كلامه صلى الله عليه و سلم و حركاته و سكناته كونها كلّها حقّا لا ريب فيه حتى في مظهره الخارجي و في حياته اليومية و شؤونه الحياتية و إنّما أختصّ التشريع بالأحكام الدينية بينما تجاوز الحقيقة للأحكام الدينية و الدنيوية على حدّ سواء لهذا طالبهم بأخذ أحكام الشريعة و عدم التوقّف مع أحكام الحقيقة لأنّها حمّالة أوجه فهي مشاهد و كشوفات لذا قال الإمام سيدي أبو الحسن الشاذلي إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب و السنّة فاعمل بالكتاب و السنة و ذر الكشف جانبا

أمّا كلامه صلى الله عليه و سلّم فله من الحضرات ثلاث حضرات :

- الحضرة الإلهية :

1 : وحي صادر من الحضرة الإلهية و هو أقسام منه وحي الأحكام و منه وحي الكلام و منه وحي الإلهام و منه وحي المنام

و سنورد بإختصار شاهد لكلّ صنف من أصناف الوحي الأربعة :

الأوّل : وحي الأحكام التي نزلت في القرآن و قد ألّف جماعة من العلماء في هذا الباب منهم القاضي ابن العربي رحمه الله تعالى في كتابه ( أحكام القرآن )

الثاني : وحي الكلام و هو يؤيّد في كلّ وجه أحكام القرآن ككلامه تعالى لسيّدنا موسى عليه السلام الذي كتبه في الألواح فهو وحي كلام صدر عنه حكم كفي قصّة المعراج حيث فرضت الصلاة خمسين صلاة رغم أنّ عامّة الأمر بالصلاة موجود في وحي الأحكام في القرآن لكن خاصية الأمر وردت في وحي الكلام فكأنّ وحي الأحكام للأعمال و وحي الكلام للأحوال و من هنا قال كلّ عارف حدّثني قلبي عن ربّي كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( وهب لنا مشاهدة تصحبها مكالمة ) بخلاف سيّدنا موسى فهو في أثناء المكالمة سأل النظر من سطوة حال القرب عليه السلام

بينما سأل الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه مشاهدة ( و ليس نظر ) تصحبها مكالمة و هذا أمر مختلف لكون الكلام أخصّ من وحي الأحكام لتعلّق الكلام بمجال القرب إذ لا واسطة فيه بخلاف وحي الأحكام واسطته الملك ( سيدنا جبريل عليه السلام ) فلمّا تعلّق الكلام بالقرب تعلّق السؤال بالنظر مع إختلاف بين المشارب فيما بين أهل الله تعالى سواء من ساداتنا الأنبياء أو ساداتنا الأولياء عليهم جميعا السلام مع التنبيه على علو درجة الأنبياء على درجة الأولياء لأنّ الأنبياء معصومون بخلاف الأولياء فهم محفوظون وربّما متى شاء الله تعالى كتبنا حول هذه الفروق بين النبوّة و بين الولاية لكوني قرأت تخبّطا كبيرا في ذلك من طرف عدد من مقتحمي هذا الميدان بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير

الثالث : وحي الإلهام و هو المعبّر عنه عند النبي صلى الله عليه و سلّم بقولنا فيما يرويه عن ربّه و هو الحديث القدسي و أغلب تعلقاته ليس بوحي الأحكام بل بمعرفة الله تعالى سبحانه خصوصا معرفة صفاته العليا المقدسة كالحديث الوارد فيه ( فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به و....الحديث ) فهذا من أحاديث الصفات بابه باب وحي الإلهام و في هذا المجال شارك الأولياء رضي الله عنهم الأنبياء في هذا المقام و لكن ليس على نفس درجة الأنبياء متى علمت الفروق بين الصنفين من حيث العصمة من عدمها

لهذا تعيّن تفسير حدّ الشيطان في نفثه و معرفة خواطره إجمالا و تفصيلا و معرفة خواطر النفس إجمالا و تفصيلا في جميع المراتب حتى لا يلتبس على المؤمن النفث من الإلهام لقوله تعالى ( وَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) فكما أنّ العارف يكتب إلهاما من الله تعالى فكذلك صاحب الجدال فهو يكتب بنفث من الشيطان لهذا تعيّن تفسير هذا النفث و حضرة إستمداده و حيله و كيده و مكره ...الخ و لو لا كوننا في موضوع تدبّر الأحاديث كنّا فصّلنا طرفا و الله يحفظنا من الشيطان في خواطرنا ظاهرها و باطنها .. إنّما أكتب بإيجاز لأن تفصيل هذه المباحث يحتاج إلى أوراق كثيرة

الرابع : وحي المنام و هو كما يكون للأنبياء عليهم السلام فقد يكون للأولياء رضي الله عنهم كما قد يكون لعامّة المسلمين و خاصتهم لكن عند الأنبياء قد يكون منه ما هو من قبيل وحي الأحكام كمفردات الآذان فقد رواى الأئمّة كونها كانت رؤيا منامية لأحد الصحابة رغم كون تشريع الآذان للمناداة للصلاة سبق ذلك و لكن نتكلم عن تشريع المفردات ثمّ من هذا الوحي ما يكون من جنس الأحكام الخاصّة كرؤيا سيدنا إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده ومنه ما هو من قبيل الإخبار بالمقامات والأحوال كرؤيا يوسف عليه السلام و منه ما هو رؤيا لأحداث قادمة و هذا أمر كثير و مشهور لهذا قسّم النبيّ صلى الله عليه و سلّم الرؤيا المنامية كونها إمّا من الله فهي الرؤيا الصالحة و إمّا من الشيطان و هي الحلم و الحلم من الشيطان

و إنّما يحاول الشيطان الدخول و هو من اليائسين على صنفين من هذه الأصناف من الوحي هما وحي الإلهام و وحي المنام و بما أنّ الأنبياء معصومون منه فلا يدخل عليهم في أي مجال من مجالات ذلك الوحي لكنّه يحاول كلّ مرّة الدخول عليهم رغم علمه كون ذلك لا طاقة له به ولا يستطيعه لذا قال ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) و قد جاول مرارا و تكرارا لقوله تعالى ( و مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فهذه الآية و إن كان يراد بها عامّة المؤمنين من حيث حرص الأنبياء على صلاحهم و إيمانهم فلا تخلو من ظاهر كون الشيطان يحاول مع الأنبياء محاولات اليأس

كما حاول ظاهرا ضد النبي صلى الله عليه و سلّم في غزوة بدر لما إرتدّ هاربا حينما رأى جبريل و الملائكة معه و كذلك قوله تعالى ( وَإ ِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) لهذا قال سيّدنا أيوب و هو في مرضه عليه السلام ( و اذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَ عَذَابٍ )

يتبع ...


كتبه : سيدي علي الصوفي
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

08 مايو 2017 01:46

أمّا في المنام فقد أغلق الله تعالى دخول الشياطين على قلوب المؤمنين من حيث تمثّلهم في صور الأنبياء عليهم السلام بخلاف صور الأولياء فالشيطان يتمثّل فيها لهذا تحتّم وجود شاهد الشرع في جميع أفعال و أعمال من هم دون أهل النبوّة بما فيهم الأولياء لهذا أغلق عليه الصلاة و السلام باب مكر الشياطين و إيحائهم بقوله ( اثنان ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله و سنتي عضوا عليهم بالنواجذ ) فما تقرؤه في كثير من الأحاديث هو إغلاق لمداخل الشياطين و هذا سنأتي عليه بالتفصيل إن شاء الله تعالى

أمّا الأنبياء عليهم السلام فلعصمتهم فلا نطالبهم بالدليل الشرعي الذي يوافق الدليل العقلي ( بوجود الفهم القلبي ) كرؤيا سيّدنا إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده فهي رؤيا في ظاهرها تخالف المعقول و المنقول خصوصا متى علمنا حرمة قتل النفس على عمومها فكيف بقتل الولد على خصوصه و هي غلام و هو نعمة من الله عليه ثمّ هو فلذة كبده فمن منّا يستطيع أو يفكّر حتى مجرّد التفكير في قتل ولده ثمّ تلك القسوة التي يعطيها مدلول الآية من حيث الذبح لا فقط مجرّد القتل و الذبح هو شروع مباشر في قتل إبنه فهو أمر فظيع أما القتل فقد يكون من غير مباشرة كقتل عن بعد أو ضرب بحجرة كما في قصة قابيل

هذا كي تعلم أنّ منام الأنبياء هو كيقظتهم لا مزح فيه و لا ظن و لا شكّ لذا لما أخبر سيّدنا إبراهيم إبنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا قال له سيدنا إسماعيل عليه السلام ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ منَ الصَّابِرِينَ ) فأعانه على تنفيذ الأمر الإلهي فيه لأنّهما عليهما السلام ليس لهم عن أنفسيهما أخبار و لا مع غير الله تعالى قرار ثمّ كون إسماعيل عندما ذكر الأمر أجمله و لم يفصّل و نسبه للمجهول أدبا مع الله تعالى في أن ينسب إليه شيئا من صفات لا تليق بعظمته و لا بكماله فما قال تصريحا مثلا ( أفعل يا أبت ما أمرك الله به من ذبحي ) بل أخفى ذكر صفة الفعل و أخفى التعريف بالآمر للفعل نهاية و غاية الأدب مع الله تعالى

فكلامه صلى الله عليه و سلّم في أعلى مراميه و في حضرته الأولى صادر من هذه الحضرة الأولى بأصنافها الأربعة ثمّ سنذكر بعد هذا الحضرة الثانية التي هي حضرته المحمّدية أو تقول الحضرة الملكوتية الجامعة ثمّ نذكر الحضرة الثالثة و هي حضرته البشرية التي يقول فيها ( لَكِنِّى أُصَلِّى وَ أَنَامُ وَ أَصُومُ وَ أُفْطِرُ وَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّي ) و قال ( حبب إلي من الدنيا النساء و الطيب ، و جعلت قرة عيني في الصلاة )

و سنذكر إن شاء الله تعالى كون حضرته البشرية موصولة بحضرته المحمّدية و كون حضرته المحمّدية موصوله بالحضرة الإلهية لذا قيل ( محمّد بشر لا كالبشر بل هو ياقوتة و الناس كالحجر ) و من هنا تقاتل الصحابة على شعره و على وضوئه و على كلّ شيء صدر من ذاته الشريفة صلى الله عليه و سلّم

لهذا ألّف في حقّه العلماء و الشعراء العارفون و منهم الإمام البوصيري قصيدته الخالدة البردة و سارت الركبان بالصلاة عليه و زيارته و التبرك به و بآله في مشارق الأرض و مغاربها هذا كي تعرف رسولك و نبيّك صلى الله عليه و سلّم و كون نسبتك إليه يجب أن تكون في مراتبها الثلاث و إلاّ فأنت مدّعي لست منه في شيء صلى الله عليه و سلّم لهذا اتبع الناس أولياء الله تعالى السالمون من المحذور المحافظون على الشريعة و الحقيقة كما قال أبو العباس المرسي رضي الله عنه ( لي ست و أربعين سنة ما غاب عنّي رسول الله طرفة عين و لو غاب عنّي طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين )

ثمّ نذكر إن شاء الله تعالى أصناف المحدّثين و علومهم و علم الجرح و التعدليل و حقيقته و كون النور هو الكتاب و البصيرة هي السنّة ( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُّبِينٌ ) لذا لمّا ذكر سبيله الذي هو سنّته عليه الصلاة و السلام ذكر بصيرته و أيضا أتباعه ممّن إقتفى أثر سيرته و مسيرته ( سنّته ) الشريفة صلى الله عليه و سلّم فهي البصيرة كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحَانَ اللَّه وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )


كتبه : سيدي علي الصوفي
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

09 مايو 2017 04:36

اللهم صل علي سيدنا محمد النور وآله عدد كمال الله وكما ينبغي لكماله
alramady
آخر نشاط: معلومات غير متوفرة

10 مايو 2017 03:04

قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانيا الحضرة المحمّدية :

هذه الحضرة النبوية الشريفة لا تدلّ إلاّ على الله تعالى و لا توجّه العباد و خلق الله تعالى إلاّ إليه فهي حضرة نورية واردها وارد ملائكي من حيث الوحي لأنّ الواردات الإلهية واردات فناء فلا يدلّك الوارد الإلهي إلاّ عليه سبحانه تعالى لهذا لما ورد على قلبه صلى الله عليه و سلّم الإختلاء في حراء كان وارده إلهيا فلم يتوجّه إلاّ إلى ربّه صلى الله عليه و سلّم

حتى قالت قريش عشق محمد ربّه من حيث العبادات كما أنّهم وصفوه بالصدق و الأمانة من حيث المعاملات فعرفوه ثمّ جحده من لم يؤمن به صلى الله عليه و سلّم كحال اليهود حيث عرفوا نبوّته و تيقّنوا من رسالته صلى الله عليه و سلّم لكنّهم كفروا بذلك كبرا و حسدا من عند أنفسهم لأنّ علامات النبوّة و الرسالة تكون ظاهرة للقلوب كالشمس

و إنّما إختار الله تعالى لهم الظهور في وصف النبوّة و الرسالة لكونهم معصومين من تسلّط الشيطان فلا سبيل للشيطان عليهم كما إعترف إبليس لعنه الله تعالى بذلك وكذلك الكمّل من أهل الولاية فهؤلاء أيضا لا تسلّط للشيطان عليهم أي بالغواية و الضلالة لذا قال عليه الصلاة و السلام ( كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء غير أربع ..) فنعتهم بنعت الكمال وهو تمام الحفظ

فلا سلطة للشيطان على الكمّل و لا تسلّط و إنّما يخاف الرجال من شرور أنفسهم خاصّة لذا كان يستفتح صلى الله عليه و سلّم خطبه بقوله ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ..) لأنّ شرّ النفس عظيم

و إنّما إختار لهم الظهور لأنّهم قد سلموا من شرّها بعد عصمتهم منه فهم الأنبياء المعصومون بينما الرجال الكاملين ليسوا من شرّها في عصمة بل في حفظ و الحفظ مهما بلغ لا يصل إلى درجة العصمة لهذا كان إبليس لعنه الله تعالى عارفا ثمّ زلّ بسبب شرّ نفسه و كذلك كان السامري عارفا فزلّ بسبب شرّ نفسه و ليس بتسلّط الشيطان عليه

و قد اعترف بهذا تصريحا في قوله لسيدنا موسى عليه السلام كما قال تعالى (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) فما قال مثلا ( و كذلك زيّن لي الشيطان ) لأنّ التزيين من الشيطان شيء و التسويل و كذلك التطويع من النفس شيء آخر كما طوّعت قابيل نفسُه فقتل أخاه هابيل حيث قال تعالى (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

بينما التزيين غالبا ما يكون للظاهر من الشكل أو العمل أو المادّة متى علمت رنوّ نفس إبليس إلى عالم الظهور فوقع بصرها على أصل الخلقة المادية رغم شهوده كمال تلك الخلقة من حيث إستوائها بشرا سويا مع يقينه بنقصان علمه مقارنة معها كما قال تعالى (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) فهو رجع للإحتجاج و العناد بأصل الخلقة لأنّه فاقد لحجّة عالم المعاني فاحتجّ بعالم المباني بعد قول الله تعالى للملائكة ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )

فصاحب الحجّة الباطلة تجده دائما في دفاع عن نفسه و إلحاق التهم بغيره ثمّ كون إحتجاج أصحاب المذهب الشيطاني لا يكون بالمعاني بل غالبا ما يكون بالظاهر من المباني و المادة لكون صاحب الظلمة محجوبا عن عوالم النور التي هي عوالم معنوية فلا يشهد من نفسه و غيره غير الحسّ الظاهر شكلا و صوتا و صورة ذاتا و صفاتا

لذا دخل من باب التزيين الذي هو للظاهر و ميل النفس و الأهواء فجميع أحكامه عقلية ظاهرية كالمشركين مثلا قالوا ( وَ قَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) لكون شهودهم لا يتعدّى فهم الظاهر من حيث القوّة و العظمة فهم محجوبون عن عوالم المعاني فلو كشف لهم عن تلك العوالم لرأوا عظمة عالم الأرواح كروح النبيّ صلى الله عليه و سلّم و أنّ روحه أمّ الأرواح و كونه روحه أعظم الأرواح

و هكذا من حيث هذا الكشف فترى جبريل عليه السلام الذي يأتي إلى مجالس النبيّ عليه الصلاة و السلام في صورة بشر لمّا رآه صلى الله عليه و سلّم على صورته الحقيقية ليلة المعراج رأى له ستمائة جناح غطّى جناح واحد ما بين المشرق و المغرب

هذا كي تعلم إتساع عوالم الروح التي قيل فيها (و َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) أنظر كيف قال لك (وَ مَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) لمّا تعلّق الأمر بالروح كي تدرك غموض تلك المرتبة و عظمتها

فما شاهد الكفار غير العظمة الظاهرية و القوّة الظاهرية كما لم يشاهد إبليس لعنه الله تعالى غير قوّته النارية و ضعف تركيبة آدم الطينية لأنّهم لا بدّ لهم من ذكر خصيصة تميّزهم لكونهم فهموا من التخصيص و التفضيل هضما لحقوقهم و إعتداء على أهواء نفوسهم قال إبليس لعنه الله تعالى متوعّدا ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً )

فهو ظنّ أنّ آدم فضّله الله تعالى عليه هو فقط فلم يقل مثلا ( هذا الذي فضلت علينا ) أي عليه وعلى غيره كالملائكة لأنّه لا يرى غير نفسه لا يهمّه غيرها و لا يهمّه تفضيل آدم على غيره من عدمه و تخصيصه عليهم بل الذي يعنيه هو عدم تفضيله و لا تكريمه عليه فهو يريد تطويع الإرادة الإلهية و العلم الإلهي بحسب أهواء نفسه و هذا لا يكون لقوله تعالى (وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الأَرْضُ وَ مَن فِيهِنَّ )

فهوى النفس هي صورة الباطل المغلوطة التي أمرك الله تعالى بمحاربتها و عداوتها و ذلك بتزكية النفس و التخلّص من أمراضها و عللها فلا تتبع سبيلها و لا سبيل إبليس لعنه الله تعالى كي لا تسقط كما سقط إبليس لعنه الله تعالى في حضرة نفسه فهلك و طرد من حضرة العبودية وأهبط من الجنّة كما قال تعالى (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ )

لهذا لمّا إتّبع اليهود إبليس لعنه الله تعالى كان مذهبهم ماديا بحتا فجعلوا الكون يحتكم إلى المادّة من مال و قوّة فجعلوهما الفيصل بين الحقّ و الباطل و بين الرضا و السخط لذا قال بنو إسرائيل كما قال تعالى (قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ )

لكونهم لا يشعرون و لا يحسّون بمعنوية الاصطفاء و لا علم لهم بماهيات الحقائق الكونية و الدينية لذا قال تعالى (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ ) فالإصطفاء الحقيقي هو الإصطفاء بالعلم بداية و هو أعلى مراتب الإصطفاء كما إصطفى الله تعالى آدم بعلم الأسماء النوراني فجادل إبليس لعنه الله تعالى بعلم المادة الظلماني قال تعالى (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )

سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول فيما يرويه : ( متى أراد الله هلاك قوم جعل فيهم عالما فأهانوه ) لأنّ العلم شيء مقدّس مصون قال تعالى (وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا )

فكانت مشاهد جميع المشركين و الكافرين و المنافقين مشاهد ظاهرية مادية و أحكام عقلية ظلمانية و قياسات فاسدة فكرية فيما جادلوا فيه من الإيمان و الدين لا فيما وصلوا إليه من علوم تجريبية أو نظريات طبيعية لقوله تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) فأثبت لهم طرفا من العلم الظاهري بينما نفى عنهم الحضور و النور من علوم عالم الآخرة
يتبع ...

كتبه : علي الصوفي
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

11 مايو 2017 00:37

و إنّما ذكرت هذا بداية قبل الدخول في الكتابة في المعاني المرادة ليحصل الفرق بين المعصوم و بين غير المعصوم من العارفين و لو كانوا كاملين و أنّ درجة النبوّة درجة مصونة لا يجوز مخالفتها أصلا و لا الإستهزاء بها ثمّ نشرع بعد هذا في ذكر ماهيات العلاقة مع تلك الحضرة المحمدية كونها لها من المراتب ثلاث :

الأولى : مرتبة الطاعة : و هي بدورها على ثلاثة أقسام :

الأوّل طاعة في مرتبة الإسلام كما قال تعالى ( وَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

ثمّ طاعة في مرتبة الإيمان كما قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) و هي حضرة التسليم عند التربية من حيث الطاعة التي هي للأعمال لكون الطاعة شرّعت لتصحيح الأعمال في مراتبها الثلاث بينما شرّع الإتباع لتصحيح الأحوال في مراتبه الثلاث و سنأتي عليه عند ذكر المرتبة الثانية

ثمّ طاعة في مرتبة الإحسان و هي قوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )

الثانية : مرتبة الإتّباع

وهي خاصّة ما تكون لتصحيح الأحوال بعد تصحيح الأعمال عن طريق الطاعة في مراتبها كما قال تعالى من حيث تصحيح أعمال سيدنا داود و آله عليهم السلام ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) متى علمت كون الطاعة ضدها المعصية

و الإتباع مراتب ثلاث :

مرتبة مقام الإسلام كما قال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وكما قال سيّدنا إبراهيم عليه السلام لأبيه ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا )

ثمّ مرتبة مقام الإيمان كما قال تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )

ثمّ مرتبة مقام الإحسان كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

الثالثة : مرتبة التعظيم

وهي تكون ضرورة بعد الطاعة والإتباع خاصّة لأّنك متى عرفت عن طريق طاعتك لربّك بطاعتك لنبيّه وإتّباعك له قدره صلى الله عليه وسلّم وكرامته عند ربّه عظّمته ولا بدّ تعظيما كاملا يليق بالرسول النبيّ الخاتم الجامع الكامل

فكان تعظيمه على درجات ثلاث :

تعظيم له في مقام ركن الإسلام و هذا للعوام خاصّة وللخواص عامّة كما قال تعالى (لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

ثمّ تعظيم له في مقام ركن الإيمان كما قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

ثمّ تعظيم في مرتبة مقام ركن الإحسان كما قال تعالى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )

كتبه : علي الصوفي
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

13 مايو 2017 03:56


قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا )

ــــــــــــــــــــــــ



الواردات معنى أشمل من مجرّد الإلهام إذ قد يكون الوارد الذي يرد على قلب النبيّ أو الوليّ معنى يتعلّق بأمر أو حكم كما في قصّة الخضر مع موسى عليهما السلام فإذا علمت كون الخضر كان وليّا و هذا القول الراجح عندنا تعلم كون الواردات الذي وردت على قلبه كانت متعلّقة بأمر و الأمر تستوجب فيه الطاعة و الفعل فكانت وارداته ثلاثة أصناف صنف من الواردات الأمرية متعلقها مقام الإسلام حيث أنّه منع ظلم الملك الذي يأخذ كلّ سفينة غصبا فنسب فعل خرق السفينة إليه حيث منع بذلك الفعل الملك من الغصب و الظلم

ثمّ صنف في مقام الإيمان و هذا أعلى من الأوّل حيث يتعلّق وارد الحكم بالقتل من دون محكمة و لا قضاء و لا قيام حجّة بل و لا وجود لشروط قيام الحجّة كون الغلام نفسا زكية بغير نفس كما وصفه سيدنا موسى عليه السلام

ثمّ صنف في مقام الإحسان حيث أقام الجدار حفظا لكنز اليتيمين بسبب صلاح أبيهما فكان المقام الأوّل لتأمين الكسب و الرزق و الثاني لتأمين الإيمان و الثالث لتأمين المعرفة و الإحسان

فالوارد من حيث هو وارد متى ورد من الحضرة المحمّدية فهو يدلّك على منحيين خاصّة منحى في مقام الإسلام و منحى في مقام الإيمان متى فهمت أنّ الإسلام و الإيمان هما تفسير و تفصيل للإحسان تجد هذا في قوله تعالى ( وَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فذكر هنا مقام التفكّر بعد البيان منه صلى الله عليه و سلّم هذا كي تعلم حقيقة المربّي و المرشد صلى الله عليه و سلّم

لأنّ الواردات الإلهية لا علاقة لها بالكون بل علاقتها بالمكوّن سبحانه فهي لا تدلّك إلاّ عليه و لا تنيخ مطاياك إلاّ بين يديه أما ما سوى ذلك من الواردات النورانية فهي من الحضرة المحمدية لهذا عندما تريد تلك الحضرة المحمّدية الشفاعة في غير المؤمن لا يؤذن لها كما في صلاته على المنافقين و استغفاره لهم لنزول النهي في ذلك لأنّ الحضرة المحمّدية كاملة الأدب مع الله سبحانه و تعالى كما قال تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) فإذا علمت ورود الإذن عليه بالشفاعة و ذلك بإعطائه إيّاه تعلم كونه صلى الله عليه و سلّم مأذون في الشفاعة فلا حرج ان تسأله إيّاها سواء في حياته أو بعد إنتقاله صلى الله عليه و سلّم فشفاعته لأمّته عامّة و ليس هي مخصوصة لقوم دون آخرين إلا من حرم منها بسبب سوء أدب منه مع رسول الله صلى الله عليه و سلّم

كون لا وصول إلى مقام الإحسان و هو الإجمال إلاّ بالقيام بحقوق الإسلام و الإيمان مجرى التفصيل فهما باب الدخول إلى حضرة الله تعالى كما قال تعالى ( وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) كما قال فرعون رافضا الإيمان متعدّيا إلى التجسّس على حرمة مرتبة الشهود و الإيقان ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَ مَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) لهذا لمّا أدركه الغرق رجع إلى مقام الإيمان و الإسلام فأرادهما لكن لم يقبلا منه ذلك في قوله كما قال تعالى (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ )

فإذا علمت هذا تعلم أنّ الإسلام و الإيمان مناط الحضرة المحمّدية فجميع ما عند أهل الظاهر من علوم و فنون في العقيدة و الفقه و التفسير و الأصول هي من فيوضات الحضرة المحمّدية عليهم فتعلّقت الحضرة المحمّدية بالأعمال و هو من مقام الإسلام و هو للأجور و الإيمان و هو للنور لذا كان عمود الايمان معه صلى الله عليه و سلم

كتبه : علي الصوفي
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:


العودة إلى “الحديث وفقه السيرة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد