رياض الواصلين >> الحديث وفقه السيرة >> شرح الإمام النووي للأحاديث الأربعين النووية

28 إبريل 2017 00:40

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد النبي الأمي الكريم و على آله و صحبه

جاء في مقدّمة الإمام يحيى بن شرف الدين النووي رضي الله عنه :

فقد روينا عن بن أبي طالب و عبد الله بن مسعود و معاذ بن جبل و أبي الدرداء و ابن عمر و ابن عباس و أنس بن مالك و أبي هريرة و أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيرات و من روايات متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء و العلماء) . و في رواية : ( بعثه الله فقيها عالما ) . و في رواية أبي الدرداء : ( و كنت يوم القيامة شافعا و شهيدا ) و في رواية ابن مسعود : (قيل له أدخل من أي أبواب الجنة شئت ) و في رواية ابن عمر : ( كتب في زمرة العلماء و حشر في زمرة الشهداء )
يتبع إن شاء الله ..

آخر تعديل بواسطة نور الصفاء في 28 إبريل 2017 01:02، تم التعديل مرتان في المجمل.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

28 إبريل 2017 00:53

شرح الحديث الأول :
( إنـما الأعـمـال بالنيات وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى . فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه فهجرتـه إلى الله ورسـوله ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )

الشرح :

دل الحديث على أن النية معيار لتصحيح الأعمال، فحيث صلحت النية صلح العمل، وحيث فسدت فسد العمل ،، وإذا وجد العمل وقارنته النية فله ثلاثة أحوال:

(الأول) : أن يفعل ذلك خوفاً من الله تعالى وهذه عبادة العبيد.

(الثاني): أن يفعل ذلك لطلب الجنة والثواب وهذه عبادة التجار.

(الثالث): أن يفعل ذلك حياء من الله تعالى وتأدية لحق العبودية وتأدية للشكر، ويرى نفسه مع ذلك مقصراً، ويكون مع ذلك قلبه خائفاً لأنه لا يدري هل قبل عمله مع ذلك أم لا، وهذه عبادة الأحرار، وإليها أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالت له عائشة رضي الله عنها حين قام من الليل حتى تورمت قدماه: يا رسول الله !

أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً ؟). فإن قيل: هل الأفضل العبادة مع الخوف أو مع الرجاء ؟. قيل: قال الغزالي رحمه الله تعالى: العبادة مع الرجاء أفضل، لأن الرجاء يورث المحبة، والخوف يورث القنوط.

وهذه الأقسام الثلاثة في حق المخلصين، واعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله.

الحال الثاني: أن يفعل ذلك لطلب الدنيا والآخرة جميعها، فذهب بعض أهل العلم إلى أن عمله مردود واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الرباني: ((يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه)).

وإلى هذا ذهب الحارث المحاسبي في كتاب ((الرعاية)) فقال: الإخلاص أن تريده بطاعته ولا تريد سواه. والرياء نوعان: أحدهما: لا يريد بطاعته إلا الناس والثاني: أن يريد الناس ورب الناس، وكلاهما محبط للعمل، ونقل هذا القول الحافظ أبو نُعيم في ((الحلية))عن بعض السلف، واستدل بعضهم على ذلك أيضاً بقوله تعالى: ( الجَّبار الُمتَكِّبرُ سُْبحَان الله عَمّا يُشْركوْنَ) (الحشر: 23)، فكما أنه تكبر عن الزوجة والولد والشريك، تكبر أن يقبل عملاً أشرك فيه غيره، فهو تعالى أكبر، وكبير، ومتكبر.

وقال السمرقندي رحمه الله تعالى: ما فعل لله قُِبلَ وما فعل من أجل الناس رُدَّ. ومثال ذلك من صلى الظهر مثلاً وقصد أداء ما فرض الله تعالى عليه ولكنه طول أركانه وقراءتها وحسَّن هيئتها من أجل الناس، فأصل الصلاة مقبول، وأما طوله وحسنه من أجل الناس فغير مقبول لأنه قصد به الناس.

وسئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: عمن صلى فطول صلاته من أجل الناس ؟ فقال: أرجو أن لا يحبط عمله هذا كله إذا حصل التشريك في صفة العمل، فإن حصل في أصل العمل بأن صلى الفريضة من أجل الله تعالى والناس، فلا تقبل صلاته لأجل التشريك في أصل العمل، وكما أن الرياء في العمل يكون في ترك العمل. قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك، والاخلاص ان يعافيك الله منهما.

ومعنى كلامه رحمه الله تعالى أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراها الناس، فهو مُراءٍ لأنه ترك العمل لأجل الناس، أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب إلا أن تكون فريضة، أو زكاة واجبة، أو يكون عالماً يقتدى به، فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل، وكما أن الرياء محبط للعمل كذلك التسميع، وهو أن يعمل لله في الخلوة ثم يحدث الناس بما عمل، قال صلى الله عليه وسلم: ((من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به)).

قال العلماء: فإن كان عالماً يقتدى به وذكر ذلك تنشيطاً للسامعين ليعملوا به فلا بأس. قال المرزباني، رحمه الله تعالى عليه: يحتاج المصلى إلى اربع خصال حتى ترفع صلاته: حضور القلب، وشهود العقل، وخضوع الأركان، وخشوع الجوارح، فمن صلَّى بلا حضور قلب فهو مصلٍ لاهٍ، ومن صلى بلا شهود عقل فهو مصل ساهٍ، ومن صلى بلا خضوع الجوارح فهو مصل خاطىء، ومن صلى بهذه الأركان فهو مصلٍ وافٍ.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) أراد بها أعمال الطاعات دون أعمال المباحات، قال الحارث المحاسبي: الإخلاص لا يدخل في مباح، لأنه لا يشتمل على قربة ولا يؤدي إلى قربة، كرفع البنيان لا لغرض الرعونة، أما إذا كان لغرض كالمساجد والقناطر والأربطة فيكون مستحباً. قال: ولا إخلاص في محرم ولا مكروه، كمن ينظر إلى ما لا يحل له النظر إليه، ويزعم أنه ينظر إليه ليتفكر في صنع الله تعالى، كالنظر إلى الأمرد، وهذا لا إخلاص فيه بل لا قربة البتة، قال: فالصدق في وصف العبد في استواء السر والعلانية والظاهر والباطن، والصدق يتحقق بتحقق جميع المقامات والأحوال حتى إن الإخلاص يفتقر إلى الصدق، والصدق لا يفتقر إلى شيء. لأن حقيقة الإخلاص هو إرادة الله تعالى بالطاعة، فقد يريد الله بالصلاة ولكنه غافل عن حضور القلب فيها، والصدق هو إرادة الله تعالى بالعبادة مع حضور القلب إليه، فكل صادق مخلص، وليس كل مخلص صادقاً، وهو معنى الاتصال والانفصال، لأنه انفصل عن غير الله واتصل بالحضور بالله، وهو معنى التخلي عما سوى الله والتحلي بالحضور بين يدي الله سبحانه وتعالى.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال)) يحتمل: إنما صحة الأعمال أو تصحيح الأعمال، أو قبول الأعمال، أو كمال الأعمال، وبهذا أخذ الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، ويستثنى من الأعمال ما كان قبيل التروك كإزالة النجاسة، ورد الغصوب والعواري، وإيصال الهدية وغير ذلك، فلا تتوقف صحتها على النية المصححة، ولكن يتوقف الثواب فيها على نية التقرب، ومن ذلك ما إذا أطعم دابته، إن قصد بإطعامها امتثال أمر الله تعالى فإنه يثاب، وإن قصد بإطعامها حفظ المالية فلا ثواب، ذكره القرافي، ويستثنى من ذلك فرس المجاهد، إذا ربطها في سبيل الله فإنها إذا شربت وهو لا يريد سقيها أثيب على ذلك كما في صحيح البخاري، وكذلك الزوجة وكذلك إغلاق الباب وإطفاء المصباح عند النوم إذا قصد به امتثال أمر الله أثيب وإن قصد أمراً آخر فلا.

واعلم أن النية لغة: القصد، يقال نواك الله بخير: أي قصدك به. والنية شرعاً: قصد الشيء مقترناً بفعله، فإن قصد وتراخى عنه فهو عزم، وشرعت النية لتمييز العادة من العبادة أو لتمييز رتب العبادة بعضها عن بعض، مثال الأول: الجلوس في المسجد قد يقصد للاستراحة في العادة، وقد يقصد للعبادة بنية الاعتكاف، فالمميز بين العبادة والعادة هو النية، وكذلك الغسل: يقصد به تنظيف البدن في العادة، وقد يقصد به العبادة فالمميز هو النية وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل رياء ويقاتل حمية ويقاتل شجاعة، أي ذلك في سبيل الله تعالى ؟ فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله تعالى)) ومثال الثاني وهو المميز رتب العبادة، كمن صلى أربع ركعات قد يقصد إيقاعها عن صلاة الظهر وقد يقصد إيقاعها عن السنن فالمميز هو النية، وكذلك العتق قد يقصد به الكفارة وقد يقصد به غيرها كالنذر ونحوه، فالمميز هو النية.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإنما لكل امرىء ما نوى)) دليل على أنه لا تجوز النيابة في العبادات، ولا التوكيل من نفس النية، وقد استثني من ذلك تفرقة الزكاة وذبح الأضحية، فيجوز التوكيل فيهما في النية والذبح، والتفرقة مع القدرة على النية. وفي الحج: لا يجوز ذلك مع القدرة ودفع الدين، أما اذا كان على جهة واحدة لم يحتج إلى نية، وإن كان على جهتين كمن عليه ألفان بأحدهما رهن فإدى ألفاً قال جعلته عن ألف الرهن، صدق، فإن لم ينو شئياً حالة الدفع، ثم نوى بعد ذلك، وجعله عما شاء وليس لنا نية تتأخر عن العمل وتصح إلا هنا.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).

أصل المهاجرة المجافاة والترك، فاسم الهجرة يقع على رموز:

الأولى: هجرة الصحابة رضي الله عنهم من مكة إلى الحبشة حين آذى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم،ففروا منه إلى النجاشي، وكانت هذه بعد البعثة بخمس سنين، قاله البيهقي .

الهجرة الثانية: من مكة إلى المدينة وكانت هذه بعد البعثة بثلاث عشرة سنة، وكان يجب على كل مسلم بمكة أن يهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأطلق جماعة أن الهجرة كانت واجبة من مكة إلى المدينة،وهذا ليس على إطلاقه فإنه لا خصوصية للمدينة، وإنما الواجب الهجرة إلى رسول الله صلى عليه وسلم قال ابن العربي : قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض هرباً وطلباً، فالأول ينقسم إلى ستة أقسام:

(الأول): الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وهي باقية إلى يوم القيامة،و التي انقطعت بالفتح في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرة بعد الفتح)). هي القصد إلى رسول الله صلى عليه وسلم حيث كان.

(الثاني): الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُ فيها السلف.

(الثالث) : الخروج من أرض يغلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم.

(الرابع) : الفرار من الأذية في البدن، وذلك فضل من الله تعالى أرخص فيه، فإذا خشي على نفسه في مكان فقد أذن الله تعالى له في الخروج عنه، والفرار بنفسه يخلصها من ذلك المحذور، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام حيث خاف من قومه فقال: {إٍنًّي مُهَاجِرُ إِلى رَبًّي} [العنكبوت:26]. وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفَاَ يَتَرَقَّبُ} [القصص:21].

(الخامس): الخروج خوف المرض في البلاد الوخمة، إلى الأرض النزهة، وقد أذن صلى الله عليه وسلم للعرنيين في ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج.

(السادس) الخروج خوفاً من الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه.

وأما قسم الطلب ، فإنه ينقسم إلى عشرة: طلب دين وطلب دنيا، وطلب الدين ينقسم إلى تسعة أنواع:

(الأول) سفر العبرة قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيْروُا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذينَ مِنْ قَبْلهِم} [الروم:9]. وقد طاف ذو القرنين في الدنيا ليرى عجائبها.

(الثاني) : سفر الحج.

(الثالث): سفر الجهاد.

(الرابع) : سفر العبرة المعاش.

(الخامس) : سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وهو جائز لقوله تعالى: { لَيْسَ عَلْيكُمْ جُنَاحُ أَنْ تَبْتغُوا فَضْلاً مِنْ رَبَّكم} [البقرة: 198].

(السادس) : طلب العلم.

(السابع) :قصد البقاع الشريفة، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)).

(الثامن) : قصد الثغور للرباط بها.

(التاسع): زيارة الإخوان في الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: ((زار رجل أخاً له في قرية، فأرسل الله ملكاً على مدرجته. فقال: أين تريد ؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تؤديها قال: لا، إلا أنني أحبه في الله تعالى قال: فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته)). رواه مسلم. وغيره.

الثالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعلموا الشرائع ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم.

الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه.

الخامسة : الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فلا يحل للمسلم الإقامة بدار الكفر، قال الماوردي: فإن صار له بها أهل وعشيرة، وأمكنة إظهار دينه،لم يجز له أن يهاجر، لأن المكان الذي هو فيه قدر دار إسلام.

السادسة: هجرة المسلم أخاه فوق ثلاثة، بغير سبب شرعي، وهي مكروهة في الثلاثة، وفيما زاد حرام إلا لضرورة.

السابعة: هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها قال تعالى {واهْجُرُوهُنَّ فِي اَلمَضَاجِعِ} [ النساء :34]. ومن ذلك هجرة أهل المعاصي في المكان،و الكلام،و جواب السلام وابتداؤه.

الثامنة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي أعم الهجر.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)): أي نية وقصداً فهجرته إلى الله ورسوله حكماً وشرعاً.

((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها.. الخ)) نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فسمي مهاجر أم قيس. فإن قيل النكاح من مطلوبات الشرع فْلمَ كان من مطلوبات الدنيا؟ قيل في الجواب: إنه لم يخرج في الظاهر لها، وإنما خرج في الظاهر للهجرة، فلما أبطن خلاف ما أظهر استحق العتاب واللوم،وقيس بذلك من خرج في الصورة الظاهرة لطلب الحج وقصد التجارة وكذلك الخروج لطلب العلم إذا قصد به حصول رياسة أو ولاية.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) يقتضي أنه لا ثواب لمن قصد بالحج التجارة والزيارة، وينبغي حمل الحديث على ما إذا كان المحرك الباعث له على الحج إنما هو التجارة، فإن كان الباعث له الحج فله الثواب، والتجارة تبع له إلا أنه ناقص الأجر عمن أخرج نفسه للحج، وإن كان الباعث له كليهما فيحتمل حصول الثواب لأن هجرته لم تتمخص للدنيا، ويحتمل خلافه لأنه قد خلط عمل الآخرة بعمل الدنيا، لكن الحديث رتب فيه الحكم على القصد المجرد، فأما من قصدهما لم يصدق عليه أنه قصد الدنيا فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

28 إبريل 2017 01:21

الحديث الثاني :
عن عمر رضي الله عنه أيضا ، قال : بينما نحن جلوس عـند رسـول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثـر السفر و لا يعـرفه منا احـد. حتى جـلـس إلى النبي صلي الله عليه وسلم فـأسند ركبـتيه إلى ركبتـيه و وضع كفيه على فخذيه ، و قـال: " يا محمد أخبرني عن الإسلام ". فقـال رسـول الله صـلى الله عـليه وسـلـم : (الإسـلام أن تـشـهـد أن لا إلـه إلا الله وأن محـمـد رسـول الله وتـقـيـم الصلاة وتـؤتي الـزكاة وتـصوم رمضان وتـحـج البيت إن اسـتـطـعت اليه سبيلا). قال : صدقت. فعجبنا له ، يسأله و يصدقه ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌؟ قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : (ان تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). قال : فأخبرني عن الساعة . قال : (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) قال : فأخبرني عن أماراتها . قال : (أن تلد الأم ربتها ، وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) " ثم انطلق ، فلبثت مليا ،ثم قال : (يا عمر أتدري من السائل ؟) قلت : "الله و رسوله أعلم ". قال : ( فإنه جبريل ، اتاكم يعلمكم دينكم) "رواه مسلم .

الشرح :

قوله صلى الله عليه و سلم: أخبرني عن الإيمان: الإيمان في اللغة: هو مطلق التصديق، و في الشرع: عبارة عن تصديق خاص، وهو التصديق بالله، وملائكته وكتبه، و رسله، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره. وأما الإسلام فهو عبارة عن فعل الواجبات، وهو الانقياد إلى عمل الظاهر. قد غاير الله تعالى بين الإيمان والإسلام كما في الحديث، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤِْمُنوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات :14].وذلك أنَّ المنافقين كانوا يصلون ويصومون ويتصدقون، وبقلوبهم ينكرون، فلما ادَّعوا الإيمان كذَّبَهم الله تعالى في دعواهم الإيمان لإنكارهم بالقلوب،وصدقهم في دعوى الإسلام لتعاطيهم إياه. وقال الله تعالى: {إِذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يعلمُ إنَّك لرسولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إنَّ المنافقينَ لكَاذبونَ} [المنافقون :1]. أي في دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة قلوبهم، لأن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم،وشرط الشهادة بالرسالة: أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم بَّين الله تعالى كذبهم، ولما كان الإيمان شرطاً في صحة الإسلام استثنى الله تعالى من المؤمنين المسلمين قال الله تعالى: {فأخرجْنا مَنْ كَانَ فيها مِنَ المؤمنينَ فما وَجَدْنَا فيها غير بَيْتٍ مِنَ المسِْلمِينَ} [الذاريات: 35- 36] فهذا استثناء متصل لما بين الشروط من الاتصال ولهذا سمى الله تعالى الصلاة : إيماناً:قال الله تعالى: {وََمَا كَانَ اللهُ ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]. وقال تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى:52] أي الصلاة.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وتؤمن بالقدر خيره وشره)) بفتح الدال وسكونها لغتان، ومذهب أهل الحق: إثبات القدر، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره الله سبحانه وتعالى. واعلم أن التقادير أربعة:

(الأول) التقدير في العلم ولهذا قيل: العناية قبل الولاية، والسعادة قبل الولادة ،واللواحق مبنية على السوابق، قال الله تعالى {يؤفك عنه من أُفِكَ} [الذاريات:9] أي يصرف عن سماع القرآن وعن الإيمان به في الدنيا من صرف عنه في القدم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يهلك الله إلا هالكاً)) أي من كتب في علم الله تعالى أنه هالك.

(الثاني) التقدير في اللوح المحفوظ، وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال الله تعالى: {يمحو الله ما يشاءُ ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد:39] وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول في دعائه: ((اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً)).

(الثالث) التقدير في الرحم، وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد.

(الرابع ) التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت، والله تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى العبد في أوقات معلومة.و الدليل على أن الله تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى: { إن المجرمين في ضلال وَسُعُرُ * يوم يُسحَبون في النار على وجوهِهمْ ذوقوا مَسَّ سَقَر * إنَّا كلَّ شي خلقناهُ بقَدَرِ} [القمر 47-49] نزلت هذه الأية في القدرية، يقال لهم ذلك في جهنم، وقال تعالى {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق} [الفلق 1-2]. وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد صرف عنه قبل أن يصل إليه.

وفي الحديث: ((إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة )).

وفي الحديث: ((إن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يقتتلان، ويدفع الدعاء البلاء قبل أن ينزل)).

وزعمت القدرية: أن الله تعالى لم يقدر الأشياء في القدم، ولا سبق علمه بها، وأنها مستأنفة، وأنه تعالى يعلمها بعد وقوعها، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى جلَّ عن إقوالهم الكاذبة وتعالى علواً كبيراً، وهؤلاء انقرضوا وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة يقولون: الخير من الله والشر من غيره، تعالى الله عن قولهم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((القدرية مجوس هذه الأمة)). سماهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس، وزعمت الثنوية أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية، كذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره وهو تعالى خالق الخير والشر.

قال إمام الحرمين في كتاب ((الإرشاد)) إن بعض القدرية تقول: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم أخبار القدر،و رد على هؤلاء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم، ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه.

قوله صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الإحسان قال: ((الأحسان أن تعبد الله كأنك تراه )) وهذا مقام المشاهدة لأن من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلى غيره في الصلاة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الإحسان مقام الصديقين وقد تقدم في الحديث الأول الإشارة إلى ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنه يراك)) غافلاً إن غفلت في الصلاة وحدثت النفس فيها.

قوله صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الساعة فقال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) هذا الجواب على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر الله تعالى به، قال الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان:34]. وقال تعالى : {ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة} [الإعراف:187}.وقال تعالى: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً} [الأحزاب:63].

ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثلاثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه الطوخي في ((أسباب التنزيل)) عن بعض المنجمين وأهل الحساب، ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة فهذا يسوف على الغيب ولا يحل اعتقاده.

قوله صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن أماراتها قال: ((أن تلد الأمة ربتها)) الأمار والأمارة بإثبات التاء وحذفها لغتان، وروي ربها وربتها، قال الأكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقيل معناه الإماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته، ويحتمل أن يكون المعنى: أن الشخص يستولد الجارية ولداً ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه، وهذا من أشراط الساعة.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) إذ العالة هم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر. والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء وزيادة تاء بلا مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا في البنيان.

قوله: ((فلبث مليا)) هو بفتح الثاء على أنه للغائب، وقيل: فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح. وملياً بتشديد الياء معناه وقتاً طويلاً.وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال: بعد ثلاثة أيام. وفي ((شرح التنبيه)) للبغوي أنه قال: بعد ثلاثة فأكثر، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال. وفي ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ردوا علىَّ الرجل)) فأخذوا يردونه فلم يروا شيئاً فقال صلى الله عليه وسلم: ((رودا علىَّ الرجل)) فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئاً فقال صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبريل)) فيمكن الجمع بينهما بأن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال، وأخبروا عمر بعد ثلاث إذ لم يكن حاضراً عن إخبار الباقين.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم))، فيه دليل على ان الإيمان،و الإسلام،و الإحسان، تسمى كلها ديناً، وفي الحديث دليل على أن الإيمان بالقدر واجب، وعلى ترك الخوض في الأمور، وعلى وجوب الرضا بالقضاء. دخل رجل على ابن حنبل رحمه الله. فقال: عظني. فقال له: إن كان الله تعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الخلف على الله حقاً فالبخل لماذا ؟ وإن كانت الجنة حقاً فالراحة لماذا ؟ وإن كان سؤال منكر ونكير حقاً فالأنس لماذا؟وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟ وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا ؟ وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالخوف لماذا ؟

(فائدة) ذكر صاحب ((مقامات العلماء)) أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسماً: خمسة بالقضاء والقدر، وخمسة بالاجتهاد، وخمسة منها بالعادة، وخمسة بالجوهر، وخمسة بالوراثة. فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر: فالرزق، والولد، والأهل، والسلطان، والعمر. والخمسة التي بالاجتهاد: فالجنة، والنار ن والعفة،و الفروسية، والكتابة. والخمسة التي بالعادة: فالأكل ، والنوم، والمشي،و النكاح،و التغوط.و الخمسة التي بالجوهر: فالزهد، والزكاة ، والبذل، والجمال،و الهيبة. والخمسة التي بالوراثة: فالخير، والتواصل، والسخاء والصدق،و الأمانة.وهذا كله لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم ((كل شيء بقضاء وقدر)). وإنما معناه: أن بعض هذه الأشياء يكون مرتباً على سبب،وبعضها يكون بغير سبب، والجميع بقضاء وقدر.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

28 إبريل 2017 01:29

الحديث الثالث :
عن أبي عـبد الرحمن عبد الله بن عـمر بـن الخطاب رضي الله عـنهما ، قـال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسـلم يقـول : ( بـني الإسـلام على خـمـس : شـهـادة أن لا إلـه إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقامة الصلاة ، وإيـتـاء الـزكـاة ، وحـج البيت ، وصـوم رمضان ) رواه البخاري و مسلم .

قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلامه، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه وهي خمس، وهذا بناء معنوي شبه بالحسي، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم، فكذلك البناء المعنوي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:

((الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين))،و كذلك يقاس البقية.

وقد ضرب الله مثلاً للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى: {أفمن أسس بُنيانَهُ على تقوى مِنَ الله ورضوان خيُر أم من أسس بنيانه علىشفا جُرُف هارٍ فانهارَ به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين } [التوبة109]. شبه بناء المؤمن بالذي وضع بنيانه على وسط طود أي: جبل راسخ،وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار، لا ثبات له فأكله البحر فانهار الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر، فغرق، فدخل جهنم.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) أي بخمس على أن تكون على: بمعنى الباء وإلا فالمبني غير المبنى عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن الإسلام وهو فاسد، ويحتمل أن تكون بمعنى من كقوله تعالى {إلا على أزواجهم}. [المومنون:6والمعارج:30]. أي من أزواجهم. الخمسة المذكورة في الحديث أصول البناء وأما التتمات المكملات كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي زينة للبناء. وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، قال وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وحج البيت وصوم رمضان)). هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم، وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم، لأن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية الأخرى تقديم الصوم على الحج.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

29 إبريل 2017 00:54

الحديث الرابع :

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعـود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدوق - : ( إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفه ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مـضغـة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، و يـؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، واجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد ؛ فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها . و إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري ومسلم .

الشرح :

قوله: وهو الصادق المصدوق، أي شهد الله له بأنه الصادق، والمصدوق بمعنى المصدق فيه.

قوله صلى الله عليه وسلم ((يجمع خلقه في بطن أمه)) يحتمل أن يراد أن يجمع بين ماء الرجل والمرأة فيخلق منهما الولد كما قال الله تعالى: {خلق من ماء دافق * يَخْرُج من بين الصلب والترائب} [الطارق:6،7].

ويحتمل أن المراد أنه يجمع من البدن كله، وذلك أنه قيل: إن النطفة في الطور الأول تسري في جسد المرأة أربعين يوماً، وهي أيام التوحمة، ثم بعد ذلك يجمع ويدر عليها من تربة المولود فتصير علقة ثم يستمر في الطور الثاني فيأخذ في الكبر حتى تصير مضغة، وسميت مضغة لأنها بقدر اللقمة التي تمضغ، ثم في الطور الثالث يصور الله تلك المضغ ويشق فيها السمع والبصر والشم والفم، ويصور في داخل جوفها الحوايا والأمعاء، قال الله تعالى: {هو الذي يصوَّرُكُم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيزُ الحكيمُ} [آل عمران:6]، ثم إذا تم الطور الثالث وهو أربعون صار للمولود أربعة أشهر نفخت فيه الروح، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} يعني أباكم آدم {ثم من نطفة} يعني ذريته، والنطفة المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف {ثم من علقة} وهو الدم الغليظ المتجمد، وتلك النطفة تصير دماً غليظاً {ثم من مضغةٍ} وهي لحمة {مُخَلَّقَةٍ وغير مُخَلَّقَةٍ} [الحج:5]. قال ابن عباس مخلقة: أي تامة، وغير مخلقة أي غير تامة بل ناقصة الخلق، وقال مجاهد: مصورة وغير مصورة، يعني السقط . وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: ((إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال: أي رب مخلقة، أو غير مخلقة ؟ فإن قال: غير مخلقة، قذفها في الرحم دماً ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة، قال الملك: أي رب ذكرُ أم أنثى ؟ أشقي أم سعيدُ ؟، ما الرزق وما الأجل وبأي أرض تموت ؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك. فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي إلى آخر صفته)).

ولهذا قيل: السعادة قبل الولادة.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيسبق عليه الكتاب)) أي الذي سبق في العلم، أو الذي سبق في اللوح المحفوظ، أو الذي سبق في بطن الأم. وقد تقدم أن المقادير أربعة.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع )) هو تمثيل وتقريب، والمراد قطعة من الزمان من آخر عمره وليس المراد حقيقة الذراع وتحديده من الزمان، فإن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم مات دخل الجنة، والمسلم إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر دخل النار.

وفي الحديث دليل على عدم القطع بدخول الجنة أو النار، وإن عمل سائر أنواع البر، أو عمل سائر أنواع الفسق، وعلى أن الشخص لا يتكل على عمله ولا يعجب به لأنه لا يدري ما الخاتمة. وينبغي لكل أحد أن يسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة ويسعيذ بالله تعالى من سوء الخاتمة وشر العاقبة. فإن قيل: قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نُضَيِّع أجر مَن أحسن عملاً}. [الكهف:30] ظاهر الآية أن العمل الصالح من المخلص يقبل، وإذا حصل القبول بوعد الكريم أمن مع ذلك من سوء الخاتمة.

فالجواب من وجهين: احدهما أن يكون ذلك معلقاً على شرط القبول وحسن الخاتمة،و يحتمل أن من آمن وأخلص العمل لا يختم له دائماً إلا بخير، وأن خاتمة السوء إنما تكون في حق من أساء العمل أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع من الرياء والسمعة ويدل عليه الحديث الآخر ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس )) أي: فيما يظهر لهم صلاح مع فساد سريرته وخبثها،و الله أعلم.

وفي الحديث دليل على استحباب الحلق لتأكيد الأمر في النفوس وقد أقسم الله تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق} .[الذاريات:23]، وقال الله تعالى: {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم}. [التغابن:7].

والله تعالى أعلم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

29 إبريل 2017 01:19

الحديث الخامس :

عن ام المؤمنين أم عبد الله عـائـشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هـذا مـا لـيـس مـنه فهـو رد ). رواه الـبـخـاري ، و مسلم . وفي رواية لمسلم : ( مـن عـمـل عـمـلا لـيـس عـلـيه أمـرنا فهـو رد ).

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) أي مردود. فيه دليل على أن العبادات من الغسل والوضوء والصوم والصلاة إذا فعلت على خلاف الشرع تكون مردودة على فاعلها، وأن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك،وقال صلى الله عليه وسلم للذي قال له: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاه ووليدة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الوليدة والغنم ردّ عليك)). وفيه دليل على أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه،و عمله مردود عليه وإنه يستحق الوعيد، وقد قال صلى عليه وسلم: ((من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله)).
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

29 إبريل 2017 01:27

الحديث السادس :

عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما ، قـال : سمعـت رسـول الله صلى الله عـليه و سلم يقول: ( إن الحلال بين ، وإن الحـرام بين ، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام ، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه،ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله ، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ، ألا وهي الـقـلب) رواه البخاري و مسلم.

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات.... الخ)) اختلف العلماء في حد الحلال والحرام، فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: الحلال مادل الدليل على حله . وقال الشافعي رحمه الله: الحرام ما دل الدليل على تحريمه.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبينهما أمور مشتبهات)) أي بين الحلال والحرام أمور مشتبهة بالحلال والحرام، فحيث انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة .وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فلا يجب البحث عن ذلك، بل ولا يستحب،ويكره السؤال عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) أي طلب براءة دينه وسلم من الشبهة. وأما براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الإثم وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف مواقف التهم)).. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فرب سامع نكراً لا تستطيع أن تسمعه عذرا‌ً.

وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا أحدث أحدكم في الصلاة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف)) وذلك لئلا يقال عنه أحدث.

قوله عليه الصلاة والسلام: ((فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) يحتمل أمرين: احدهما أن يقع في الحرام وهو يظن أنه ليس بحرام. والثاني: أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما يقال: المعاصي بريد الكفر.لأن النفس إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر منها،قيل: وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. [آل عمران:112]. يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل الأنبياء.

وفي الحديث: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده)).

أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة، والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في الأرض المباحة فمن رعى حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخلاف ما إذا رعى إبله بعيداً من الحمى.واعلم أن كل محرم له حمى يحيط به، فالفرج محرم وحماه الفخذان لأنهما جعلاً حريماً للمحرم، وكذلك الخلوة بالإجنبية حمى للمحرم، فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحرَّم، فالمحرم حرام لعينه، والحريم محرم لأنه يتدرج به إلى المحرم.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة)) أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح، وإذا طمحت طمحت الجوارح وإذا فسدت فسدت الجوارح. قال العلماء: البدن مملكة والنفس مدينتها،و القلب وسط المملكة،و الأعضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة، والعقل كالوزير المشفق الناصح به، والشهوة طالب أرزاق الخدام،و الغضب صاحب الشرطة، وهو عبد مكار خبيث، يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل،و دأبه أبداً منازعة الوزير الناصح والقوة المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن، والقوة المفكرة في وسط الدماغ، والقوة الحافظة في آخر الدماغ، واللسان كالترجمان،و الحواس الخمس جواسيس، وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات، فوكل العين بعالم الألوان، والسمع بعالم الأصوات،وكذلك سائرها فإنها أصحاب الأخبار، ثم قيل: هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه، وقيل: إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها النفس، فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية، وإنما يحصل صلاحه بسلامته من الأمراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور، وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الأربعين، عافانا الله منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

29 إبريل 2017 01:34

الحديث السابع :

عن أبـي رقــيـة تمـيم بن أوس الـداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عـليه وسـلم قـال : ( الـديـن النصيحة ). قلنا : لمن ؟؟ قال : ( لله ، ولـكـتـابـه ، ولـرسـولـه ، ولأ ئـمـة الـمـسـلـمـيـن وعــامـتهم ) رواه مسلم .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له. وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسد من خلل الثوب، وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل، إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط.

قال العلماء: أما النصيحة لله تعالى فمعناها ينصرف إلى الإيمان بالله، ونفي الشريك عنه،وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع أنواع النقائص،و القيام بطاعته،و اجتناب معصيته، والحب فيه،والبغض فيه، ومودة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته، وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها،و التطلف بجميع الناس، أو من أمكن منهم عليها، وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه،و الله تعالى غني عن نصح الناصحين.

وأما النصيحة لكتاب الله تعالى: فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الناس، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته،وتحسينها، والخشوع عندها،و إقامة حروفه في التلاوة،و الذب عنه لتأويل المحرفين، وتعريض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه،و التفكير في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته.

وأما النصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم: فتصديقه على الرسالة،والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه وموالاة من ولاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسننه، وبث دعوته ونشر سنته، ونفس التهم عنها ، و نشر علومها، والفقه فيها، والدعاء لها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم،و إجلال أهلها لانتسابهم إليها. والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك.

وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به ونهيهم وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخورج عليهم، وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم.

قال الخطابي: ومن النصيحة لهم، الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح.

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: في هذا الحديث دليل أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول ، قال: والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به، يسقط عن الباقين،قال: والنصيحة واجبة على قدر الطاعة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي أذى فهو في سعة والله تعالى أعلم. فإن قيل ففي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له ))، وهويدل على تعليق الوجوب بالاستنصاح لا مطلقاً، ومفهوم الشرط حجة في تخصيص عموم المنطوق. فجوابه: يمكن حمل ذلك على الأمور الدنيونية كنكاح امرأة ومعاملة رجل ونحو ذلك، والأول يحتمل بعمومه في الأمور الدينية التي هي واجبة على كل مسلم ،و الله تعالى أعلم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

29 إبريل 2017 15:16

الحديث الثامن :

عن ابن عمر رضي الله عنهما ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلـم قـال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويـقـيـمـوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى ) رواه البخاري و مسلم .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: (( أمرت )) إلخ..فيه دليل على أن مطلق الأمر وصيغته تدل على الوجوب.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم))، فإن قيل: فالصوم من أركان الإسلام وكذلك الحج ولم يذكرهما ‍‍‍‍، فجوابه: أن الصوم لا يقاتل الإنسان عليه بل يحبس ويمنع الطعام والشراب، والحج على التراخي، فلايقاتل عليه، وإنما ذكر رسول الله صلى عليه وسلم هذه الثلاثة لأنه يقاتل على تركها ولهذا لم يذكر الصوم والحج لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، بل ذكر هذه الثلاثة، خاصة..

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا بحق الإسلام)) فمن حق الإسلام فعل الواجبات، فمن ترك الواجبات جاز قتاله كالبغاة، وقطاع الطريق، والصائل، ومانع الزكاة، والممتنع من بذله الماء للمضطر والبهيمة المحترمة. والجاني والممتنع من قضاء الدين مع القُدرة، والزاني المحصن،و تارك الجمعة والوضوء.

ففي تلك الأحوال يباح قتله وقتاله، وكذلك لو ترك الجماعة،وقلنا إنها فرض عين، أو كفاية.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((و حسابهم على الله)) يعني من أتى بالشهادتين واقام الصلاة وآتى الزكاة عصم دمه وماله، ثم إن كان فعل ذلك بنية خالصة صالحة فهو مؤمن، وإن كان فعله تقية وخوفاً من السيف كالمنافق فحسابه على الله، وهو متولي السرائر،وكذلك من صلى بغير وضوء أو غسل من الجنابة، أو أكل في بيته وادعى أنه صائم، يقبل منه وحسابه على الله عز وجل والله أعلم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

30 إبريل 2017 00:30


الحديث التاسع :

عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم ). رواه البخاري ، و مسلم

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) أي اجتنبوه جملة واحدة لا تفعلوه ولا شيئاً منه، وهذا محموله على نهي التحريم، فأما نهي الكراهة فيجوز فعله، وأصل النهي في اللغة: المنع.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) فيه مسائل: منها إذا وجد ماء للوضوء لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي. ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه. ومنها إذا وجد بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله. وهذا بخلاف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه لا يجب عتقه عن الكفارة، لأن الكفارة لها بدل وهو الصوم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)). اعلم ان السؤال على أقسام:

القسم الأول: سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلاة والصوم، وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك .

وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) ومسلمة، ولا يسع الإنسان السكوت عن ذلك قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43]، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أعطيت لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً، كذلك أخبر عن نفسه رضي الله تعالى عنه.

والقسم الثاني: السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى: {فلولا نفرَ مِنْ كُلَّ فرقةٍ منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولِينذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحذَرون} [التوبة:122].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا فليعلم الشاهد منكم الغائب)).

القسم الثالث: أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه، ولا على غيره، وعلى هذا حمل الحديث لأنه قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها)). وعن علي رضي الله عنه لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. [آل عمران :97].

قال رجل: أكل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((وما يوشك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لو جبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه)).

فإنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤُكُم} [المائدة:101]. أي لم آمركم بالعمل بها، وهذا النهي خاص بزمانه صلى الله عليه وسلم. أما بعد أن استقرت الشريعة،و أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه،وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني الآيات المشتبهة.

سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني.

وقال بعضهم: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم: وهو السؤال.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

30 إبريل 2017 02:53

الحديث العاشر :

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى :{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ، وقال تعالى :{ يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ؟) . رواه مسلم

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى طيب))، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر، الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، واذا استفرجت به فرجت))، ومعنى الطيب : المنزه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ الأسماء عند العارفين بها: وهو طيب عباده لدخول الجنة بالإعمال الصالحة وطيبها لهم، والكلمة الطيبة: لا إله إلا الله.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل إلا طيباً)) أي فلا يتقرب إليه بصدقة حرام، ويكره التصدق بالرديء من الطعام كالحب العتيق المسوس، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال الله تعالى: {ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة:267]. فكما أنه تعالى لا يقبل المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل إلا الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها.

قوله: فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} [المؤمنون:51].وقوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة:172]. المراد بالطيبات الحلال.

في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه،و ذلك من الواجبات، بخلاف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم.

قوله: ((مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام)) أي شبع، وهو بضم الغين المعجمة وكسر الذال المعجمة المخففة من الغذي بالكسر والقصر،و أما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة: فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ، قال الله تعالى: {قال لفتاه آتنا غداءنا} [الكهف:62].

قوله: ((فأنى يستجاب له)) أي استبعاداُ لقبوله إجابة الدعاء،و لهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل الحلال، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال: {إنك من المنظرين} [الأعراف:15].
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

30 إبريل 2017 04:44

الحديث الحادي عشر :

عن أبي محمد الحسن بن على بن ابي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عـنهـما ، قـال : حـفـظـت مـن رســول الله صلى الله عـليـه وسلم : ( دع ما يـريـبـك إلى ما لا يـريـبـك ). رواه الترمذي ، والنسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن لا يأكل المال الذي فيه شبهة، كما يحرم عليه أكل الحرام، وقد تقدم.

قوله: ((إلى ما لا يريبك)) أي اعدل إلى ما لا ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس. والريبة: الشك وتقدم الكلام على الشبهة.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

30 إبريل 2017 04:54

الحديث الثاني عشر :

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعـنيه ) . حديث حسن ، رواه الترمذي و ابن ماجه

الشرح :


قوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) أي ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأفعال والأقوال. وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال: ((كانت أمثالاً كلها، كان فيها: أيها السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الأموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني لا أردها، ولوكانت من كافر. وكان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه ،وساعة يتفكر في صنع الله تعالى، وساعة يحدث فيها نفسه، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام، وإن تلك الساعة عون له علىتلك الساعات،.و كان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله، أن لا يكون ساعياً إلا في ثلاث: تزود لمعاد، ومؤنة لمعاش ،ولذة في غير محرم.وكان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون بصيراً لزمانه، مقبلاً على شأنه. حافظاً للسانه، ومن حسب الكلام من عمله يوشك أن يقل الكلام إلا فيما يعنيه)).

قلت: بأبي وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال: ((كانت عبراً كلها ، كان فيها: عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك، وعجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها،و عجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو يغضب، وعجباً لمن أيقن بالحساب غداً وهو لا يعمل))؟!.

قلت: بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال: ((نعم ياأباذر{قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى* بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخِرُة خيرَّ وأبقى * إنَّ هذا لفي الصُّحُفِ الأولى * صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى:14-19]. إلى آخر السورة.

قلت: بأبي وأمي أوصني،قال: ((أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك كله))،قال: قلت زدني، قال: ((عليك بتلاوة القرآن واذكر الله كثيراً فإنه يذكرك في السماء))، قلت زدني، قال: ((عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين))، قلت زدني، قال: ((عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك، وعون لك على أمر دينك))، قلت زدني، قال: ((قل الحق ولو كان مراً))،قلت زدني، قال: ((لا تأخذك في الله لومة لائم))، قلت:زدني، قال((صل رحمك وإن قطعوك))، قلت: زدني، قال: ((بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه، ويتكلف ما لا يعنيه. يا أبا ذر: لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسن كحسن الخلق)).
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

30 إبريل 2017 16:18

الحديث الثالث عشر:

عـن أبي حـمـزة أنـس بـن مـالـك رضي الله عـنـه ، خــادم رسـول الله صلى الله عـلـيـه و سـلم، عن النبي صلى الله عـلـيـه و سـلـم قــال : ( لا يـؤمـن احـدكـم حـتى يـحـب لأخـيـه مــا يـحـبـه لـنـفـسـه ) . رواه البخاري ، و مسلم .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)): الأولى أن يحمل ذلك علىعموم الأخوة، حتي يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً، والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه. والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة، ثم المراد: المحبة الدينية لا المحبة البشرية، فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير وتمييز غيرها عليها، والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه،والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسوداً.

والحسد كما قال الغزالي: ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه.

الثاني: أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها، وهذا أشر من الأول.

الثالث: أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواةولا يرضى بالزيادة،وهذا أيضاً محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربك؟! نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهُم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضُهًم بعضاً سخرياً ورحمةُ ربكَ خيرُُمما يجمعون} [الزخرف:32]. فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته.وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

01 مايو 2017 00:43

الحديث الرابع عشر:

عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل دم امرىء مسلم [ يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ] إلا بـإحـدي ثـلاث : الـثـيـب الــزاني ، والـنـفـس بـالنفس ، والـتـارك لـد يـنـه الـمـفـارق للـجـمـاعـة ). رواه البخاري ، و مسلم ".

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((الثيب الزاني)) المراد: من تزوج ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك، فإنه يرجم، وإن لم يكن متزوجاً في حالة الزنا لاتصافه بالإحصان.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((والنفس بالنفس)) أي بشرط المكافأة فلا يقتل المسلم بالكافر ولا الحر بالعبد عند الشافعية، لا الحنفية.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((والتارك لدينه المفارق للجماعة))وهو المرتد والعياذ بالله تعالى، وقد يكون موافقاً للجماعة كاليهودي إذا تنصر، وبالعكس يقتل لأنه تارك لدينه غير مفارق للجماعة، وفيه قولان، أصحها: لا يقتل بل يلحق بالمأمن . والثاني:يقتل لأنه اعتقد بطلان دينه الذي كان عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطلانه قبل ذلك، وهو غير الحق فلا يترك بل إن لم يسلم يقتل،وقد تقدم القتل أيضاً في صورة سبق الكلام عليها.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

01 مايو 2017 00:50

الحديث الخامس عشر :

عن أبي هـريـرة رضي الله عـنه ، ان رســول الله صلى الله عـليه و سـلـم قــال : ( مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الأخـر فـلـيـقـل خـيـرًا أو لـيـصـمـت ، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الأخر فـليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ). رواه البخاري ، و مسلم .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) قال الشافعي رحمه الله تعالى: معنى الحديث: إذا أراد أن يتكلم فليفكر، فإن ظهر أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر أن فيه ضرر أو شك فيه أمسك. وقال الإمام الجليل أبو محمد ابن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه: جميع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)). وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)). وقوله صلى الله عليه وسلم: للذي اختصر له الوصية: ((لا تغضب)). وقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

ونقل عن أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه قال: السكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال. قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول : من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس.وكذا نقله في ((حلية العلماء)) عن غير واحد. وفي ((حلية الأولياء)) أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال: لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه)) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العافية في عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلاَّ عن ذكر الله تعالى عز وجل)).ويقال: من سكت فسلم، كمن قال فغنم. وقيل لبعضهم: لم لزمت السكوت ؟ قال: لأن لم أندم على السكوت قط،و قد ندمت على الكلام مراراً. ومما قيل: جرح اللسان كجرح اليد، وقيل: اللسان كلب عقور إن خلي عنه عقر.وروي عن على رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).

قال القاضي عياض : معنى الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام، لزمه إكرام الضيف والجار.وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )). وقال صلى الله عليه وسلم ((من آذى جاره ملكه الله داره)). وقوله تعالى : {والجار ذي القربي والجار الجنب} [النساء:36].

الجار يقع على أربعة: الساكن معك في البيت. قال الشاعر: أجارتنا بالبيت إنك طالق

ويقع على من لاصق لبيتك، ويقع على أربعين داراً من كل جانب، ويقع على من يسكن معك في البلد، قال الله تعالى: {ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلاً} [الأحزاب:6] فالجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق، والجار البعيد المسلم له حقان، وغير القريب المسلم له حق واحد.

والضيافة من آداب الإسلام،وخلق النبين والصالحين،و قد أوجبها الليث ليلة واحدة،واختلفوا: اهل الضيافة على الحاضر والبادي، أم على البادي خاصة ؟ فذهب الشافعي، ومحمد بن عبد الحكم إلى أنها على الحاضر والبادي.وذهب مالك وسحنون: إلى أنها على أهل البوادي، لأن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق ومواضع النزول وما يشتري من الأسواق وقد جاء في حديث: ((الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر)).

لكنه حديث موضوع.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

01 مايو 2017 00:55

الحديث السادس عشر :

عــن أبـي هـريـرة رضي الله عــنـه ، ان رجــلا قـــال للـنـبي صلى الله عـلـيـه و سـلـم : أوصــني . قال : ( لا تغضب ) فردد مرارًا ، قال : ( لا تغضب ). رواه البخاري .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تغضب)) معناه لاتنفذ غضبك، وليس النهي راجعاً إلىنفس الغضب، لأنه من طباع البشر، ولا يمكن الإنسان دفعه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالأرض )).

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال: ((لا تغضب ولك الجنة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)).

وقال أبو ذر الغفاري: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس،فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع)).

وقال عيسى عليه الصلاة والسلام ليحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام: إني معلمك علماً نافعاً: لا تغضب. فقال: وكيف لي أن لا أغضب ؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل: ذنب ذكرته أستغفر الله منه، وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به، وهي حسنة سيقت إليك .

وقال عمرو بن العاص: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يبعدني عن غضب الله تعالى قال: ((لا تغضب)).

وقال لقمان لأبنه: إذا أردت أن تؤاخي أخاً فأغضبه، فإن أنصفك وهو مغضب، وإلا فاحذره.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

01 مايو 2017 12:27

الحديث السابع عشر :

عـن أبي يعـلى شـداد بـن اوس رضي الله عـنه ، عـن الـرسـول صلى الله عـليه و سلم قـال : ( إن الله كتب الإحـسـان عـلى كــل شيء ، فـإذا قـتـلـتم فـأحسـنوا القـتـلة ، وإذا ذبـحـتم فـأحسنوا الذبحة ، وليحد أحـدكم شـفـرتـه ، ولـيـرح ذبـيـحـته ). رواه مسلم.

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) من جملة الإحسان عند قتل المسلم في القصاص أن يتفقد آلة القصاص، ولا يقتل بآلة كالّة،وكذلك يحد الشفرة عند الذبح،و يريح البهيمة،و لا يقطع منها شيء حتى تموت،و لا يحد السكين قبالتها، وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح، ولا يذبح اللبون، ولا ذات الولد، حتى يستغني عن اللبن.وإن لا يستقصي في الحلب، ويقلم أظفاره عند الحلب، قالوا: ولا يذبح واحدة قدّام أخرى.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

03 مايو 2017 00:10

الحديث الثامن عشر :

عـن أبي ذر جـنـدب بـن جـنـادة ، وأبي عـبد الـرحـمـن معـاذ بـن جـبـل رضي الله عـنهما ، عـن الرسول صلى الله عـليه وسلم ، قـال : ( اتـق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخـلـق حـسـن ). رواه الترمذي و قال : حديث حسن ، وفي بعض النسخ : حسن صحيح .

الشرح :


قوله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت)) أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة الناس، واتقه في سائر الأمكنة والأزمنة. مما يعين على التقوى استحضار أن الله تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله، قال الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاهو معهم أين ما كانوا ثم يُنَبِّئُهم بما عملوا يوم القيامة إنّ الله بكل شيء عليم} [المجادلة:7]. والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأتبع السيئه الحسنة تمحها)) أي إذا فعلت سيئة فاستغفر الله تعالى منها وافعل بعدها حسنة تمحها.

اعلم: أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسنة لا تمحو إلا سيئة واحدة، وإن كانت الحسنة بعشر، وأن التضعيف لا يمحو السيئه، وليس هذا على ظاهره، بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سئيات. وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُكِّبرون دبر كل الصلاة عشراً وتحمدون عشراً وتُسبِّحون عشراً فذلك مَائة وخمسون باللسان وألف وخمسائة في الميزان)).

ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((أيكم يفعل في اليوم الواحد ألفاً وخمسمائة سيئة)) دل على أن التضعيف يمحو السيئات. وظاهر الحديث: أن الحسنة تمحو السيئة المتعلقة بحق الله تعالى، أما السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة والنميمة، فلا يمحوها إلا الاستحلال من العباد، ولا بد أن يعين له جهة الظلامة، فيقول : قلت عليك كيت وكيت.

وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة، قال صلى الله عليه وسلم: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )). وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتَنظُر نفسُ ما قدمت لغدٍ} [الحشر:18].

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخلق حسن)).. اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس، وإلى كف الأذى عنهم ، قال صلى الله عليه و سلم : ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوها ببسط الوجه وحسن الخلق)).

وعنه صلى الله عليه وسلم: ((خيركم أحسنكم أخلاقاً)).

وعنه صلى الله عليه وسلم: ((أن رجلاً أتاه فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال ؟ قال: ((حسن الخلق))، وهو على ما مر أن أن لا تغضب.

ويقال: اشتكى نبي إلى ربه سوء خلق امرأته، فأوحى الله إليه: قد جعلت ذلك حظك من الأذى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم)).

وعنه صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق والسخاء، فإنه لا يكمل إلا بها)).

وقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199].

قال في تفسير ذلك: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك وتعطي من حرمك.

وقال الله تعالى : { اُدْفَعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت:34].

وقيل في تفسير قوله تعالى: {وإنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم} [القلم:4].

قال: كان خلقه القرآن، يأتمر بأمره وينزجر بزواجره، ويرضى لرضاه ، ويسخط لسخطه صلى الله عليه و سلم .
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

03 مايو 2017 00:27

الحديث التاسع عشر :

عـن أبي العـباس عـبد الله بن عـباس رضي الله عـنهما ، قــال : كـنت خـلـف النبي صلى الله عـليه و سلم يـوما ، فـقـال : ( يـا غـلام ! إني اعـلمك كــلمات : احـفـظ الله يـحـفـظـك ، احـفـظ الله تجده تجاهـك ، إذا سـألت فـاسأل الله ، وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله ، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك ، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك ؛ رفـعـت الأقــلام ، وجـفـت الـصـحـف ). رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي رواية غير الترمذي : ( احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم ان النصر مع الصبر ، وان الفرج مع الكرب ، وان مع العسر يسرا ).

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم : ((احفظ الله يحفظك)) أي احفظ أوامره وامتثلها، وانته عن نواهيه، يحفظك في تقلباتكم ودنياك وآخرتك قال الله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل:97]. وما يحصل للعبد من البلاء والمصائب بسبب تضييع أوامر الله تعالى، قال الله تعالى : {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى:30].

قوله صلى الله عليه وسلم: ((تجده تجاهك)) أي أمامك، قال صلى الله عليه وسلم: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )) وقد نص الله تعالى في كتابه: أن العمل الصالح ينفع في الشدة وينجي فاعله ، وأن عمل المصائب يؤدي بصاحبه إلى الشدة، قال الله تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام: {فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [الصافات:143-144]. ولما قال فرعون: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال الملك: {الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس:90-91].

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت فاسأل الله)) إشارة إلى أن العبد لا ينبغي له أن يعلق سره بغير الله، بل يتوكل عليه في سائر أموره، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه: كطلب الهداية، والعلم، والفهم في القرآن والسنة،وشفاء المرض، وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة ، سأل ربه ذلك. وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه، كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول: اللهم حنن علينا قلوب عبادك وإمائك، و ما أشبه ذلك، ولا يدعو الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه صلى الله عليه وسلم سمع علياً يقول: اللهم اغننا عن خلقك فقال: ((لا تقل هكذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض، ولكن قل: اللهم اغننا عن شرار خلقك )) وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم ، و يروى عن الله تعالى في الكتب المنزلة: أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح ؟ أم هل يؤمل للشدائد سواي وأنا الملك القادر ؟ لأكسونَّ من أمل غيري ثوب المذلة بين الناس... الخ.

قوله: ((واعلم أن الأمة)) الخ، لما كان قد يطمع في بر من يحبه ويخاف شر من يحذره، قطع الله اليأس من نفع الخلق بقوله: {وإن يمسسك الله بُضرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} [يونس:107]. ولا ينافي هذا كله قوله تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام: {فأخاف أن يقتلون} [الشعراء:14]. [والقصص:33]. وقوله تعالى: {إنّنا نخافُ أن يفرطَ علينا أو أنْ يَطْغى} [طه:45]. وكذا قوله: {خذوا حذركم} [النساء:71] إلى غير ذلك.

بل السلامة بقدر الله، والعطب بقدر الله، والإنسان يفر من أسباب العطب إلى أسباب إلى أسباب السلامة، قال الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلُكة} [البقرة:195].

قوله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن النصر مع الصبر)) قال صلى عليه وسلم: ((لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا ولا تفروا، فإن الله مع الصابرين)).. وكذلك الصبر على الأذى في موطن يعقبه النصر.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأنّ الفرج مع الكرب)) والكرب هو شدة البلاء، فإذا اشتد البلاء أعقبه الله تعالى الفرج كما قيل: اشتدي أزمة تنفرجي.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأن مع العسر يسراً)) قد جاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لن يغلب عسر يسرين)) وذلك أن الله تعالى ذكر العسر مرتين وذكر اليسر مرتين، لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة توحدت لأن اللام الثانية للعهد، واذا أعيدت النكرة تعددت فالعسر ذكر مرتين معرفاً، واليسر مرتين منكراً فكان، اثنين فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لن يغلب عسر يسرين))
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:


العودة إلى “الحديث وفقه السيرة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد