رياض الواصلين >> القرآن و التفسير >> أهمية تدبّر القرآن الكريم

15 مايو 2017 23:04


من مواضيع الأخ علي الصوفي
ــــــــــــــ

بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على من أرسل رحمة للعالمين و آله


قال تعالى :
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا )

تدبّر القرآن عصمة و حفظ من دخول الشكّ و الريب إلى قلوب الناس و ذلك لأنّ القرآن كتاب جامع ليس فيه إختلاف و لا تناقض بل هي معاني متكاملة ليس فيها ذرّة من النقصان أو النسيان أو السهو ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء )

فالمتدبّر للقرآن يدرك و لا بدّ تناسق و تناغم حقائق المعاني فيه في جميع مستوياتها ( مستوى الأعمال و مستوى الأحوال و مستوى المقامات ) و هي ترجع بدورها إلى مستويات ثلاثة مستوى الأسماء و مستوى الصفات و مستوى الذات فإذا علمت كون جميع الأفعال صادرة من واحد فالله تعالى واحد في أفعاله تدرك كون الأمر كذلك فهو واحد في صفاته ثمّ إنه سبحانه واحد في ذاته سبحانه

لهذا أمرك بتدبّر القرآن حتى لا تضلّ فيه أو تضلّ به لهذا تستعمل الشياطين و أهل السحر مقلوبات القرآن لأنّ علوم إبليس لعنه الله تعالى هي معكوسات المعارف و هكذا حالة كلّ عارف متى سلب و طرد فتنقلب معارفه سحرا و علومه خبثا و مكرا و هو الخروج من العالم النوراني إلى العالم الظلماني لذا قال تعالى ( و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) لأنّ هذا الإخراج من النور إلى الظلمة هو إخراج معنوي و ليس إخراجا حسيّا

فإذا علمت أنّ الله تعالى أنزل القرآن بعلمه ( لَّـكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفَى بِالله شَهِيدً )

تعلم أنّ العلم معنى شامل لجميع المقامات و الأحوال و جميع المشارب و الأذواق فتعلم يقينا أنّها كلّها من عند الله تعالى كما قال تعالى ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) فتقول : لقد نزل القرآن بين شريعة و حقيقة فلا تخالف شريعة من الشرائع أي حقيقة من الحقائق فالشرائع في الأمم السابقة لم تخالف الحقائق رغم وجود النسخ فيها كما وجد في القرآن هذا كي تعلم كون الشريعة الثابتة تكون بحسب أصول الحقائق الثابتة التي لا تتغيّر التي هي أمّ الكتاب

ثمّ هناك شرائع متغيّرة بحسب الحقائق المتغيّرة بحسب الزمان و المكان متى علمت أنّه سبحانه ( كلّ يوم هو في شأن ) و أن عنده لوح المحو و الإثبات و أنه قال ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) و هذا العلم لا يحسن الخوض فيه إلا الراسخون في العلم من جهابذة العلماء مّمن جمع بين الشريعة و الحقيقة كالأئمّة الأربعة و غيرهم من أئمّة الإسلام في صدر الإسلام خاصّة فهم أساطين العلم لوسع نظرهم و عمق فهمهم للنصوص و تناسق ذلك الفهم مع وسع معارفهم الربانية لهذا صحّ منهم الإجتهاد المطلق بينما قلّ و ندر ما صحّ من غيرهم ممّن أتى من بعدهم

و كمثال على ذلك أنّك ترى فقه الأئمّة لم يؤدّ عبر تاريخ الإسلام إلى تناحر و لا فساد و لا فتن و لا خروج بل ذلك الفقه هو الذي أسّس لبناء أكبر حضارة إسلامية عبر التاريخ الإنساني يستفيد منها البشر إلى يوم الناس هذا ..

بينما أدى فكر و منهج ممّن لم يسر على منوالهم و خالف سبل طلب العلم و طرقه فإدّعوا الإجتهاد المطلق بغير وجه حقّ و لا حقيقة أو برهان أو شاهد فليس التبحّر في علم الديانة إشهار بل أنوار إلى تمزّق و فرقة و اقتتال و تشويش على الدين و جمهور العلماء و محاربة الأولياء و العارفين

فليس العبرة أن تلوم فقط القاتل أو صاحب الفتنة و الفرقة و لكن العبرة أن تحذّر من صاحب أصل الفكرة قبل كلّ شيء فهو الشيطان الحقيقي الذي تخفّى تحت لقب عالم أو شيخ إسلام أو غيرها من الألقاب و الصور التي ما نعت بها من ليس بأهلها فالعلم لا يؤخذ عن طريق التقليد من حيث شهرة فلان من الناس أو إشهار زيد من البشر بل يؤخذ عن طريق تدبّر القرآن و أهل تدبّر القرآن كما قيل ( لا تكن من الذين يعرفون الحقّ بالرجال و لكن اعرف الحقّ تعرف أهله )

المنهج القرآني السليم لا يأخذك إليه إلاّ التدبّر السليم و الفهم المستقيم للقرآن و هذا التدبّر السليم و الفهم المستقيم لن تتحصّل عليه بمجرّد الفكر أو نشاط العقل بل بسلامة القلب و صحّة قصده نحو ربّه سبحانه و تعالى لأنّ التدبّر في حقيقته من علوم الوهب من عالم الأنوار فهو منّة إلهية و عطاء رباني لهذا قال ساداتنا ( فرّغ قلبك من الأغيار يملأه بالمعارف و الأسرار )

فالمراد بالأغيار هو كلّ ما غير الله تعالى فصاحب التدبّر القرآني الصحيح بالفهم و الذوق الصريح لا تجده إلا عبدا قاصدا مولاه مريدا وجهه الكريم على صفة الإتباع المستقيم بالدليل و المنهج السليم و إلاّ فإنّ دعوى التمسّك بالقرآن و القصد نحو الله تعالى و دعوى النصح لعباد الله تعالى فعلها حتى إبليس لعنه الله تعالى ( و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين )

فمتى وجدت كونك على الحقّ في منهجك و كون هذا العارف بالله أو ذاك العارف بالله على باطل فاعلم أنّك وجدت إختلافا في القرآن و متى اعتقدت كون تلك الآية التي نزلت في المشركين إنما نزلت في المؤمنين فاعلم أنّك وجدت إختلافا في القرآن و اعلم أنّك متى ذكرت الله تعالى و قرأت القرآن و حفظته لكنّه لم يتجاوز حنجرتك فقد وجدت إختلافا في القرآن و كونك متى صار منك الغلو في الدين فقد وجدت إختلافا في القرآن لأنّ القرآن في جميع آياته محكمها و متشابهها و أمثلته و قصصه سلاح ذو حدّين إمّا لك و إمّا عليك كما قال تعالى ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَ يَهْدِي بِهِ )

فهل يكون من يحارب أولياء الله تعالى و ينبش قبورهم و يخرج عظامهم مهتديا عالما متدبّرا للقرآن فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال لمن أرسله من الصحابة ناشرا لدين الله تعالى في ( أن لا تدع صورة إلا طمستها و لا قبرًا مشرفًا إلا سويته )

فانظر كيف قال له ( و لا قبرًا مشرفًا إلا سويته ) فما قال له ( و لا قبرا مشرفا إلا نبشته ) لأن حرمة الأموات عند الله تعالى كحرمة الأحياء ألا ترى كيف ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلّم جثث الكفار يوم بدر في بئر و دفنها هناك فما بالنا اليوم نرى من ينبش قبور الأولياء و الصالحين و يفجّرونها بالكامل و لا نحرّك ساكنا فهلاّ أوصيناهم على الأقلّ بتسوية القبور المشرفة من غير نبش و لا حرق و لا تفجير إذن فليذهبوا يفجّروا قبر أبي بكر و عمر رضي الله عنهما و يفجّروا القبّة الخضراء

كلّ حصل كون هؤلاء الغلمة و الشباب قرؤوا القرآن لكنّهم لم يتجاوز تراقيهم فسقم الفهم منهم كما سقم من أسلافهم

فأنت إمّا أن تكون ناجيا بهذا القرآن و إمّا أن تكون هالكا به كما قال عليه الصلاة و السلام في قوم من الخوارج الذين يخرجون آخر الزمان و أغلبهم من الشباب ( يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ) قال سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه ( الهالك في هذه الطريقة أكثر من الناجي فيها )

صاحب الحقّ و المفهوم الصحيح للدين لا تخفى علاماته و أماراته على كلّ قاصد نحو رضوان ربّه سبحانه بل الداعي إلى الله تعالى بحقّ و صدق كالسراج المنير و هل يخفى ذلك السراج إلاّ على أعمى بصر و بصيرة قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا وَ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُنِيرًا ) فمن علامات الداعية الحقيقي الى الله تعالى أن يكون سراجا منيرا نورا يضيء ييسّر العسير و يبشّر و لا ينفّر و يقرّب و لا يبعد رحمة من رحمات الله تعالى لقوله تعالى ( وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )


كتبه : علي الصوفي في 02.03.2014
نور الصفاء
عضو نشيط
مشاركات: 115
اشترك في: 22 إبريل 2017 02:38
آخر نشاط: 13 إبريل 2020 09:23
العمر: 50
اتصال:

16 مايو 2017 18:58

كلام في الصميم حققنا الله بما نقول وجعلنا من أهل القرآن
جزاكم الله خيراً سيّدي
عبدالله حرزالله
عضو نشيط
مشاركات: 61
اشترك في: 01 مايو 2017 16:46
آخر نشاط: 22 مارس 2018 20:58
مكان: نابلس-فلسطين
العمر: 36
اتصال:


العودة إلى “القرآن و التفسير”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد