رياض الواصلين >> الحديث وفقه السيرة >> شرح الإمام النووي للأحاديث الأربعين النووية

03 مايو 2017 23:52

الحديث الأربعون :

عـن ابـن عـمـر رضي الله عـنهـما ، قــال : أخـذ الرسول صلى الله عـليه وسلم بمنكبي ، فقال : ( كن في الدنيا كـأنـك غـريـب أو عـابـر سبـيـل ). وكـان ابـن عـمـر رضي الله عـنهـما يقول : إذا أمسيت فلا تـنـتـظـر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تـنـتـظـر المساء ، وخذ من صحـتـك لـمـرضـك ، ومن حـياتـك لـمـوتـك . رواه البخاري

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) أي لا تركن إليها ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي يريد الذهاب منه إل أهله، وهذا معنى قول سلمان الفارسي رضي الله عنه: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أتخذ من الدنيا إلا كمتاع الراكب.

وفي الحديث دليل على قصر الأمل وتقديم التوبة والاستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف:23-24].

قوله: ((وخذ من صحتك)) أمره صلى الله عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها، فإنه يعجز عن الصيام والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن حياتك لموتك))، أمره صلى الله عليه وسلم بتقديم الزاد. وهذا كقوله تعالى: {نظر نفسٌ ما قَدَّمتْ لِغدٍ} [الحشر:18]. لا يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول: {رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} [المؤمنون:99:100].وقال الغزالي رحمه الله تعالى: ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة،فإذا اكتسب خيراً ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة، وهو البدن الذي فارقه بالموت، ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر، فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد، وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له :هيهات قد فات! فيبقى متحيراً دائماً نادماً على تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة.

فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وخذ من حياتك لموتك)). فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

04 مايو 2017 00:18

الحديث الحادي والأربعون :

عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ). حديث حسن صحيح . رويناه في كتاب ( الحجة ) بإسناد صحيح .

الشرح :

قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) يعني أن الشخص يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنة و يخالف هواه ويتبع ما جاء به صلى الله عليه وسلم، وهذا نظير قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36]. فليس لأحد مع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر ولا هوى.

وعن إبراهيم بن محمد الكوفي قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس ، ورأيت إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل حاضرين،فقال أحمد لإسحاق : تعال حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله. فقال له إسحاق: لم تر عيناي مثله؟! قل نعم ؛ فجاء به فوقفه على الشافعي فذكر القصة إلى أن قال: ثم تقدم إسحاق إلى مجلس الشافعي فسأله عن كراء بيوت مكة، فقال الشافعي: هذا عندنا جائز. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((فهل ترك لنا عقيل من دار))؟ فقال إسحاق: أخبرنا يزيد ابن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك، وعطاء وطاووس لم يكونا يريان ذلك، فقال له الشافعي: أنت الذي تزعم أهل خرسان أنك فقيههم؟قال إسحاق: كذا يزعمون!قال الشافعي: ماأحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمراً بفرك أذنيه، أنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنت تقول: قال عطاء وطاووس والحسن وإبراهيم، هؤلاء لا يرون ذلك؟ وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ؟ ثم قال الشافعي: قال الله تعالى: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} [الحشر:8]. أفتنسب الديار إلى مالكين أو غير مالكين؟ قال إسحاق: إلى مالكين.قال الشافعي: فقول الله تعالى أصدق الأقاويل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)). وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دار الحجلتين. وذكر الشافعي جماعات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له إسحاق: { سواء العاكف فيه والباد} [الحج:25]. فقال له الشافعي: فالمراد به المسجد خاصة ، وهو الذي حول الكعبة و لو كان كما تزعم لكان لا يجوز لأحد أن ينشد في دور مكة ضالة ، ولا تحبس فيها البدن ، ولا تلقى الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصة، فسكت إسحاق ولم يتكلم فسكت الشافعي عنه.
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

04 مايو 2017 00:22

الحديث الثاني والأربعـون :

عن انس رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( قال الله تعالى : يا ابن ادم ! إنك ما دعـوتـني ورجوتـني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ! لو بلغـت ذنـوبك عـنان السماء ، ثم استغـفـرتـني غـفـرت لك ، يا ابن آدم ! إنك لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتـني لا تـشـرك بي شيئا لأتـيـتـك بقرابها مغـفـرة ). رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

الشرح :

قوله تعالى: ((عنان السماء)) ، هو بفتح العين المهملة قيل هوالسحاب وقيل: ما عن لك منها، أي ظهر إذا رفعت رأسك.

قوله تعالى: ((ثم استغفرتني غفرت لك))، هو نظير قوله تعالى: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} [النساء:110]. الاستغفار لا بد أن يكون مقروناً بالتوبة. قال الله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود:3].وقال تعالى: { وتوبوا إلى الله جمعياً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31].

واعلم أن الاستغفار معناه طلب المغفرة وهو استغفار المذنبين، وقد يكون عن تقصير في أداء الشكر؛ وهو استغفار الأولياء والصالحين، وقد يكون لا عن واحد منهما بل يكون شكراً وهو استغفاره صلى الله عليه وسلم واستغفار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار: الله أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استعطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأوبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)). وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً. وفي رواية ـ كبيراً ـ ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)). و هذا آخر ما يسره الله الكريم على سبيل الإختصار و الحمد لله ربّ العالمين .
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:


العودة إلى “الحديث وفقه السيرة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران