رياض الواصلين >> الحديث وفقه السيرة >> في حفظ السنة النبوية

09 أكتوبر 2017 01:40

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد النبي الصادق الأمين و على آله و صحبه و سلم

لقد اكتسبت السنة النبوية صفة الحفظ من عند الله تعالى ، ثم بعناية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم صحابته رضوان الله عليهم ، ثم رجالات الأمة الإسلامية ممن ورثوا عن نبيّهم صفات الصدق و الأمانة فحفظوها و حفظتهم رضي الله تعالى عنهم جميعهم فالحمد لله رب العالمين .

و قد ذكر علماء الحديث أربعة مسائل في بيان أن الله تعالى تولى حفظها ثم أربعة عوامل ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ثلاثة ترجع إلى صحابته الكرام رضوان الله عليهم و أربعة ترجع إلى الأمة و علمائها .

* في بيان أن الله تعالى تولى حفظها :
1. وعد الله تعالى بحفظ الذكر يشمل حفظ السنة أيضا و وعد الله لا يخلف قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
قال العلماء : و السنة داخلة في الآية إما نصّا و دليله :
قوله سبحانه و تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
و قوله سبحانه : (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ) ،
أو باعتبارها مما نزل و يتلى و النصوص في هذا كثيرة منها :
قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ) و قوله سبحانه : ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ، و قوله سبحانه : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا )
و الحكمة هي السنة باتفاق سلف الأمة
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : (ذكر الله الكتاب و هو القرآن و ذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله )
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الحمر فقال : ( لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"
و إما لزوما و هي داخلة باللزوم ، لأنها التي تبين القرآن الكريم و تشرحه فحفظها دلّت عليه الآية إما اقتضاءا لأن لفظة الذكر عني بها الوحي فيقتضي السنة ، و إما لزوما إذا قصر لفظ الذكر على القرآن ، لأن السنة شارحة و مبينة للقرآن ، و من تكفل بحفظ المبيّن المشروح فقد تكفل بحفظ الشارح و المبين .

2. أن الحكمة من الخلق لا تتحقق إلا بحفظ السنة مع القرآن الكريم :
خلق الله تعالى الخلق ليعبدوه فقال : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، و عبادته لا تكون بالهوى و إنما بما شرع ، و مبنى الشرع على كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و عليه فلا سبيل لعبادته إلا بحفظهما ، قال المعلمي : " الخالق الذي هيأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام و تكفل بحفظه إلى الأبد "و عنايته بحفظ الدينأشد و آكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه الدنيا ، قال عز و جل : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)

3. لو لم يحفظ الله تعالى السنة لكلف العباد بما لا يطيقوه
ذلك لان الله تعالى اوجب عليهم في آيات عدة طاعة الله و طاعة الرسول ، و منها قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
و قوله سبحانه : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) و قوله تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
و طاعته تكون بتصديقه فيما اخبر ، و إتيان ما به أمر ، و ترك ما عنه نهى و زجر ، و لا سبيل لمعرفة تلك الأخبار و الأوامر و النواهي بعد انقطاع الوحي و ختم النبوة إلا بالنقل ، فلو لم تحفظ السنة لما كان في استطاعة أحد أن يعرف فيما يطيع النبي صلى الله عليه و سلم .

4. شهود الواقع بأن الله تعالى تولى حفظ السنة بنفسه :
من حفظ الله تعالى للسنة أنه سبحانه و تعالى يفضح المرء بمجرد الهم بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لذا قال سفيان رضي الله عنه : " ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث " و قال عبد الرحمان بن مهدي : " لو أن رجلا هم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله " و قال ابن المبارك : "لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح و الناس يقولون : فلان كذاب "

سبحان الله .. سبحان الله العظيم .

يتبع إن شاء الله
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

10 أكتوبر 2017 00:45

* العوامل التي ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفظ السنة :

1. ترغيب النبي صلى الله عليه و سلم في حفظ الحديث و حثه على نقله و تبليغه

و مما ورد في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ، و حفظها ، و بلغها ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )
و قوله صلى الله عليه و سلم في خطبته يوم النحر في حجة الوداع : ( فليبلغ الشاهد الغائب )
فالحديث الأول دليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان شديد الحرص على أن تحفظ سنته حتى تصل إلى أمته ، لذا خطب في جمع عظيم من اصحابه في مسجد الخيف بمنى يحثهم على ذلك ، فدعا هذه الدعوة المباركة المستجابة شحذا للهمم و إيقاضا للعزائم
و أما الثاني ففيه الأمر بأن يبلغ الشاهد الغائب ، و السابق اللاحق ، و فيه أيضا الحث على الوعي و الحفظ لما يريد الإنسان أن يبلغه ، إذ لا سبيل إلى التبليغ إلا بذلك .

2. تحذير النبي صلى الله عليه و سلم و تنفيره من الكذب في الحديث

فقد ورد عنه صلى الله عليه و سلم الوعيد الشديد لمن تعمد الكذب عليه فقال : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
و قال صلى الله عليه و سلم : ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )
و قال أيضا صلى الله عليه و سلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )

ففي هذه الأحاديث تعظيم أمر الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم و جعله أعظم أنواع الكذب بعد الكذب على الله ، و من الكذب أن يروي الإنسان كل ما ينسب لرسول الله صلى الله عليه و سلم من غير تثبت و لا روية ، و أن يروج لأحاديث المكذوبة و يذيعها في الامة من غير بيان لحالها و تحذير الناس منها .

و المقصود أن هذا الوعيد الشديد مما حفظت به السنة ( فقد كره قوم من الصحابة و التابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم خوفا من الزيادة أو النقصان ، و الغلط فيه حتى إن من التابعين من كان يهاب رفع المرفوع ، فيوقفه على الصحابي ، و يقول الكذب عليه اهون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و منهم من يسند الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الله عليه و سلم قال : قال ، و لم يقل رسول الله ، و منهم من يقول : رفعه ، و منهم من يقول : رواية ، و منهم من يقول يبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم ، و كل ذلك هيبة للحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و خوفا من الوعيد ) - من شرح السنة للبغوي -

3. طبيعة كلامه صلى الله عليه و سلم

مما سهل حفظ حديث النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى الله عليه و سلم كان يطيل السكوت و لا يتكلم إلا عند الحاجة ، فإذا تكلم كان كلامه افصح الكلام و أبلغه ، و أحلاه ، و أعذبه ، تسابق معانيه ألفاظه ، و مع كونه قليل الألفاظ مقتضب الجمل إلا أنه واسع المعاني ، كثير البركة ، و مع أنه منزه عن التكلف و الصنعة يلقيه على السجية دون أن يقصد إلى تزيينه و تنميقه إلا أنه يأتي محذوف الفضول ، سالما من التعقيد و العي و الخطل ، فهو باختصار كلام موجز و معجز ، لذا كان صلى الله عليه و سلم إذا تكلم أصغت لكلامه الأسماع ، و مالت إليه القلوب ، فيأخذ بمجامعها ، و ينفذ إلى سويدائها ، فتقشعر منه الجلود ، و تذرف العيون ، و تتفتح العقول لفهمه و عقله ، و الصدور لحفظه و ظبطه ، لأن مسارعة الناس إلى حفظ الكلام منوط بما اشتمل عليه من المحاسن فكلما كثرت فيه كثر من يحفظه و يتناقله ، و قديما قال شاعر المعرة :
من الناس من لفظه لؤلؤ *** يبادره اللفظ إذ يلفظ
و بعضهم قوله كالحصى *** يقال فيلغى و لا يحفظ

4. طريقته صلى الله عليه و سلم في إلقاء الكلام ، و أسلوبه في عرض الحديث

فقد ساعدت طريقة النبي صلى الله عليه و سلم في الكلام في تيسير حفظ حديثه ، و ضبط خطبه و أقواله ، فمع أن كلامه صلى الله عليه و سلم جمع من الصفات ما ذكرت ، و فوق ما وصفت ، و مع أن الله تعالى ألقى المحبة عليه و غشاه بالقبول ن و جمع له بين المهابة و الحلاوة ، بين حسن الإفهام و قلة عدد الكلام ، و مع استغنائه عن إعادته و قلة حاجة السامع إلى معاودته ، مع هذا كله إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يسرد الحديث سردا ، بل كان يتكلم بكلام بيّن فصل ، بإمكان عده ، و يعيده مرارا حتى يتيسر عقله و ضبطه ، حرصا منه صلى الله عليه و سلم على أن تحفظ السنة حتى تصل إلى سائر الأمة
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم ( كان يحدث حديثا لو عده العاد لحصاه )
و في رواية : ( ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسرد كسردكم هذا ، لكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه )
و عن أنس رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه )

منقول بتصرف

يتبع إن شاء الله
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:


العودة إلى “الحديث وفقه السيرة”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد